لعل ائتلاف المعارضة السورية الجديد هو فرصة جديدة , أخيرة أو من تلك الفرص الأخيرة , لإنقاذ المعارضة السورية من نفسها , أو بالأصح , من سخط الشارع السوري , الثائر خاصة .. ما بدا , أو قدم , على أنه "تنازل" أو "شعور عالي بالمسؤولية" تجاه الثورة و دماء السوريين لم يكن إلا مساومة جديدة من المساومات التي لا تنتهي بين أقطاب هذه المعارضة , و التي كما في كل مرة كانت تجري محاولة تزيينها بخطاب إنشائي منمق بلاغيا .. الحقيقة أن "الدور" الذي كان من المفترض أن تلعبه تلك المعارضة بطلب و تفويض اضطر إليه الشارع الثائر مجبرا و هو إدارة الصراع مع النظام على الجبهة الدبلوماسية تحول إلى عبء حقيقي على الثورة , بدلا من أن تكون "المعارضة" ممثلة الداخل في الخارج , أصبحت ممثلة الخارج لدى الداخل , و بدلا من مهمتها تلك انشغلت بتجميع الامتيازات و المكاسب و الصراع عليها , تلك المكاسب التي كان من المفترض أن تنتهي بيد الثوار أنفسهم الذين دفعوا ثمنها دما و جوعا و تضحيات .. و اتسم هذا التنافس و الصراع فيما بينها بدرجة مفرطة من السفسطة إن لم نقل الإسفاف لتدل على أن هذه النخب غير قادرة حتى على إدارة منطقية متوازنة لخلافاتها و أنها أيضا بالتالي لن تكون قادرة على إنتاج و ممارسة "لعبة سياسية" ذات ملامح ليبرالية ما في مرحلة ما بعد إسقاط النظام .. طبعا تفهم المعارضة تلك اللعبة و ذلك التنافس فيما بينها , و تزعم , أنه هو "الحرية القادمة" , حرية كل السوريين التي انتفضوا و ماتوا و يموتون من أجلها .. حتى هذا "الحد الأدنى" أو الصفري يبدو سرابا في الواقع بناءا على سلوك و تصرف المعارضة طوال الأشهر العشرين من عمر الثورة أو المذبحة السورية .. لا ضير في أن نعترف هنا أن هناك بالفعل مشكلة "قيادة" في الثورة السورية , هذه المشكلة هي أن الجماهير التي صنعت الثورة لم تستطع أن تقودها بنفسها , لم تستطع أن تخلق و تفرض مؤسساتها الشعبية الديمقراطية التي تعبر عنها , و التي تخضع لها و لإرادتها لا العكس , و هنا تكمن المشكلة .. المعارضة طبعا لا تريد مثل تلك المؤسسات , و لا الرضوخ لإرادة الجماهير من خلال الانخراط فيها , ما فعلته و تستمر بفعله هو أنها جاءت "لتملأ" ذلك الفراغ , خالقة نوعا من "تقسيم العمل" بينها و بين الجماهير : الجماهير تثور و تقاتل و تضحي بينما المعارضة تقود .. من الضروري هنا القول أن القبول بهذا "التقسيم" الجديد – القديم للمجتمع يعني في الواقع استمرار جوهر العلاقة الاستبدادية بين السلطة و المجتمع , بين النخبة السياسية و بين الطبقات الأفقر و الأكثر تهميشا , و قد يعني في الواقع إفراغ مفهوم و شعار الحرية , الشعار الرئيسي للثورة السورية , نفسه من أي معنى .. أيضا نعرف جميعا أن الخطب الرنانة للمعارضين لا تعني شيئا في الواقع , و أن المباريات الشعرية و النثرية في البلاغة تختلف تماما عن الوقوف في وجه الجلاد بالدم و اللحم العاريين .. باختصار لا تملك المعارضة شيئا لتقدمه للثورة , حتى الآن على الأقل .. على العكس تماما , لولا الثورة لكانت كل تلك المعارضة مجرد لا شيء كبير ... مع ذلك يوجد هناك مبرر واحد فقط , لكنه قوي جدا في نفس الوقت , لدعم هذا الائتلاف , مثله مثل أي "مبادرة" أو "خطوة" أو أي شيء آخر أيا يكن يتعلق بمصير الثورة و الشعب السوريين , هي أن يؤدي قيامه بالفعل إلى حقن دماء السوريين التي يسفكها الجلاد عن طريق التسريع بإسقاطه , إذا كان تشكيل هذا الائتلاف قادرا على تحقيق هذا الهدف الذي يعني إنهاء المجزرة التي يرتكبها الجلاد بحق السوريين و فتح الطريق أمامهم لبدء حياة جديدة تقوم على أساس حريتهم فلا شك أن شيئا كهذا , إن كان واقعيا بالفعل , يجب دعمه و دون أي تردد .. أما إذا كان على سوريا على أن تحترق و يموت شعبها و يشرد على يد الجلاد كما بشرنا هو شخصيا منذ الأيام الأولى للثورة , بينما لا يملك هذا الائتلاف أو غيره إلا الخطب الرنانة في مواجهة قذائف القاتل , فليكن ذلك لكي يحصل السوريون على غد يعيشونه بكل حرية , سواسية و أحرار , ليس فقط لكي يحكمهم أمثال هؤلاء أو غيرهم ...
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية