أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حتى متى يا سوريا، حتى متى؟... محمد الدندشي


استيقظت اليوم على كابوس،أعادني إلى عالم الواقع. إلى الداخل السوري الذي فررنا منه جميعاً منذ زمن بعد أن هجرنا النظام في بلاد الأغتراب و كل أصقاع الأرض.
قبل أن أنام، و ككل سوري أتفكر في مستقبلنا الغامض و بلدنا المدمرة التي يتآكلها الحقد والجهل بضربات أقوى من القذائف و براميل الTNT التي يقصف بها الطاغية شعبه.
نمت و أضعت عقلي بين الماضي المعتم و الحاضر المقلق و بين دعاة السلمية وحملة السلاح إلى أن أخذني التعب وأغمضت عيناني.
لا أذكر كل الصور والمشاهد التي تراءت أمامي ولكنني استفقت وأنا أصرخ وأتلمس رقبتي من الخوف. ذلك الخوف الذي يعيشه اهلنا في سورية كل لحظة بلحظة. يعيش احدهم لا يدري أين ومتى توافيه يد النظام المجرمة لتقتله أو تقتل ابنه أو زوجته أو تدمر بيته أو تفعل به الأفاعيل. بإختصار انهم يعيشون مشاريع شهداء ولكن ليس من يعد الضربات كمان يتلقاها.
في ذلك المنام المزعج، رأيت نفسي في تلكلخ. عائداً لتوي من المهجر و أقود سيارتي ببطء فوق الركام في شوارع مدمرة مقفرة. فجأة ومن بعيد وصلت إلى حاجز أبو عرب. ذلك الحاجز المرعب الذي فتك بأبناء المدينة وهدر دمائهم وما زال مرتعاً للشبيحة و مجرمي النظام. هناك انتابني الخوف وعشت شعور من هو في سورية.شعور بأنك ستقتل وليس بيدك حيلة. اتكلت على الله، نطقت الشهادة و تابعت المسير، فليس من الممكن العودة و إلا تم قصفي دون أن أعطى ألحق في الدفاع عن النفس و لو بكلمة. انها فقط بضع دقائق ولكن الزمن توقف من حولي، فأضحت الدقائق أشبه بالسنة. تجمدت دمائي في عروقي، وبدأ العرق يتصببني و لا ينتاب إلى مخيلتي إلا الشاب اليافع عبد الواحد الدندشي الذي قتلته عصابة هذا الحاجز بتهمة الحرية و الكرامة. صارت تراودني الأفكار من كل حدب من صوب. تارة أتذكر أن عائلتنا هي من العائلات الثائرة التي قدمت شبابها شهداء وسجناء منذ ما قبل عصابة البعث بكثير. تذكرت بأننا من المغضوب عليهم في زماني الدكتاتور الأب والإبن فأتأكد بأنني سأقتل و أسحل و ينكل بي. صرت أتخيلهم يسألونني عن شهداء عائلتنا وسجنائها و رجالاتها في الجيش الحر و يستفسرون عنهم فرداً فرداً. تخيلتهم يقولون لي"دندشي أنت ولا ؟ شو بيقربك مجاهد؟ شو بيقربك ماهر ولا ؟ شو بيقربوك إيهاب وخالد؟ شو بيقربك المندس أللي قتلنا من كام يوم ولا؟ " مع كل هذه المواقف أدركت بأني شهيد لا محالة. وتارة أخرى قادتني سلميتي و سذاجتي وحياتي في الغربة إلى التفكير بأنهم لن يؤذونني طالما أني لا أحمل السلاح و لم أبادرهم بالإساءة. تابعت تقدمي نحوهم و أنا أتلعثم بما حفظته من ايات القرآن الكريم، ولكني تذكرت في هذه اللحظة شهيد الحراك السلمي غياث مطر و الأسير يحيى الشربجي وغيرهم من الذين أسروا و قتلوا دون أي ذنب. أدركت أن هذه العصابة ليست من الفصيلة العاقلة التي يمكن أن تحاورها وأنهم رهنوا عقولهم ومصيرهم بطاغية تصلق على ظهروهم ليسرق ثروتهم لأربعين عاماً خلت و ينهش لحومهم ويجندهم للدفاع عنه من السقوط في جحيم صنائعه بعد اندلاع الثورة.
تقدمت نحوهم،مع شيء من القوة والإيمان بأن هذا قدر الله و ما كان ليصيبنا إلا ما كتب الله لنا. وصلت إلى الحاجز المقيت، وكان هناك عدد لا بأس به من الشبيحة المغمضة عيونهم وقلوبهم يتسامرون ويشربون الشاي و المتة و يضحكون وكأن شيئاً لم يكن. كان معهم أطفالهم. رأيتهم كيف يلعبون، وكيف كان الخوف مرسوماً على وجه طفولتهم. كيف لا وهم بشر مثلنا، يحبون و يعشقون و يمرضون و يموتون. وصلت اليهم،لا أنكر بأنني كنت خائفاً، و لكن رؤية الطفولة تبعث بالأمل. أنزلوني من السيارة، اخذوا مني بطاقتي الشخصية، سألوني العديد من الأسئلة. دعوة الله كثيراً بأن يعمي عيونهم عن علم الحرية الذي نسيته مسدلاً على مقعد السيارة. انتهوا من اسئلتهم ولكنهم لم يضربوني. لقد كانوا متعبين. هم أيضاً تعبوا من القتل و البطش و سفك الدماء و يريدون العودة إلى عائلاتهم. على الأقل هذا ما تهيء لي في منامي. كان هناك بصيص أمل بأن الفجر قادم و سياتي اليوم الذي يتخلى فيه هؤلاء عمن دمر سورية على رؤوس ابنائها. كلي أمل بأن ذلك سيحدث و لكني لم أوت الجرأة الكافية لأحدثهم في هذا الموضوع.
ركبت سيارتي، وارسلوا معي ابنائهم لأقلهم إلى الجهة الأخرى من تلكلخ و استيقظت بعدها للتو.
لا أريد أن أقول إن المشاهد التي رأيتها في نومي كانت كابوساً، بقدر ما أدركت بأن حالنا التي أستفقت عليها هي الكابوس بحد ذاتها. فلا الشبيحة تعبوا من القتل، وليس يعود من يمر على حواجزهم إلا جثة متفحمة.
لطالما لمنا ثوار الداخل على ما يرتكبونه من أفعال. لطالما نظرنا عليهم بمثالياتنا و تناسينا أنهم يجابهون أعتى و أقذر نظام في القرن الواحد و العشرين. كيف نلومهم على حمل السلاح وهم يقتلون ولا نريد لهم أن يدافعوا عن أنفسهم؟
هل عاش أحدنا لحظات الخوف التي يعيشونها كل يوم؟ و في الجهة المقابلة هل حاول أحدنا أن يعيش حياة الشبيح؟ ذلك الذي ملأ النظام رأسه أوهاماً و تفاهات و أحقاداً دمرته و دمر من خلاله البلد؟ هل سمع أحدكم تسجيل الشبيح أبو علي في مراحل النزاع وهو يحدث زوجته؟ إنه مات في معركة مع الجيش الحر و هو يظن بأنه يدافع عن وطنه ضد الأمريكان و الإسرائيليين. كيف سيكبر أبناء أبو علي؟ هل سيعتبرون أباهم مجرماً أم جندياً بطلا قضى في سبيل الوطن؟ أين هي المعارضة السياسية غائبة عن الواقع و كأنها غير موجودة؟ لم لا توجد حكومة معارضة رديفة إلى الان تأخذ زمام المبادرة و تقوم بمصالحة وطنية شاملة تسرع انشقاق الشبيحة عن النظام و تحاربه بأدواته؟ إلى متى يجب أن نصفق كلما قام الجيش الحر بإنزال طائرة ميغ تقصف من دفع ثمنها لتدافع عنه؟
إلى متى سيحاول كل طرف منا أن يمحو الآخر ؟ كلي إيمان ويقين بأن الفجر قريب و لكني سأبقى أتسائل حتى متى يا سوريا، حتى متى؟

(111)    هل أعجبتك المقالة (112)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي