قررت وزارة الاقتصاد والتجارة الاستمرار باستخدام أكياس البولي بربلين لتعبئة الطحين إلى حزيران المقبل، وكان قرار صادر عنها قبل أكثر من عامين، أوقف استخدامها بسبب مخاطرها الصحية والبيئية وأعطى مدة شهر للتنفيذ غير انه بقى حبراً على ورق، ليأتي قرار اليوم ويوفر "لعدم التطبيق" الغطاء القانوني ويعلقه على شماعة الأزمة.
مصالح ومتواطئين
قضية استخدام أكياس البولي بربلين تتفاعل في سوريا منذ سنوات طويلة، تتجاذبها أطراف عديدة لها مصالح متضاربة، فمن جهة أصحاب المعامل الخاصة المصنعة للأكياس، والتي تتعاقد مع مؤسسات الدولة لبيعها (المطاحن والاسمنت، وغيرهما) والمتواطئين معهم داخل الحكومة وداخل تلك المؤسسات، ومن جهة الأخرى هيئة المواصفات والصحة والبيئة ووزارة الصناعة التي سيتوقف لديها عدد كبير من المعامل (نسيج وورق) المرتبطة بالاسمنت والطحين في حال تم حسم الأمر لصالح أكياس البولي بربلين.
فالقصة تعود إلى عام 2001 حين تمّ حظر استخدام تلك الأكياس لتعبئة الطحين والسكر والمواد الغذائية بسبب المخاطر الصحية والبيئة المترتبة على استخدامها، واستمر العمل بالقرار لمدة خمس سنوات، إلى أن تمت العودة عنه عام 2006، بقرار معاكس.
وعادت القضية للتفاعل وصدر قرار عن الاقتصاد في تشرين الثاني 2010 وأعطى مهلة شهر للتنفيذ ولم ينفذ، ومن جديد تمّ اتخاذ القرار رقم 824 /1 صادر عن رئاسة مجلس الوزراء قبل نحو عام (15/1/ 2012) والقاضي بعدم استخدام تلك الأكياس في تعبئة الطحين والاسمنت لمخاطرها البيئية والصحية، وأعطي فترة شهر للتطبيق غير انه القرار ظل حبراً على ورق ولم يطبق، ويأتي قرار الاقتصاد اليوم ليعطي عدم التنفيذ الغطاء المطلوب.
رغم أن هناك لجنة رسمية تشكلت منذ نحو ثلاث سنوات وتوصلت في اقتراحاتها إلى "حصر تعبئة كافة أنواع الدقيق والطحين بأكياس الخام القطنية في القطاعين العام والخاص لأسباب صحية وبيئية بالإضافة إلى عدم إمكانية إجراء الاختبارات الكيميائية على المواد المعبأة في تلك الأكياس للتأكد من سلامتها صحياً في أي مخبر من مخابر سوريا وفق ما تنص عليه كافة الهيئات العلمية الدولية بما في ذلك الـFDA".
مخاطر صحية
تذهب بعض الدراسات إلى تحميل استخدام تلك الأكياس التسبب في أمراض خطيرة مسرطنة مؤذية للصحة العامة، وزارة الصحة أوضحت لوزارة الاقتصاد سابقاً ولمرات عديدة –موثقة في الصحف المحلية-أن استخدام هذه الأكياس المصنوعة من مادة البولي بروبلين والمحاكة حياكة عند تعرضها لأشعة الشمس نتيجة الجفاف وتساقط ذرات بلاستيكية منها تتفتت وتختلط مع المادة الغذائية.
أيضاً وزارة التعليم أكدت عدم صلاحيتها، باعتبار أن المواد الأولية المستوردة لصناعة هذه الأكياس لا تحتوي مواد إضافية مثل مثبتات ضد الأشعة فوق البنفسجية، ومواد ضد الأكسدة تساعد ضد الاهتراء السريع إضافة أن الحبيبات المستوردة لصناعة هذه الأكياس غير مؤكدة من كونها حبيبات نظامية خالية من مادة /P.V.C/ الضارة بالصحة، ومن عدم تحقيق ظروف تخزين لهذه الأكياس بشكل نظامي فكيف الطحين المعبأ في مثل هذه الأكياس قبل استخدامها.
من جهتها وزارة البيئة رفضت استخدامها، وأكدت على ضرورة استخدام أكياس الخام القطنية كونها سليمة صحياً وقابلة للتحلل ويمكن إعادة استخدامها مرات عديدة.
ورأت هيئة الطاقة الذرية أن ذرات البولي بروبلين تتفاعل مع الطحين نتيجة الحرارة وعملية التبخر الناتجة عن المادة الغذائية، واستخدامها يشكل عنصراً ساما في مادة الخبز وبالتالي فهي ضارة بصحة المواطن.
وخسائر مادية للخزينة
كانت وزارة الصناعة التي تسعى إلى عدم حسم الأمر لصالح أكياس البولي بوبلين بينت في كتابها رقم 331ص4/ 5 تاريخ 12/3/2012 الموجه إلى رئاسة مجلس الوزراء بعض الأرقام التي توضح الآثار السلبية لتمرير هذا القرار على شركات المؤسسة العامة للصناعات النسيجية وخاصة ما يتعلق باستبدال أكياس الخام القطنية بأكياس البولي بروبلين في تعبئة الطحين حيث إن عملية الاستبدال التي ستطال الكميات المنتجة فيها من أكياس الطحين بنسبة 45% من الطاقة الإنتاجية لشركات النسيج، وهذا ما سيؤدي إلى توقف/849/نولاً وخروج عمالة تقدر ب 2864 عاملاً لتصبح عبئاً جديداً على تكاليف الإنتاج والتي تزيد أجورهم عن مليار ليرة سورية سنوياً.
وكما رأت الوزارة إنه بالمقارنة بين التكلفة الصافية للنوعين؛ ففي حال استخدام الأكياس القطنية فإن الكميات المخصصة سنوياً والبالغة (40) مليون كيس تكون قيمتها الإجمالية تساوي 1680 مليون ل.س بقيمة إفرادية تبلغ 42 ل.س، وبالنظر إلى إمكانية إعادة استخدام الأكياس لمرة ثانية بمعدلات تتراوح بين (50-75%) فإن ما يعادل 20 مليون كيس ستحتسب ضمن القيمة الإجمالية المذكورة إضافة إلى إمكانية توفير مبلغ 600 مليون ليرة سورية من بيع الأكياس بعد الاستخدام بسعر (15) ل.س وبالتالي تكون كلفة 60 مليون كيس 1080مليون ل.س.
وبالمقارنة مع كلفة 60 مليون كيس من البولي بروبلين البالغة (990) مليون ليرة سورية بقيمة إفرادية (16,5) ليرة سورية يكون الفارق بين القيمتين الإجماليتين هو المبلغ الذي سوف تتحمله الموازنة العامة للدولة لقاء استخدام أكياس الخام القطنية ويعادل 90 مليون ليرة سورية؛ بينما سيكون هذا المبلغ في حال التخلي عنه بما يعادل تكلفة أجور العاملين على خطوط إنتاج هذه الأكياس والبالغة حوالي مليار ل.س.
الأزمة شماعة للفساد
ولكن خلف القرار كما يتضح مصلحة لبعض أصحاب المعامل الخاصة التي تنتج تلك الأكياس والتي تتعاقد مع مؤسسات الدولة (المطاحن والاسمنت وغيرهما) لبيعها الأكياس بحجة أنها ارخص تكلفة من أكياس الخام والورق، هذا عدا عن بيعها في السوق للقطاع الخاص.
وبالطبع فإن القرار فيه مصالح بمئات الملايين لن يمر دون وجود من يتواطأ معه داخل الحكومة لتمريره، وليجد بالأزمة شماعة لتعليقه عليها. فالأزمة لن تذهب بالمخاطر الصحية ولا البيئية بل تفاقم ظهورها.
عن موقع اقتصاد.. مال وأعمال السوريين - أحد مشاريع زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية