أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"روحة بلا رجعة" جملة جندي نظامي لمراسل "زمان الوصل" الفار

كانت اللاذقية تعج بالموت كغيرها من مدن سوريا، لا حياة طبيعية نرجوها هناك. خوفٌ وارتباكٌ وترقّب في كل ليلة، إلى أن اتخذت قرار الرحيل نحو تركيا، كان قراراً صعباً أُجبرت عليه، وانطلقت رحلتي في إحدى صباحات الساحل السوري نحو مدينة أنطاكيا التركية.

عبرت من أمام أول حاجز عسكري، وفوجئت بسيارة كتب عليها (الجمارك السورية) كانت تقف في زاوية ضيقة من الطريق، أوقفتنا السيارة ونزل منها رجل ضخم جداً ومفتول العضلات يرتدي بزة عسكرية صيفية، طلب سائقَ السيارة وأخذه إلى الجانب الآخر من الطريق، كنت أسمع صوتاً خفيفاً يقول:" لا تنسى تجبلنا معك شي هدية".

عاد سائق السيارة النحيل ضاحكاً، قال: والله يا شباب لا أعرف إن كان المبلغ الذي ستعطونني إياه سيكفي للهدايا المطلوبة على الحواجز القادمة.

غابات الإرهابييين
بدأت الرحلة نحو غابات الساحل السوري في جبل التركمان، كانت المناظر الطبيعية مذهلة لدرجة أنني نسيت رحلة الهروب، بدأنا بالغناء للثورة داخل السيارة وكانت ضحكة السائق حاملة إياي ومن معي نحو الأمل في الخروج، ما هي إلا 20 كيلو متراً فقط حتى رأينا قيامةً مصغرة، فغابات الفرلو (الفرنلق) سوداء كالفحم، ولا تجد لوناً أخضر بعد أن تعبر آخر قرية موالية للنظام.

آلاف الهكتارات الحراجية أحرقتها قذائف الطائرات السورية خلال أشهر قليلة، هي نفسها الأحراج التي سجن لقطعها أغلب فقراء الساحل السوري بتهمة "قطع الأشجار الحراجية"، وهي نفسها الأشجار التي خسر عليها الشعب السوري مئات آلاف الليرات السورية لتدوين أعمارها وأنواعها وترقيمها.

كانت الأسئلة كلها موجهة لقائد الرحلة "ما الذي يحصل"، قال: "يريد أن يحرق مستقبلنا ومستقبل أبنائنا، يدعي بأنه يحرق مخابئ الإرهابيين، إذاً فليحرق سوريا كلها، وليبدأ بهذه السيارة".

عبرنا الحاجز الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس - تكاثرت الوعود على السائق المسكين طبعاً-، دون أي خوف ولم نجد في المجندين أية رغبة في تدقيق الأسماء والصفات، بدا لي أن الملل اعتصر أفئدتهم وكأنهم يقولون: "اخرجوا من هذا الجحيم الأسود ولا تعودوا".
ولن أنسى بائع الدخان المسكين، رأيته معارضاً مرّاً ولكنه يظهر ولاءه للنظام رغماً عن أنفه، كان يخرج من صندوقه الخشبي علب الدخان ويعدها بدقة خوفاً على لقمة قد تضيع من صغاره، لم يتسنَّ لي سوى الدعاء له بالتوفيق ومواساته بكلمة "الله يفرّج".

شبيحة الضفة الأخرى
عند آخر نقاط الجيش النظامي أوقفتنا كلمة نطق بها أحد المجندين (روحة بلا رجعة)، وما هي إلا لحظات حتى وصلنا الأراضي التركية، وفي أول الطريق شاهدت أعلام حزب الشعب الجمهوري التركي تملأ الشوارع ومفارق الطرق، أحسست بالتمييز الطائفي والعنصرية المفرطة التي يتمتع بها أبناء هذه المنطقة.

أكملنا الطريق.. كان رجال "الجندرمة" قلائل جداً في الشوارع، لم يتمتعوا بالترحيب المطلوب من أهل المنطقة الأصليين، كانت نظراتهم لرجال "الجندرمة" تدل على كره عميق وبغض دفين.

توقف السائق بالقرب من مخيم "يايلاداغي" للاجئين السوريين، أوقفتني نظرة من أحد الجنود المنشقين الذين عرفتهم من ألبستهم العسكرية، كان يلعب مع الصبية الصغار في المخيم، دخل خيمته بسرعة ربما "خوفاً من عملية وشاية شبيهة بما حصل لكثير من زملائه".

تابعنا المسير مع آلاف الأسئلة التي تدور في نفسي، إلى أن وصلت المحطة الرئيسية لنقل الركاب، هنالك حجزت في أول رحلة نحو مدينة اسطنبول هرباً من واقع "البشاريين" الذي عشته لدقائق قليلة مع سائق سيارة الأجرة التركي.

كانت كلماته مؤلمة وتخرق في صدري، يقول:"نحن بشاريين" و يضيف"رئيس الجمهور(يقصد أردوغان) بدو تشيلو عشنو علوي (يقصد بشار الأسد)".

تابعت الرحلة نحو اسطنبول وهنالك كانت القصة الأكثر إيلاماً، حيث كان بيت الشعر المتعارف عليه مع زملائي من مخلصي الثورة الفقراء يُنشد في كل ليلة من أمسيات بحر مرمرة ومضيق البوسفور:
"وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً .... على المرء من وقع الحسام المهند".

البشــــــــــــــــــــــاريون...


رحلة هروب تكشف عالم "البشاريين"...معابر خاصة لدخول"الشبيحة الأتراك" وقتال الحر
2012-10-12
تقصت "زمان الوصل" حقيقة دعم جزء كبير من أهالي أنطاكيا التركية لنظام الأسد، والذي تطور إلى إرسال الرجال للقتال إلى جانب الشبيحة بحسب شهادات موثوقة حصلت عليها الجريدة خلال فرار مراسلها من سوريا إلى اسطنبول عبر أنطاكيا......     التفاصيل ..

رعد اللاذقاني - اللاذقية - هاتاي - زمان الوصل
(76)    هل أعجبتك المقالة (85)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي