أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مسؤولية حماية المدنيين دولياً بين الانتقائية والمصالح... د.وائل مرزا

"إذا كان التدخل العسكري لحماية حقوق الإنسان تعدياً على السيادة الوطنية للدولة ذات العلاقة، كيف يمكن لنا أن نتعامل مع إماكانيات وجود راوندا جديدة أو سريبربنتسا أخرى، حيث يجري انتهاك منظّم ومنهحي لحقوق الإنسان بشكلٍ يتناقض مع كل مبدءٍ من مبادىء بشريتنا المشتركة؟"

كان هذا هو السؤال الذي طرحه كوفي عنان عام 2001 عندما كان أميناً عاماً للأمم المتحدة على أطراف النظام الدولي، وتشكلت للإجابة عليه لجنة خاصة باسم اللجنة العالمية للتدخل العسكري والسيادة الوطنية.

وبناءً على نتائج عمل اللجنة، أعلنت الأمم المتحدة عام 2005 مبادرة أسمتها (مسؤولية الحماية).
تتألف هذه المبادرة من مجموعة مبادىء تمّ بناؤها على قاعدة أن السيادة الوطنية ليست حقاً وإنما هي مسؤولية بالدرجة الأولى.

وقد ركّزت المبادرة على محاولة منع حصول أربع جرائم أو وقفها في حال حدوثها وهي: الإبادة الجماعية، جرائم الحرب، الجرائم ضد الإنسانية، والتطهير العرقي.

أما المرتكزات الثلاثة الرئيسة لمبدأ الحق في الحماية فقد وُضعت كالتالي: أولاً، إن كل دولة مسؤولة عن حماية مواطنيها وسكانها من أي مذابح جماعية. ثانيا، يتحمل المجتمع الدولي عبء مساعدة أي دولة للوفاء بتلك المسؤولية الأساسية. ثالثاً، إذا أخفقة الدولة في حماية مواطنيها من المذابح الجماعية وأخفقت المساعي السلمية، فإن المسؤولية تقع على المجتمع الدولي للتدخل بأساليب قاهرة مثل العقوبات الاقتصادية، ويُعتبر التدخل العسكري الملاذ الأخير للتعامل مع الموضوع.

وقد تضمن النص الذي وافقت عليه الدول الـ 191 الأعضاء، آنذاك، في القمة العالمية عام 2005 أن المسؤولية المذكورة الملقاة على الدول في حماية رعاياها تتضمن القيام بكل الإجراءات لمنع حصول الجرائم المذكورة، بما في ذلك التحريض عليها، مع تأكيد الدول على "إننا نقبل تلك المسؤولية وسنعمل بمقتضاها". إضافة إلى الإشارة لضرورة إنشاء الأمم المتحدة لقدرات إنذار مبكر لمنع حصول مثل تلك الجرائم.

كما يتضمن النص استعداد أعضاء الأمم المتحدة "لاتخاذ إجراءات جماعية، بأسرع وقت وبشكلٍ فعال، من خلال مجلس الأمن بما ينسجم مع ميثاق الأمم المتحدة، وبشكل يتضمن الفصل السابع.. إذا أخفقت الأساليب السلمية وأظهرت السلطات الوطنية فشلها في حماية رعاياها من حصول الإبادة الجماعية أو جرائم الحرب أو التطهير العرقي أو الجرائم ضد الإنسانية".  

وفي التاسع من شهر آب عام 2010، أي قبل انطلاق الثورة السورية بأشهر، قدم بان كي مون الأمين العام الحالي للأمم المتحدة تقريراً للجمعية العامة بعنوان "الإنذار المبكر: التقويم ومسؤولية الحماية" كجزء من متابعة الجمعية لتطبيق هذا المفهوم. وفي هذا التقرير سلّط الأمين العام الضوء على آليات التقويم والإنذار المبكر الموجودة في نظام الأمم المتحدة بهذا الخصوص، وتحدث عن بعض النواقض ثم قام بتقديم مقترحات لتحسين قدرة الهيئة الدولية لاستعمال معلومات الإنذار المبكر بشكلٍ فعال، بما يتضمن تقارير من ضباط المواقع الميدانيين، وصولاً إلى تطوير آليات استجابة مبكرة ومرنة ومتوازنة في أي حالة يبدو فيها خطر حصول واحدةٍ من الجرائم المذكورة.

بعد مضي أكثر من عامٍ ونصف على بدء الثورة السورية، ورغم كل ماشاهده ويشاهده العالم من ممارساتٍ للنظام السوري يمكن تصنيفها ضمن أنواع الجرائم المذكورة في مبادرة (مسؤولية الحماية) الأممية، يبدو أن أجهزة ووسائل الإنذار المبكر لم تستطع التقاط الإشارات المطلوبة التي يجب أن (تُشغّل) نظام الردّ والاستجابة! أما (المساعي السلمية) فالواضح أنها لم تُستنفذ؟ وبالتالي، يبدو جلياً أن (الملاذ الأخير) بعيد المنال.

لم يعد هناك جدلٌ في أن الغالبية العظمى من أطراف النظام الدولي تريد نهايةً للثورة السورية لاتنسجم مع رؤية الثوار بشكلٍ كامل.

نعم. سقط النظام السوري عملياً بالنسبة للجميع. لكن ثمة اتفاقاً ضمنياً على إطالة فترة الانهيار لحين الوصول إلى تصورٍ يحقق مصالح جميع أطراف ذلك النظام. وبما أن حصول هذا الأمر أقربُ للمستحيل في واقع السياسة ومنطقها، فإن التفكير بتلك الطريقة يعني فقط أن يمتدّ الانتظار طويلاً، وربما طويلاً جداً، إذا تُرك الأمر لتلك الأطراف.

من هنا، يصبح مفهوماً تمرير ظاهرةٍ غير مسبوقة في حياة البشرية، تتمثل في ممارسات نظامٍ تقصف طائراته ودباباته أبناء شعبه على مرأى ومسمع من العالم.

فلأن المصالح العالمية لم تصل إلى اتفاق، يصبح تمرير الظاهرة ممكناً في عصر (مسؤولية الحماية) الأممية.

سيكون وصف مايجري بـ (النفاق) تقزيماً للحقيقة في هذا المقام. فما يجري حقاً هو نوعٌ من تلك الدروس الوحشية الباردة الوقحة التي يحاول النظام الدولي الحالي تلقينها للشعوب الأقل قوةً في هذا العالم.

لاصوت يعلو فوق صوت المصلحة بالنسبة للنظام الدولي السائد. وماعلى الشعوب التي تريد أن تصنع حاضرها ومستقبلها حقاً، كما هو الحال مع الشعب السوري، إلا أن يكون جاهزاً ليتعامل مع هذه الحقيقة.

لامجال هنا للأمنيات والأوهام، ولايملك شعبنا رفاهية البناء على الشعارات التي يبيعها النظام الدولي بأبخس الأثمان في سوق العلاقات الدولية.

المضحك المبكي أن سعادة الأمين العام قدم منذ أقل من شهرين، في الخامس من أيلول، تقريراً من سلسلة تقاريره للجمعية العامة عن الموضوع وكان هذه المرة بعنوان "مسؤولية الحماية: استجابة سريعة وحاسمة"! تحدث فيها عن بعض الأساليب لتلك الاستجابة السريعة والحسمة. تذكرون على ماذا؟ على الجرائم ضد البشرية والتي ترتكبها بعض الأنظمة ضد مواطنيها!!

هل يمكن وصف مايجري سوى أنه (مهزلة)؟

نوقن بأن مثل هذه (المهازل) التي تُعتبر من مكونات النظام الدولي تخالف قوانين الاجتماع البشري، ونؤمن أنها ستكون مسامير تهزّ أركانه بعد إذ بات فشله واضحاً في التعامل مع أزمات إنسانية يغلبُ أنه كان سببها ابتداءً. وإذ يُصبح مواطنوه قبل غيرهم شهوداً على الفشل المذكور ومادةً لنتائجه العملية، فلا مجازفة في الحديث عن ثورةٍ عالمية قادمة قد يكون الربيع العربي بذرتها الحقيقية.

رغم هذا، يبقى مُعيباً ومُخزياً ومنافياً لكل قيم الثورة السورية أن تُترك أطراف النظام الدولي لاعباً رئيساً في تقرير مصيرها. لم يعد ثمة مجالٌ لهذا العبث، وإذا كان البعض يرضى به ويمارسه هنا وهناك، فقد آن الأوان لأن يوقفه آخرون يعرفون قيمة الثورة وشعبها، ولايعدم أن يوجدوا في هذا الشعب المِعطاء.

العرب القطرية
(108)    هل أعجبتك المقالة (113)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي