قبل الدخول لسورية احترت أي طريق أتبع هل أسلك البوابات الرسمية أم أختار أحد الموثوق بهم للعبور إليها، فالبوابات التي يسيطر عليها الجيش الحر من (رأس العين أو سري كانية وتل أبيض وجرابلس وباب الهوى) أعرفها كلها إلا أنني على معرفة دقيقية ببوابة رأس العين فهي مدينتي التي عشقتها وترعرعت فيها، ولكن الخلافات السياسية بين طرفي القتال يجعل الشخص يراجع نفسه لألف مرة حتى يدخلها من البوابة الرسمية، فقررت التحرك باتجاه تل أبيض أو(أقجَ قلا)التركية، وفي الطريق وأثناء الاتصال مع العديد من الأصدقاء وبعد وصولي لمدينة أورفا التركية قررت أن أكمل الطريق إلى (قلقاميش)التركية أو جرابلس السورية، لأسير مع بعض الأصدقاء مرافقاً نهر الفرات الذي يهديك الطريق إلى المدينة ويدخل بهدوء وانسياب لا متناهٍ إلى الحدود السورية التركية لا يستأذن أحداً ولا يحتاج لسمسار أو معارف، وعند وصولنا رحّب بنا جمع كبير ممن يدخلون إلى سوريا (أطفال، رجال، شباب، شيب) إلا أننا كنّا قد اعتمدنا على عدد من الأشخاص للدخول، ونراقب البوابة عن كثب، حيث تدخل البضائع بشكل سريع سيارات محمّلة بأكبر من طاقتها رجال ونساء يحملون ما يثقل كاهلهم، ويُستقبلون بإجراءات سريعة يتخذها موظفو البوابة التركية، وعلى الجانب السوري عدد من الرجال الملتحين يراقبون على عجل الجوازات قبل ختمها وتوقيعها، لنتفاجأ بأسعار المواصلات بعد غيابنا لمدة شهرين وأكثر تقريباً حيث تجاوزت خمسة أضعاف ما كان سابقاً
*الطريق إلى عين العرب (كوباني).
بعد الاتفاق مع صاحب السيارة الذي اصطحبنا باتجاه المدينة بدأ المطر يهطل ويزيد من تعبنا وانتظارنا العبور باتجاه الوطن فكل الطرق كأنها محفورة عمداً، فالمسافة بين عين العرب وجرابلس هي نصف ساعة(40كم) ولكنها استغرقت لأكثر من ساعة، ولخوف السائق من الرجوع لوحده لجرابلس قام باصطحاب مجموعة من أصدقائه الشباب وهو ما أدخل الخوف لقلوبنا، لأننا سمعنا قصصاً كثيرة عن الخطف والقتل قبل دخولنا لسوريا، وبما أننا كنا ثلاثة أشخاص، ذلك كان ما بدد خوفنا، ومررنا بعدة قرى ضمن سيطرة الجيش الحر فيها حواجز شبه خالية وبعض السواتر الترابية باستثناء حاجز واحد قريب من حاجز قوات الحماية الشعبية لا يفصل بينهما سوى عدة كيلومترات (كان الطرفان محصنين نوعاً ما) حيث وضعت سواتر ترابية وأحجار على شكل (زكزاك) للحد من سرعة السيارات المتجهة إلى المدينة، ومن ثم طرح الأسئلة المعتادة ( من أين أتيتم؟ وإلى أين ذاهبون).
لنصل عين العرب كوباني ليلاً وينتظرنا مضيفنا في وسط المدينة التي ترزح تحت السواد باستثناء بعض الأنوار الآتية من المدينة الحدودية التركية المقابلة لها وتحرك بعض السيارات للضرورة القصوى.
*غرق في الظلام والدخان
بعد دخولنا البيت الذي نقصده توقعنا أن لانجد الماء والكهرباء والطعام وكان استعدادنا النفسي لتقبل ذلك أقوى من مغامرة الدخول إلى سوريا حينما قررنا الدخول فيها قبل أيام، إلا أن مضيفنا كان قد أعد لنا مائدة الواجب على ضوء مولّدة كهربائية تعمل بالبنزين، (سعر الليتر بين160-175ليرة).
أمضينا ليلتنا بعد إطفاء المحرك إلا أن الدخان المنبعث من المدفأة التي تعمل على الحطب من جهة ودخان السجائر الأجنبية كانت قد نال منا الكثير، إذ بتنا نستنشقّ الدخان منها بدلاً من الهواء بالإضافة إلى الرطوبة التي صاحبت المطر، ما زاد الأمر سوءاً.
*أهواء تعصف بالرايات
في الصباح يدب النشاط في عين العرب (كوباني) ومن المعروف عن أبناء هذه المدينة نشاطهم الاقتصادي مع امتلاكهم للأراضي الخصبة فأغلبها يُزرع بعلاً، إلا أن سد تشرين المشاد على الفرات قبل عشر سنوات تقريباً رفع من منسوب المياه واعتمد الأهالي على استجرار المياه من السد لزارعة الكثير من أنواع الخضروات، أما الهضاب فقد ُزرعت بأشجار الزيتون والفستق الحلبي حديثاً، وفي مداخل المدينة الثلاث الجنوبي(طريق حلب) والغربي (طريق جرابلس) والشرقي (طريق تل أبيض) كلها حواجز تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي ومرفوع عليها العلم ذو الثلاث ألوان ( الأحمر والأصفر والأخضر) بالإضافة لأعلام عائدة لقوات حماية الشعب (YPG) التابعة له وعلى كل حاجز يوجد عدد من العناصر يترواح عددهم بين (3-6) أغلبهم في عمر الشباب البعض منهم لا يتجاوز عمره /15/عاماً، وأثناء تجولنا لاحظنا عدة أعلام كوردستانية (المؤلفة من الأحمر والأخضر والأبيض وتتوسطها شمس) وكانت مرفوعة على مكاتب عائدة للأحزاب الكوردية ومنها (حزب يكيتيا لكوردي-وحزب آزادي الكوردي-وحزب الديمقراطي التقدمي -والحزب الديمقراطي الكوردي–وحزب "البارتي") القليل منها يرفع علم الاستقلال وهما (اليكيتي والآزادي)، أما الدوائر بشكل عام فمرفوع عليها أعلام حزب الـPYD، ومنها المفارز الأمنية (الأمن العسكري والأمن الجوي وأمن الدولة) إضافة إلى مخافر الشرطة ومديرية المنطقة.
أما حزب الوحدة الديمقراطي الكوردي في سوريا (يكيتي) فإنه يتخذ من بناء الأمن السياسي مقراً له يرفع عليه(شعار الحزب-والعلم الكوردي- وعلم الاستقلال) ويدرس فيها اللغة الكوردية وأيضاً مستوصف صحي باسم مركز الدكتور شيرزاد صلاح يقدم خدماته مجاناً).
*سوق الحشيش
هناك شارع ممتد في الجهة الشرقية للمدينة يسمى (شارع 48) فالكثير من المحلات أو الأشخاص يجلس على الكراسي أو ممن يبيعون البنزين والمازوت على الأرصفة يمتلك عينة ما من مادة الحشيشة في جيبه أو في زاوية ما من زوايا محله، يقوم بعرضها على الزبون ويترواح سعر الكيلو الواحد بين 16-25 ألف ليرة سورية، وبحسب أبناء المنطقة فإن زراعة الحشيش يتطلب عناية خاصة واهتماماً، ولا يمكن زراعة مساحات كبيرة، ويمتد عمرها من لحظة الزراعة إلى الحصاد مدة تتراوح بين شهرين ونصف إلى ثلاثة أشهر، وقال بعض الأهالي إن مساحة 100م2 يوفر للمزارع بين(800000- 1100000 ليرة سورية)، أما التجار فيقصدونها من كل الأماكن -حسب تعبير أحدهم- وخاصة من العراق ولبنان، أما أكثر التجارة فوجهتها تركيا.
ويبرر الأهالي زراعة مادة الحشيش بذرائع كثيرة ليس أقلها أن غالبية أبناء المنطقة عاطلون عن العمل، لاسيما بعد رجوع غالبية مهاجريها من مدن حلب ودمشق بعد اشتعال الثورة فيهما، إضافة إلى أنها مادة توفر الربح السريع بدلاُ من العمل على طول السنة في سبيل لقمة العيش، ومنها حجة "الضرورات تبيح المحظورات" التي يتناقلها أبناء المدينة عن رجل أفتى بشان زراعة الحشيش، وكان هو نفسه أول زارعي الحشيش دون ذكر اسمه.
*"البطن الجائع لاينام"(مثل كوردي)
في ظل سيطرة الجيش الحر على المنافذ الأساسية التي تؤدي إلى المدينة واستئثارها بغالبية المعونات الإنسانية التي تصل من البوابات(تل أبيض 70كم شرقي المدينة،وجرابلس 40كم غربي المددينة) تعيش عين العرب في ظل نقص حاد في المواد الضرورية للعيش بسبب الحصار المفروض عليها من قبل كتائب الجيش الحر ولخلاف سياسي ما مع الـ PYD واتهام الجيش الحر للحزب بأنه من شبيحة النظام، ما ينعكس على وصول المواد التموينية والخبز وفي ظل سيطرة الـPYD على المدينة فإنها تقوم باستغلال أو احتكار التجارة مع المناطق الأخرى عن طريق تجار يقومون بتوصيل المواد ومنها الخبز إلا أنها تخضع لضريبة بحسب بائعي الخبز فسعر ربطة الخبز في كوباني/ 45/ ليرة سورية أما في جرابلس وتل ابيض/ 20/ ليرة سورية وتصل المدينة في أوقات متأخرة من الليل يسهر أثناءها الشيوخ والأطفال والرجال للحصول على ربطة أو ربطتين.
*البنزين والمازوت مصدر للرزق
الكثير من أبناء المنطقة يجمعون عدة براميل من مادتي البنزين والمازوت وبخاصة على المداخل الثلاثة المذكورة سابقاً (غربي وجنوبي وشرق) ويضعون عليها مضخات تسحب منها عن طريق كيلها بتنكات لتر أو لترين أوحسب الطلب ومن ثم تُعبأ للزبائن بواسطة القمع، أما محطات الوقود فهي مغلقة في أغلب الأحيان.
يبقى القول بأن هناك نوعاً من الأمان في عين العرب(كوباني) أكثر من أي منطقة أخرى موجودة في سوريا، لا سرقات تُذكر، ولا حالات خطف باستثناء ما ينعرض له الناشطون المختلفون مع الـ ب ي د وكان آخرهم ثلاثة أشخاص من حزب أزادي الكوردي وهم:علاءالدين حمام عضوالهيئة القيادية للحزب ونجله سرداروصالح شاهين دعو ،وكان علاء الدين حمام قد اعتقل لعدة مرات سابقة من قبل أجهزة النظام وحُكم أمام محكمة أمن الدولة السيئة الصيت لمدة أربع سنوات.
تقارير "زمان الوصل" | ||
|
عين العرب - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية