لاجئات .. لا سبايا ... مؤيد اسكيف

"لاجئات.. لا سبايا.." هو الاسم الذي أطلقته الزميلة والشريكة مزنة دريد على الحملة التي نعمل على إطلاقها بهدف محاربة وتجريم و"تعييب" الدعوات التي يطلقها بعض الخليجيين والعرب من جنسيات مختلفة للزواج من سوريات.
نحن في هذه الحملة نمثل شباباً سوريين مستقلين، لا ينتمون لأية جهة أو تيار سياسي، ومن مختلف مكونات المجتمع السوري وأطيافه دفعنا واجبنا الوطني وانتماؤنا للمجتمع السوري وغيرتنا على نسائنا وتقديرنا لتضحياتهم إلى تنظيم حملة لا تجامل ولا توارب، جلّ اهتمامها المرأة السورية، وبالأخص الفتيات السوريات اللواتي تتربص بهن الضباع بعد أن هربن مع عائلاتهن من الداخل السوري نتيجة ما قامت به الذئاب البشرية المتمثلة بعصابات الأسد المسلحة.
لا يمكن لنا كسوريين أن نرى وطننا ومجتمعنا ينهدم ونقف مكتوفي الأيدي متفرجين؛ لذا لا بد من فعل شيء يسهم في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وما هذا المشروع إلا جزء من مشاريع عديدة يتم القيام بها كجزء من النشاط والجهود الأهلية لدعم أهلنا السوريين.
نحن كشباب من الجنسين في هذه الحملة لدينا نظرة واحدة لموضوع إنساني ووطني يقلقنا؛ إذ لا يمكن السكوت عن النخاسة الجديدة المقنعة بعناوين فضفاضة، ليس أولها السترة وليس آخرها الزواج وفق الشريعة، فضلاً عما يتعرض له المجتمع السوري من أعتى صنوف القتل والتشريد والحرمان، فإن هذه الحلقة بعد تشرد السوريين تعتبر من الأصعب والأخطر.
الزواج هو اللبنة الأولى لخلق لبنة أكبر هي الأسرة لتشكل خلية من خلايا المجتمع، وكما هو معروف يكون الزواج -وفق الأعراف الاجتماعية والإنسانية والدينية في ظروف سليمة- مبنياً على أسس من الانسجام والتعارف لتحقيق هدف أسمى هو الاستقرار، وإيجاد شريك في الحياة، وبناء أسرة، وينتج عنه إنجاب أطفال، ولا يمكن أن يكون الزواج بنظرنا -كشباب سوري ينتمي لهذا العصر- منّة أو حسنة أو مساعدة، ولا يعقل لمن يريد أن يقدم مساعدة أن يطرح بديلاً لذلك من خلال نكاح جنسي بعقد شرعي، لا نضمن أنه سوف يؤسس لأسرة سليمة تضمن حقوق المرأة أو الفتاة أولاً، ويضمن حقوق أبنائها ثانياً، كما أننا لا نضمن أن هذا الزوج المفترض الذي يريد المساعدة لن يسعى لتكرار محاولة "المساعدة" بزواجه من فتاة أخرى.. هذا فضلاً عن كونه متزوجاً مسبقاً.
ننظر إلى استخدام الأخوّة الدينية والقيم الاجتماعية، كالنخوة والإغاثة ولغة الخطاب الإسلامي على أنه استغلال فج لمختلف القيم بما فيها الدين، وهذا يدفعنا للتساؤل لماذا لم يهب أهل النخوة من هؤلاء إلى ستر الصوماليات أو السودانيات من أهل دارفور؟
إن الدعوات التي يتناقلها بعض الخليجيين والعرب والغمز واللمز الذي يتبادلونه في مجالسهم واجتماعاتهم يدلل على مراهقة ذكورية مريضة ومهووسة باللحم "الذي يعتقدون أنه رخيص"، دافعهم إلى ذلك غريزة جنسية بحتة وزواج مصلحي بحت قائم على الجنس والمنفعة الجنسية.
إننا كسوريين رفعنا منذ البداية شعار "الشعب السوري ما بينذل" لن تنال منا الظروف الحالية التي نعيشها لنقبل بأن نكون وتكون نساؤنا وبناتنا عرضة لأحاديث قذرة، خاصة في هذه الظروف التي نتعرض فيها للطعن لا بل القصف والقتل من كل الجهات.
إن كان دافع بعض هؤلاء إنساني بحت كما يزعمون فليدعموا الشباب السوري الذي أجبرته الظروف على أن يظل من زواج وهو لاجئ لا يجد قوت يومه؟
لسنا هنا في معرض تبادل المحاججات والتجاذبات حول شرعية الموضوع وطهارته أو مدى عيبه وضرورة تحريمه.. لكن ما نراه -من خلال هذه الدعوات- تعد واضح على المرأة السورية واسترخاصها لقيمتها وكرامتها، واستغلالاً لمحنتها كما محنة كل المجتمع السوري.
يضع القائمون على الحملة نصب أعينهم ثلاثة أهداف رئيسية: أولها توعية بعض أهالي الفتيات بمخاطر هذا الزواج المغلف بعناوين دينية وشرعية وقيمية اجتماعية. وهنا لا بد وأن نذكر بأنه لم نتمكن من الحصول سوى على عدد محدود جداً من الحالات، ولم نتمكن من التواصل معها كلها بشكل مباشر لأسباب اجتماعية، وبالمجمل فإن السوريين يرفضون أساساً مثل هذه العروض، ولأننا لا نريد انتظار المشاكل إلى حين وقوعها لنوجد لها الحلول، فإننا نستبق المشكلة قبل أن تتفاقم وذلك من خلال التوعية والتأكيد على سلبيات هذا النوع من الزواج.
ثانياً: إننا نهدف وبالدرجة الأولى في الحقيقة إلى توجيه رسالتنا لبعض الشباب الخليجي والعربي ممن يعتقدون أن الزواج من سوريات طريقة معقولة للمساعدة، فضلاً عن أن بعضهم قد يكون صادقاً فعلاً في نيته، ولكن لا يمكن تحمل تبعات ذلك، لذا لا بد من تجريم وتعييب هذا النوع من الزواج اجتماعياً، والتأكيد على أن كل من يسعى لذلك فقد خان دينه والقيم الإنسانية السامية.
ثالثاً: إننا نهدف للتواصل مع مختلف اللجان الحقوقية والمنظمات الخاصة بشؤون المرأة في كل بلدان اللجوء، فضلاً عن دول الخليج والجزائر ومصر، إضافة لبعض رجال الأعمال لحثهم على القيام بدورهم الإنساني وواجبهم الأخلاقي ومسؤولياتهم الاجتماعية، وللعمل على تأسيس صندوق مالي يدعم مشاريع الزواج بين السوريين والسوريات سواء من اللاجئين أو من شباب الداخل.
الكلفة الأكبر من الآلام في أوقات الحروب تدفعها المرأة، والكثير من النساء في كثير من البلدان التي تعرضت لحروب أجبرن وتحت وطأة الظروف القاسية على العمل في مهن لا أخلاقية وتمس بالضمير الإنساني، وإذا كانت دعوات الزواج تتم بعناوين دينية وغيرها، فلا يضمن لنا ذلك أنها زيجات سليمة على الإطلاق، بل هذا يجعلنا نتحسب لما هو أسوأ؛ لأننا نعيش واقعاً لا يمكن تجاهله، ولا بد من مواجهته ووضع الحلول السليمة.
في ظل الظروف العادية و الطبيعية هناك العديد من حالات زواج خليجيين من سوريات و هنّ الآن في سوريا مع أولادهن يعانين الويلات بعد أن تخلى عنهن الأب مع أطفالهن.
و إن كان هناك تجارب ناجحة فلا يمكن أن نبني عليها .. إننا نفترض الأسوأ من أجل تجنبه و العمل على بناء مجتمع سليم و حماية المرأة السورية التي نعتبرها كنز الإرث السوري المعرفي الذي يحمل كل قيم الشجاعة و المروءة و الكرم و الأخلاق و الحرية .. خاصة بعد خوض هذه التجربة السورية المريرة ..
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية