في لقاء قديم مع المفكر الكبير الدكتور عبد الله النفيسي في برنامج "بلا حدود" وفي جواب على سؤال معد البرنامج أحمد منصور حول ورطة الأمريكان في احتلال أفغانستان والعراق بيّن النفيسي مقدار الورطة التي أوقع بها بوش الابن أمريكا بها باحتلال هذين البلدين وكيف غرق في مستنقعيهما وأغلقت في وجهه المخارج فلا يستطيع الخروج منتصرا ولا يمكنه البقاء بسلام والشعب في هذين البلدين قد انتفض عليه ورد له اعتداءه بمقاومة أرقت مضجعه وخربت خططه حتى صار الجنود يعودون من هذين البلدين مجانين أو يكادون!
وعند سؤال طرحه منصور على النفيسي حول المخرج الآمن من هذه الورطة؛ نظر النفيسي إلى أحمد منصور بغاية الاستغراب وقال له: أحمد، أتريدني أن أدل الأمريكان على مخرج؟! هل تظنني سأساعدك الأمريكان المحتلين بكلمة واحدة؟! –أو نحوا من هذا الكلام فما أكتبه من الذاكرة-.
واليوم وقد تورط الأمريكان في ليبيا ورطة هي أشد من ورطة الليبيين أنفسهم؛ هل نتكلم بما يفيدهم ونقدم لهم معروفا أم ندعهم يتخبطون ويدورون حول أنفسهم كما "الخنفسة في الطاسة"! سنتجاوز الحدود التي وضعها النفيسي لنفسه ونقول قولا يفيدهم -وأجرنا على الله- ليس من أجلهم بل لنجنب أهلنا في ليبيا حربا ليسوا بحاجة إليها!
إن الأمريكان الآن في ورطة حقيقية فسفيرهم مات خنقا ولنقل قتل! فلا ندري من قتله! ولا نعرف كيف قتله! وإن كان في خضم إنكار إساءة حقيرة من الثقافة الأمريكية لما لا تبالي به من حرمة الأنبياء ومقدسات الشعوب!
ولو أرادوا أن يأخذوا بالثأر من الشعب الليبي وتوجيه الضربات إليه فسيعلنها الليبيون حربا عليهم وهم في غنى عن ذلك ولمّا يتعافوا من استنزاف حربي أفغانستان والعراق ولمّا يعد لجنودهم الذين أصيبوا بالخبل وشيء من الجنون بعد رشدهم!
وإن أرادوا إنزال قوات ومشاة على الأرض فستكون الكارثة الحقيقية عليهم أمام شعب مسلح ومدرب على حرب حقيقية خاضها بفضل دعم الغرب والشرق للقذافي مما أعاد لليبيين حيويتهم العسكرية المعطلة عبر عقود!
وإن أوعزوا للحكومة الليبية بفتح السجون والبدء بحملة قمعية وسجن عشوائي لألوف الثوار وبالطبع سيركزون على كل من هو إسلامي كما يشتهي العلمانيون وينتظرون الفرصة والحقد يقطر من أفواه من أمكنه التحدث منهم كسفير ليبيا في بريطانيا أحمد جبريل في لقائه اليوم مع البي بي سي والذي كان محور حديثه كله يدور في فلك أن الشر كله مبعثه ومصدره ممن كان جالسا في البيوت أيام الثورة واستغل الانفلات واستولى على الأسلحة فيما بعد وصار يعيث في الأرض فسادا وهم الإسلاميون كما يرى هذا المخبول! على أن من قاتل القذافي هم من العلمانيين الأفذاذ أمثاله!!!
ولمّا كانت الحكومة ضعيفة والأسلحة في أيدي من تعادي أمريكا مسبقا وطابورها الخامس الدائم في بلداننا "العلمانيون واليساريون -نعم اليساريون!-" ولن تتمكن من محاربتهم والقضاء عليهم وزجهم في السجون بدعوى أو بأخرى إلا باجتذاب بعضهم وضرب بعضهم ببعض وبالتالي فتح أبواب حرب أهلية حقيقية ستؤدي إلى تفلتات أمنية توجد بؤرة في المنطقة لا يمكن السيطرة عليها من أي طرف من الأطراف بل منها مجتمعة، وهم بلا شك في غنى عن هذا!
ولكن هل يمكن أن يكونوا هم من قتلوا سفيرهم بتدبير منهم ليوجدوا بلبلة في المنطقة؟! أستبعد ذلك تماما كما أستبعد الرواية الباردة التي تعزو أحداث برجي مانهاتن إلى المخابرات الأمريكية؛ لأنها كانت صفعة مدوية لأكبر إمبراطورية في العالم، ولولا جبن الدول الأخرى وإحجامها عن استغلال الحدث لصالحها لما رأوا من هيجان الثور الأمريكي يومها لكانت أمريكا وعظمتها في خبر كان! فلن يصل الغباء الأمريكي إلى هذه المرحلة وليست بحاجة إلى هكذا غزوات على أرضها لتجد مبررات لتهاجم دولا أخرى، وهي التي تهاجم بلا مبرر أو بمبررات واهية أشبه بذر الرماد في العيون كما فعلت في شأن العراق وأسلحة الدمار الشامل المزعومة!
فما الحل إذا وكيف يمكن أن تتخلص من ورطتها هذه؟!
إن الحل يكمن في علاج المسألة المسببة للمشكلة الحاصلة من جذورها؛ فلتتخلى عن بعض نفاقها وبعض عداوتها للمسلمين والعرب ولتنعم بهدوء ربما يصل إلى درجة الملل!
إن عداوة المسلمين لها ليس مصدره المسلمين أنفسهم ولا نظرتهم إليها ولكن مصدره ثلاثة أمور:
أولها: محاولة الغرب وعلى رأسه أمريكا التحرش بهم باستمرار وبالذات في مقدساتهم!
وثانيها: عملهم الدؤوب على سرقة ثرواتهم ونهبها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق الحكام الخونة الذين تدعمهم وتثبت كراسيهم إن ظاهرا أو باطنا! ودعمها لهؤلاء الحكام هو السبب الثالث!
والسببان الثاني والثالث ربما كان من الصعوبة التخلي عنهما من الغرب بعامة وأمريكا بشكل خاص؛ لأنها دولة قائمة على استغلال الشعوب واضطهادها بطريقة أو بأخرى فالثقافة الأمريكية قائمة على التسلق على أكتاف الآخرين للوصول إلى الهدف وكأن الله لم يخلق سلالم تنصب لإنجاز هكذا أمور فلا يرون سلما إلا أكتاف الشعوب وسرقة خيراتها ووضع الخطط الدنيئة للاستيلاء على خيراتها بأسهل الطرق وأهونها عليهم وإن كان ذلك بالحرام والحلال ميسر بل يصدق عليهم أن يقال: لا يريدون العنب فحسب بل يريدون قتل الناطور أيضا، ولو لم يكونوا مضطرين لذلك! ليثبتوا هيمنتهم وليرضوا غرورهم المريض، وهذا الأمر لن يتخلوا عنه وكل شركائهم ومشابهيهم في العالم حتى يصير لبلادنا كيانات قوية تعيد الأمور لنصابها وتعطي كل ذي حق حقه!
وأما السبب الأول للعداوة وهو التحرش بالشعوب والإساءة إلى مقدساتها عمدا في الغالب لإرواء الروح الصليبية المتجذرة في نفوسهم بالرغم مما يدعونه من العلمانية! وعدم تركنا في حالنا، وسماحهم لكل مسيء ليقول عنا ما شاء افتراء وكذبا -ولو كان حقا لما غضبنا إذ نفخر بكل ما جاء به ديننا ونعلم أنه الحق المبين-، بدعوى الحرية فسيفتحون على أنفسهم باب الكره بل الحقد ومع ذلك تسمع بعض مفكريهم البلهاء يتساءلون: "لم يكرهنا المسلمون؟" ويتعامون عن مبادئهم السافلة في الإساءة باسم حرية التعبير؛ وتبا لحرية التعبير إن كانت بالافتراء والكذب والجبن عن نقل الحقائق، ولا يكتفون بذلك بل يؤوون إليهم كل حاقد سافل، لم نريه من أنفسنا إلا خيرا وعاش آباءه وأجداده بين أظهرنا مكرمين يتمتعون بحقوق لا تحلم بها كثير من شعوب العالم اليوم، فتشربت نفسه الدنيئة ثقافتهم العاهرة الحاقدة على خاتم الأنبياء الذي بشر به موسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام جميعا ويسمحون لهؤلاء اللئام بأن يفتروا على أعينهم وبمعرفتهم ويشتمون أعز ما لدينا ويحاولون النيل منه ومن سيرته البيضاء النقية؛ ثم يتساءلون بكل بلاهة:
لم أنتم غاضبون؟! ولم تعادون حرية التعبير؟!!!
إن الحل الأوحد لهذه المشكلة أن يجرموا -وهذا حق بلا شك ولا ريب- التعرض للأنبياء والمرسلين ويجعلوا ذلك أولى من تجريم "معاداة السامية" -والتي نحن العرب ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم الأولى بها لا اليهود الذين اجتموا حثالات من كل درب وصوب- وأولى من تجريم بعض الدول الخانعة للوبي الصهيوني لـ "إنكار المحرقة: الهولوكست" فلئن أمنوا وبدون وجه حق من مكر يهود في هذين الأمرين وجرموا لأجلهما ملا يجرم وهم لا يزيدون عن عشرات ملايين فليشرعوا بوجه حق تجريم من يتعرض لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وليأمنوا عداوة مليار ونصف مليار مسلم حقيقي -سني- في طول العالم وعرضه وليوفروا على أنفسهم حربا لا يطيقونها مع هذا العالم، إن لم تكن اليوم ففي الغد، ولا شك أنهم الرابحون وليدعوا النفاق الذي يحتجون به ويستترون خلفه المسمى زورا وبهتانا بحرية التعبير فما هو إلا حرية التعيير افتراء وكذبا، وهو أمر مرذول في كل الأعراف والمبادئ المحترمة، ومما يتوافق مع حقوق الإنسان ألا يعتدى على إنسان بغير وجه حق إن كانوا صادقين فيما يدعون من حرصهم على حقوق الإنسان!
هذه نصيحتنا للأمريكان:
لا تفتحوا على أنفسكم أبوابا لم تفتح!
ولا تدخلوا شعبكم في حرب يكون بها القضاء على دولتكم المؤلفة من اتحاد قابل للتفكك بأدنى هزة في العمق!
لا تتحرشوا بنا، وابتعدوا عن مقدساتنا، ولا تنهبوا ثرواتنا، ولا تدعموا الظلمة من حكامنا؛ وعندها فلا عداوة بيننا وبينكم!
هاكم الحل ولينعم سفراءكم بالأمان فلا يضيعون ودماءهم في أحداث لا يعرف ما كنهها وما دار فيها!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية