أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ساعات الجمر .. ميلاد الوجود من رحم العدمية !


مدخل :
لا يوجد نص يعطي معنى واحدا , فالنص متعدد المعنى حتما وإن لم يقصدها المؤلف .. فالنص الغزير ينتج المعنى الغزير ؛ إذ النص لقارئه وليس لقائله .
_____

يقول كافكا : " أن تموت يعني أن تنتقل من لا شيء إلى اللاشيء "
يصرخ أبو الزين مريدا الانتحار : " ما بعمل هيك من شان أستفيد , أعمل هيك من شان أخسر , صار لي أربعين سنة شو بستفيد ؟ ما استفدت شي ! هلاّ بدي أعكسها : راح أسأل حالي : شو راح أخسر ؟ وحياة اللي خلقك ما بخسر شي "
إنها العدمية في وجود ظاهري ... انتقل أبو الزين من لاشي إلى اللاشيء (عدمية تعقب عدمية ) = وحياة اللي خلقك ما راح أخسر شي .
إلا أنها عدمية ذاتية ستلد وجودية مجتمعية التي هي حرب على من وقف ليقمع سعادة الإنسان وحريته ورخائه = فموت أبي الزين يبعث حياة لحارة كاملة .
إن ثقافة أبي الزين المتواضعة جعلته ينسج ألفاظا توازي تلك الثقافة , وما صدى تلك الكلمات إلا .. ( إن الإنسان هو الكائن الذي يصنع الحضارات أو يدمرها , هو من يصنع القوانين العظيمة المتماسكة , هو من يصنع الحرب أو الخلاص ..هو وهو وهو ... وبدون هذا الإنسان – الحر بفرديته واستقلالية الكيان الفكري عنده – لن تكون هناك وجودية حقيقية .. إنما هي العدمية في وجود مدفون تحت أغطية ثقيلة من الشعارات الاستهلاكية المعادية للإنسان , وتريد النيل من استقلاليته , فالمواطن سلعة في ظل وجود الوطنية الزائفة ) .
وظاهر استجابة ذلك الوزير على مطالب الحارة هي أن النافذين في السلطة يؤرقهم موت الإنسان وهو حي ! إلا أن ذلك غير وارد فالمسؤول هنا لم يستجب إلا بعد المظاهرة فهي تعني رضوخ السلطة للوعي الجمعي عند تكاتفه ومطالبته لحقوقه بقلب وعقل واحد وكلها كانت بالطرق السلمية . ولهذا قال أبو الزين للوزير : " فيه مليون أبو حسام بالبلد ! " ويؤكد هذه الرؤية ما جاء في حوار الوزير مع الضباط في الحلقة 29 بعد أن وعد بإصلاح الأوضاع يقول الوزير : " لازم نحل المشاكل المقدور عليها قبل ما نفقد السيطرة , المحيط كله عم بيشتعل .."
وهنا تتجلى الرؤية العقلانية في التفاعل مع الأحداث لأن الوطن فوق الجميع ولكي لا تتحول إلى حرب يتعامل فيها (الطرفان) كلاهما نحو الإبادة من أجل الهوية والمذهبية والتشفي أيا كان ولو على حساب الإنسان والمقدرات وتاريخ البلد . وهذه الرؤية العقلانية قوبلت من أحد الضباط قائلا للوزير : " لازم نقص لسان كل واحد (بعنف أكثر ) من شان يخاف غيره !! وهذه الرؤية هي التي قد توجد مبررات أكثر بطلانا عند الطرف المقابل للقتل على الهوية المذهبية أو الرؤية الخاصة التي لا تمت للنظام بصلة ولاء وفساد .
إذن تستمر رحلة هذه الرواية (الولادة من الخاصرة ) في البحث عن فردية الإنسان وتقديسه في أوراق القانون التي يفترض أنه هو من يصنع القانون , وليس القانون هو من يصنع الإنسان – كما في واقعنا العربي – فيلد إنسانا من الخاصرة , ويكمن دور القانون بعد ولادته الطبيعية , التي ليست من الخاصرة ! الحفاظ على المجتمع بكافة أطيافه المتعددة , وضمان حقوق الأفراد بالتساوي , وبعدالة اجتماعية .
فنحن أمام رواية محورها جدلية ( القانون والإنسان ) فالمنطق في هذا أن الإنسان بعقله الجبار يلد وعيا يضم الثقافة والقوانين والدساتير والفكر , وأي تغيّر فيها يعود فيغير في الإنسان . إلا أن الرواية التي نراها هي أن الإنسان المولود بعاهات نفسية - فتتحكم بتصرفاته تجاه الآخرين - أو المتسلط الذي يعرف كيف تدار لعبة السياسة بكل فوقية يلدان القوانين والدساتير , ومن ثم هي بدورها تلد إنسانا من الخاصرة.
وفي تأمل الحوار الذي جرى بين رؤوف وذلك المسؤول الكبير جدا( رمزيته عالية ).. في الحلقة 16 نجد رمزية هذين الشخصين ماثلة بحوارهما المليء بالرمزية = أعني بالشخصين (الإنسان المولود بعاهات نفسية - فتتحكم بتصرفاته تجاه الآخرين - أو المتسلط الذي يعرف كيف تدار لعبة السياسة بكل فوقية قذرة ) :
رؤوف يطلب منه أن يساعده في حل مشاكله مع شيرين وغيرها رد عليه قائلا :
" مشكلتك أنك متهور , ومندفع و مو شايف حدا , وحاسس حالك تقدر تهدّ العالم بالحديد !! وهذا مو صحيح يا سيادة المقدم ! ولو برقع وراك شهر ما بخلص ! وواحد وقع في مثل هذه المشاكل ولد صغير وبده تربية من جديد !! حاسس قدامي ولد صغير كل همه يلحق مين كسر لعبته !! ولحتى رؤوف الكبير يعيش الولد بده قتل ! "
ثم تتجلى الرمزية عندما قال لرؤوف : " اقعد بالسماء وراقب اللي بصير بالأرض " هذه الفوقية القذرة التي تتناص مع نصوص أحيطت بسياج ديني لتعْبُرَ به الزمان والمكان كقولهم الذي ينسبونه زورا للرسول العظيم (السلطان ظل الله في الأرض) ليمتصوا به حق الإنسان , وليكون الظلم باسم الدين ! ويكون التوظيف للنص بشكل مجتزأ عن سياقه لعبة سياسية قذرة وقد رأينا في الحلقة التاسعة المسؤول الكبير الذي لجأ له رؤوف لحل مشاكله يحدث الضابط الكبير عن الرسالة التي أرسلتها حنين يقول : " إذا عرفنا من باعث الرسالة بدي أخنقه بيدي , وإن ظل مخفي مالنا إلا نساير ! يرد الآخر : نساير يعني نغض النظر ؟ يرد : ما كل الأديان أمرتنا بغض الأبصار ! فيرد الآخر : صحيح !! يا له من توظيف قذر .
ولهذا رأينا المقدم فايز الذي يمثل النزاهة النسبية في السلطة – وهذه الشخصية أجاد في وضعها الأستاذ سامر ؛ لأن الموازنة موجودة حقيقة وإن أنكرها المتعصبون – حاول أن ينشقّ عنهم بتقديمه ورقة الاستقالة (التسريح من السلك العسكري ) يقول لرئيس الفرع عن سبب الاستقالة : " أنا مكاني مو هون " , إلا أن هذه الشخصية النزيهة نادرة في الوطن العربي وأمارة ذلك تجلت في ما وراء النص حين أصر رئيس الفرع في الحلقة العاشرة على أن المسألة ليست مهنية بل هي شخصية بين فائز ورؤوف , ومن ثم في الحلقة 12 إصرار زملاء فائز على أنه أخذ المسألة شخصية ! فهذه دلالة على عدم توقع النزاهة في القطاع مما جعل فائز يحلف بالله قائلا : " قسم بالله ما عم بحكي نتيجة عداء , أتكلم من منطلق مهني بحت " .
نص الولادة من الخاصرة حمل في داخله دلالات تعبر عن منشأ الخلل في تشكيل الوعي , فعندما نسترجع الذاكرة إلى الخط الرابع في الجزء الأول ( الخط الثقافي ) الذي كان يمثله علي كريم ومعه مجموعته الجميلة ومنهم : رنا شميس
نجده كان يمثل الخط المُهمّش بالنسبة للخطوط الثلاثة الأخرى وهذا له دلالته في غياب وتهميش الجانب الثقافي على مستوى صناعة القوانين وقيادة دفة السفينة نحو التقدم , وتشكيل وعي المجتمع وتطويره ..
هنا في الجزء الثاني نجد هذا الخط غير موجود! في دلالة على تقهقره أكثر ..
وسيأتي السؤال من يحمل دفة الثقافة ويصدر نفسه قائدا لها ؟
يكفي أن نطلع على مذكرات رؤوف لنعرف من يحتكر الثقافة يقول : " عملت علاقة مع عميد في جامعة أوكرانية بعد ما رحت بعثة هنيك لأعمل دورة , واتفقت مع العميد يعملي شهادة جامعية ... ولما رجعت حكيتها لواحد زارني بالفرع .. وبلّشت اشتغل بالشهادات العلمية أنا واياه ... "
ويقول " صفوان عبدالله جبنا له الدكتوراه مع أنه ما معه بكالوريا .."
ويقول : " غسان ماضي أحد الدبلوماسيين الكبار زارني لما صرت مقدم ليباركلي اكتشفت أنو متورط بملف كبير له علاقة ببيع البحوث العلمية , وطلب مني أساعده بلفلفة الموضوع ...."
هنا الفساد طال متعلقات الثقافة ؛ للإيمان بأهميتها في السيطرة على منافذ الوعي ؛ إذ إن الدولة الحديثة تسير بجناحين يساعدانها على الطيران والتحليق نحو التقدم هما المثقفون الإشكاليون , والسياسيون المتنفذون الذين يحسنون تصريف الأفكار التي أنتجها المثقفون الإشكاليون على أرض الواقع اليومي إلى آليات أو إجراءات تزيل العنف المتصاعد ضد الإنسان .
فسعوا إلى السيطرة على كلا الجناحين من حيث صناعة ثقافة مجازية
فها هو الدكتور صلاح الذي يمثل المثقف الذي يقود دفة مخرجات التعليم الجامعي ..! فبالنظر إلى سؤال القضية الأساسية للمثقف تجاه مجتمعه .. هل خاض المثقف ( ورمزيته هنا بالدكتور صلاح ) في قضايا ومشاريع انتشال الإنسان من أوحال الظلم والفقر والفاقة أم كرسها بفساده ؟!
ولهذا عندما يكون المثقف إما شاهدا ومسوغا لثقافة (سلطوية) فحسب أو مكرسا بخطابه المفاهيم والقناعات المحافظة التي تدور في فلك السائد القديم ! فإن هذا يعد مثقفا مجازيا ! فالقانون الثقافي لديهم ينص على حماية السلطة ويجلبون له النصوص حتى السماوية منها ما يجعله هو نفسه نظاما سماويا لا يتنازع فيه اثنان !! ومن يحاول أن يراجع في هذا النظام ناقدا ومشككا فإنه يعد خروجا على الثوابت .
وفي وسط هذا التسلط تظهر فئة مثقفة طموحة , ولكنها تعاني التهميش ومصادرة دورها ؛ ولهذا تجدها تشعر بالاغتراب فتهاجر بأقلامها نحو ثقافات أخرى للبحث عن الذات , عن الإنسان الذي بداخلهم ! .. فرأينا سماهر محمود هاجرت للهرب من العسكري المتنفذ الذي منعها حتى من دخول وطنها !!! فكل شيء لهم !!! ((وليس أدل على ذلك من شخصية أبي إياد التي تتحكم في مصائر الناس : سيطرة على الثقافة في الجامعات (رندا) وسيطرة على المال والاقتصاد (جاكلين) وسيطرة على السياسيين بالخوف من الاحتكاك به وطلبهم منه أن يخلصهم من رؤوف وووإلخ.))
وكما رأينا مع علي كريم في الجزء الأول .. فكل ما تطرحه من قراءات موازية للواقع والأحداث يقابل بالحيلولة بينها وبين إنضاجها واقعيا فتظل مستغرقة في الجدل النظري والافتراضات الطوباوية بين دفتي كتاب علاه التراب , فقد لاحظنا في الجزء الأول في مشهد اللقاء التلفزيوني مع فرج عبدالله (علي كريم) لا يوجد تفاعل ولا اتصالات .. فهو ينص في الكتاب الذي أصدره : " السلوك الانساني يجب أن يبتعد عن التقديس "
فهذا مما لا يراد له الإنضاج ..! ؛ لأنه كلما اتسعت دائرة المقدس , تقلصت دائرة العقل والحرية !! .
وبالمقابل تجد أصحاب ثقافة المجاز يملكون الإعلام فيأطرون خطابهم ويعمقون التصديق به محافظين على النسق السلطوي !!

إذن نحن أمام قانون مشوّه كان نتاجا لتلك التخبطات , وقد وردت على لسان عصام صديق وليد ما يجلي كثيرا من التخبطات قال في الحلقة11:" هالبلد ما فيها غير اللف والدوران ! والقصر العدلي تشتريه بعشرة الآف ورقة , وبالكثير عشرين ! .. بلد بده مخ "
إن القانون تائه في صراعات الإنسان البسيط في بحثه عن وجوده الطبيعي = الحق في الحياة ( لم يصل بعد إلى البحث عن وجوده المدني !! فكما جاء على لسان الرئيس! أبو إياد وهو يتحدث عن المشروب الذي قدمه لرندا : " هذا مصنوع من فاكهة أفريقية اسمها فاكهة الحياة مانو موجود بهالبلد أبد " ) , وفي صراعات السياسي النظامي في بحثه عن بسط نفوذه إلى حدود الشمس , وبطريقها عقبة تضارب المصالح فتتواجه القوى من الداخل , وفي صراعات السياسي غير النظامي في بحثه عن ركن شديد داخل النظام ! ليزيد من ورائه علوا على القانون المهترئ فتصرخ هذه الصراعات معلنة الرمزية في سؤال العمل :
(( من الكبير هنا ؟ ))
وهذه جاءت على لسان رمزين في فسطاطين متناقضين :
الأولى على لسان فايز في الحلقة 12 وهو يحدث زملاءه :
" من هم الكبار ؟ قضيت عمري , وأنا أسمعها ولا لقيت جواب !! عن جد مين هم الكبار؟ "
والثانية على لسان رؤوف في الحلقة 28 وهو يحدث رئيس الفرع بعد أن اقتحم المساعد ناصر منزل (( أبو إياد )) :
" مين اللي صار اسمه أكبر من حجمه ؟ يا سيدي ما عرفنا مين الكبير فعلا ؟ ممكن تقولي كيف مسؤول كبير يحوي مجرم ؟ كلنا غلطانين بس الأقوى تتبرر أفعاله مهما أخطأ ! ..."
فهذه الصراعات داخل المؤسسة تبرز صراع قوى يحكم بحكم الغابة الخاسر فيه هو الوطن , ومزيدا من سحق الإنسان .. فتتجلى هنا جدلية الحضور والغياب : غياب الوطن وحضور تصارع القوى السياسية .. غياب القانون والثقافة والإنسان وحضور التظالم والتكالب على المصالح الذاتية ! والتخبطات رأيناها عندما بدأ الكبار يتقاذفون المسؤولية , والتنصل من أوامر القبض على المجرمين , وليس أفرادا بل أجهزة كاملة .
ومن المفارقات التي تعطي معنى ساخرا لسحق الإنسان ما رأيناه في الحلقة 10 مشهد أم جابر وهي تتصدق على الجيران , وهي في أقسى أنواع الفقر ؛ تبرر هذا الأمر لنهلة بأنه دفعا من الحسد !! ولكن المضحك : يحسدونها على ماذا ؟؟!
فالنص هنا ينتج معنى أعمق فأم جابر أكثر إحساسا بالألم وتعرف معنى الفرحة بعين الآخرين , والبذل الحقيقي هو البذل من فقر لا غنى .. والمفارقة هنا في قلب المعادلة كون الفقير يقتسم لقمته مع جاره , والغني الفاسد يزداد ثراء بأخذه لقمة ذلك الفقير ؛ وهذه من جناية القانون الذاتي الفاسد .
وقد كان بناء النص نحو إنتاج المعنى بارزا في دلالات الشخصيات ورمزياتها , إذ قد شُحنت بدلالات رمزية تتجاوز الأفق الشخصي إلى إشكاليات الوطن المتسع والمتنامي .
والرمزية رمزيات إلا أنها تصب في قالب واحد هو بناء المعنى الذي يشكل الرواية :
فعندنا (جابر وأبو الزين وعقيل وأبو حسام ) يجمعهم طريقة تشكيل الوعي في عقلية الإنسان العربي , فجابر ممثلا (للإنسان العربي) وكيف تتطور شخصيته وتتقلب! فتقلباته تعكس التغيرات في المجتمعات العربية مع واقع القوانين المخروقة التي تزيد الفقير فقرا ! وتحول الصالح إلى فاسد , فكلما زاد الفساد أصبح كالسرطان الذي ينهش في أخلاقيات الناس . فجابر إنسان بسيط لا يدرك مجريات ما يحصل في العالم العربي ثقافيا فيأخذ بتفاسير ضمن البنى التقليدية المحافظة والرجعية فاعتقد بأن ثمة لعنة تطارده فذهب يبحث عن سر هذه اللعنة ! بحث عنها في الغيبيات فأحالها إلى الغضب الإلهي مرة , وإلى الابتلاء مرة ثانية , وإلى نحس الزوجة مرة أخيرة !
ومن خلال تطورات الشخصية ( الرمز ) وحوارتها المتقنة مع الشخصيات الأخرى تتشكل فيها الرؤية من جذور المشافهة بين شخصيات قهرها الزمن لتكشف تهافت هذه الافتراضات التي صنعتها البيئة والمناخ المفتقر للحقوق الكاملة للمواطن ورأسها التعليم المنتج لثقافة التفكير والاستقلال الفكري المعزول بحرم جامعي يمنع نفوذ الفساد إليه واغتيال حريته ... ( وليس كما رأينا أبا إياد بكل بسهولة يأتي بالأسئلة من كل الأساتذة لرندا !! )
فالغضب الإلهي الذي يجعله جابر تفسيرا للفقر وتكالب المصائب عليه في قوله بعد أن اكتشف سرقة المليونين من حسابه في الحلقة 6 : " أنا اسمي جابر , وعمري ما آذيت حدا , والله غضبان عليّ ..."
يتهافت لما قال جابر لأبي مقداد وهو في المشفى في الحلقة 8 : " إذا واحد الله غضبان عليه لازم يدور ليش الله غضبان عليه ؟ مو لازم يدعي على غيره !! فيرد أبو اليمان : " إذا كان هو غضبان الله عليه! أنت ليش غضبان عليك ؟
(( هنا يقع جابر في إشكالية فكرية باعتبار أبو مقداد فاسد فهو مغضوب عليه لكن جابر الذي لم يؤذِ أحدا لماذا مغضوب عليه ؟ ))
ولهذا سارع ليرد على ( أبو اليمان ) قائلا : " الله مو غضبان عليّ ! الله بيمتحنّي "
((هنا جابر يتحول لتفسير اللعنة التي تلاحقه من الغضب الإلهي إلى الابتلاء ))
ولكن أبو اليمان قال : " إذا هيك فأبو مقداد الله بيمتحنه لا تنس أنه وقف معك يوم يسرق مصرياتك وليد " قال جابر محاولا الدفاع عن تفسير الامتحان : " وقف مع مصرياتي مو معي "
هنا يلقي أبو اليمان على جابر جملة جعلت الغضب والامتحان يتضاربان في عقلية جابر فيتهافتان لما قال أبو اليمان : " أنت يوم تشتغل مع الدكتور في عيادة الإجهاض مو كنت تقبض مصاري ؟ "
(يعني لماذا أنت امتحان من الله وأبو مقداد غضب فكلكم تشاركون بأمور لا قانونية وتقبضوا أموالا عليها ) ولهذا انتهى الحوار هنا .
فنجد جابر يبدأ في البحث عن تفسير آخر غيرهما إلا أن فكرة الغضب لازالت تراوده محاولا أن يقنع نفسه بوجود سبب مما يدركه عقله لأن العقل لابد أن يرضي نفسه بتفسير ؛ ولهذا نجده يكرر على مسامع أمه أنه مغضوب عليه كما قال في الحلقة 9 : " أبصر شو أنا عامل بحياتي لهيك الله ما بيسامحني " ولهذا هو الآن سيبحث عن سبب الغضب الذي يجب إزالته لتحل عليه رحمة الله فقال لأمه : " أنا من يوم تجوزت وحياتي انقلبت فوقاني تحتاني حاسس أن نجوى نحس عليّ "
واستناده هنا على دليلين الأول مبني على الثاني , فالأول : كلام الناس على أن وجه المرأة نحس ! والثاني : ورود حديث عن النبي ( الشؤم في ثلاث : المرأة والفرس والدار ) !
هنا الحوار مع أم جابر فعلقت على الدليل الأول بأن الناس الذين يقولون ذلك جُهّال . والدليل الثاني قالت لفظة واحدة كانت هي الركيزة في نقدها لدليل جابر قالت : " ما بصدق " .
( أم جابر لم تصدق أن هذا حديثا قد يرد على لسان النبي , ولكن ثقافتها المتواضعة تجعلها لا تستطيع أن تحلل بطلان هذه المقولة التي هي إفرازات مجتمع ذكوري يصنع النص بأهواء ؛ إذ إن هذا الحديث يطرح إشكالية كبيرة حول الاسلام وعلاقته بالمرأة . فهو يعطي معنى الاحتقار للمرأة ؛ فلفظة أم جابر (( ما بصدق )) كانت مضمنة معانٍ عميقة هي التي وجدناها على لسان عائشة بنت أبي بكر زوجة النبي قالت : " والذي أنزل القرآن على أبي القاسم , ما هكذا كان يقول ... إنه كان يقول إن أهل الجاهلية كانوا يقولون الشؤم في ... "
ولهذا نجد أم جابر تقول له : " إذا ظليت تفكر بهالطريقة بعمره ما راح يطلع فيك الله ..."
هنا تدخل زوجته نجوى لتطرح عليه سؤالا هو في مضمونه تفنيدا لبطلان أسبابه تقول : " أنا كنت عايشة مع أهلي ليش ما شافوا نحس ؟ ولا يكون بنتك بعد وجه نحس ؟ وشو بتعمل بتكبها بالشارع ؟

ثم نجد النص يوقع المفارقة في التقاء زوال فقر جابر مع تطليق نجوى في إشارة إلى أن ما يحصل من تصديق لكثير من الخرافات قائمة بالطريقة ذاتها التي حصلت حين طلق جابر نجوى ومن ثم أربحه أبو إياد ورقة اليانصيب .. (( تأمل كيف الفوز بها ؟ )) !! فالأمر أن العقل سيطرت عليه الأوهام النفسية فصار يربط بها كل حدث مما يعطي تعزيزا وهميا لتلك الخرافة !!
ولهذا قال جابر في الحلقة 29 : " صرت مليونير وما خلص عذابي "
وهذا القانون الغيبي نجد السياسي يلعب على وتره فيكرس المفهوم الغيبي والخرافة من خلال بث قراءة المستقبل (رندا) فهي تباعد العقل عن صناعة القانون الذي يحد من الثراء الفاحش الذي يعيشه , ويقضي على فساده وسلطانه المترامي ..!فكلما ازداد ثراء فإنه في المقابل يزداد مواطن سوري فقرا !! بل إن هذا القانون الغيبي الذي يشير إلى غياب العلم سهّل من مهمة أبي مقداد في بيع ماء من السبيل المجاور له على أنه ماء زمزم !! .
ويقابل جابر - الذي تخبط في تفسيراته - أبو الزين الذي استمر على وضعه دون الإغراق في تلك الخرافة فهو من أبرز المدافعين عن قضايا الحقوق , على أساس إنساني , وقيمي , وحقوقي محض . و دون التورط في قضايا عنف ومصادرة لحقوق الآخرين , فنراه قد مارس مع الحارة سيكولوجية الجماهير في الوصول إلى الحقوق وكأنه يفهمها كالمثقفين .. ونجد عنده بذورا لهذه عندما قال لجابر : انت ما قبلت أبو الزين الجديد , أبو الزين اللي هن بدهن إياه .. يا صاحبي شايف لك العالم بدها تآكل بعضها !! .
وفي هذا الجزء تبرز شخصية (عقيل) وهي في تشكلها وتطورها تشبه (جابر) إلا أن تصاعدها النفسي وتبرير تصرفاتها أقل إجادة من جابر -من وجهة نظري- وكلاهما ولد من الخاصرة فأنتج أفعالا لا منطقية , وعقيل مع قضية المعمل يمثل طبقة العمّال وكيف تثور ؟
فتعامل مع العمال على أساس أن العنف والازدراء هما سيدا الموقف ؛ لأنه كانت تمارس عليه الأفعال ذاتها , فسيطرت عليه هذه الفكرة واندفنت في اللاشعور حتى حان وقت إخراجهما في المعمل فأنتجت بناءً غير منطقي من كون السلطة في ولادته مقابلة للعنف, ولو كانت السلطة تعنى بالحجاج والمشاركة السياسية، في الفضاء العام , والرأي والرأي الآخر والعدالة والمساواة في المجتمع فستنعدم الحاجة للعنف ؛ فالعنف سبيلا لاعقلانيا في أكثر صوره . وقد كانت شخصية عقيل في مقابل شخصية مُهاب التي كانت ترى العمال شركاء في المعمل متصالحة ومنتجة بينما هي عند عقيل ( سيد وعبد ) ولهذا ثار العُمال ؛ فكسروا المفهوم الذي انطبع في الأذهان عن الشعوب المخدّرة ! .
وكنا نرى في عقيل شيئا من تأنيب الأنا الأعلى عنده عندما قال لمهاب : " بديّاك إذا خبصت ترجعني .. "
وفي الطرف الآخر شخصية أبي حسام فرمزيتها الشخصية الضعيفة التي تختبئ وراءها صراع الحب والحرب وكيف ينقلب المحب على حبيبه ؟! أقول تختبئ وراءها ؛ لأنه هو أبسط من أن يعي ذلك , ولكن صناعة الشخصية المتقنة أبرزت ذلك :
نرى أبا حسام في الحلقة (17) يأتي بقفل لباب بيته ( ست قفلات ) استعدادا للحرب مع الدولة في رمزية تبعث أسباب تشرذم المحبين وانقسامهم الذي لا يأتي في ليلة وضحاها , بل في تراكم المسببات لكل ثورة ؛ ولهذا قالت أم حسام له : " مو هذي الدولة اللي صرعتنا فيها !! نسيت شو كنت عم بتحكي عن الدولة ومكارم الدولة وعن (واجبات) الناس أمام الدولة ؟ هلّا صار اسمه احتلال ؟
لم يجد أبو حسام جوابا متماسكا معرفيا ؛ فشخصيته أقل من أن تجيب فلسفيا ! إلا أنه اطلق كلمات متناسقة مع شخصيته الظريفة حتى في أحلك الظروف لما شبه بيته بالوطن فأعلنها قائلا : " الأمن والأمان أهم شيء للمواطن "
مما يعني فقدانها : المعركة ! فلما فقد إحساسه بوطنه الكبير وصار الوطن محتلا , - بدلا من بعثه الأمن والأمان يبعث الخوف والطرد من الرحمة - بقي أبو حسام متمسكا بوطنه الصغير (البيت) عندما قال " البيت مثل الوطن إذا حدا بدّه يحتله اطلّع له عينه " إلا أننا نجد أبا حسام يُحيل سبب تسلطهم عليهم بطرده من بيته ؛ لأنه تسلط على جابر وطرده من بيته , وهذا يُحيلنا إلى عمق إشكالية تضعنا الرواية في وسط معمعتها : ( في داخل كل مواطن سلطة ولدت من الخاصرة بسبب السلطة الكبيرة العوجاء) .
ويختبئ وراء شخصية أبي حسام تداخل الألم في أقصاه مع الضحك الممزوج بحرقة ليحكي خروج الأمل من حرقة الألم - ومشاهد أبي حسام التي تخرج فيها الطرفة من وسط الألم أكثر من أن تحصى -
إن أبا حسام بقايا جسد حطمه الخوف والجحود والحب القديم الذي بقي في الذاكرة ولم تستطع أن تتجاوزه! وما ذاك إلا العقدة النفسية التي ولدت من الجحود بين حرب تشرين ! واغتيال حياته من سلطة وصفها لنا أبو مقداد عندما قال " نحنا فحم أرقيلة" وقد برز ذلك في حالة هجوم الأمن على الحارة في الحلقة 33 وأخذوا يضربون أهلها ويذلوهم وفي حالة من الفوضى في داخل النظام بتشعب الشبكة النظامية وسحب أبي حسام إلى داخل السيارة الأمنية يصرخ باكيا معتقدا أنه سيشفع له : " أنا مساعد أول في الجيش "
وأما الجانب السياسي فتبرز فيه تقاطع خطَّيْ النظام مع اللانظام ؛ ولهذا رأينا تأسيس شخصية جديدة في هذا الجزء هي شخصية ( أبو نبال .. شيخ الواااادي ) وفي حديثي الآتي ستبرز هذه التقاطعات مع ما تحمله من مخزون تاريخي ..
تبرز في هذه الشخصية الرمزية المرتبطة بالتجربة التيارية بمعنى أن استجلاب تلك الشخصية فيه هيمنة الذاكرة التاريخية في البلد - من المافيا التي كانت تشكل قانونا داخل القانون ومن عوائل شهيرة كشيخ الجبل - لقيام سخط عام صارت آثاره واضحه مع الثورة .. ولهذا أبو نبال كان ضابطا يخدم بسرايا الدفاع فسُرِّح من عمله فشكّل مافيا عصابات لا يقف شي بطريقه ..! وهذه الذاكرة ممتدة إلى الحاضر بطرق أخرى وأكثر تعقيدا في داخل البلد , ورمزية تغيير أبي نبال في الحلقة 33 تشير إلى هذا الامتداد بين ماضي المافيات وحاضرها ؛ إذ لم تتغير إلا الطرق فحسب .
بل إن رمزية أبي نبال هنا تنغرس في التاريخ أكثر لتبعث ( أبا بصير ) الذي خرق هدنة الحديبية التي التزم بها الرسول , وأقام أبو بصير خارج القانون نوعا من دولة داخل دولة الإسلام ... وهذا التشابه تشابه في بدائيات القوانين وتشكلها الذي ينجم عنه تدخلات ذاتية تصنع قانونا شخصيا !
فما الذي ألجأ أبو نبال إلى وضع قانونا داخل القانون ؟ يقول أبو نبال لجابر في الحلقة 13 : " لا تفكر إني أنا هربان من الأمن وبس , كمان هم هربانين منّي ؛ ومن شان هيك القوي هو من يصمد على الأخير وما يبيّن خوفه ! ولما تصير مثلي تملك سلاح يخوف بلد ! السلاح هو (اسمك) !! لأن اسمك غارز في الأرض مئة شبر ! .
وفتّش عن الأسماء وستجد الكثير ! فنحن أمامنا اسما ليس من النظام لكن نرى تقاطع بينه وواحد من كباااااااار مسؤولي الدولة أبو إياد ؛ الذي هو أيضا وراءه أكبر وأكبر عندما اتصل في الحلقة 33 على الكبير قائلا : سيدنا , عندي طلب صغير بخصوص المقدم رؤوف " فإذا كان أبو نبال سُرح من العمل فإن أفعاله في الحقيقة هي عينها أفعال ذلك المسؤول لأنه مشرعن لها ؛ ولهذا رأينا صفوان العبد في الحلقة 14 يقول : " القانون عزوتنا , و يا خوفي يكون أبو نبال فوق القانون والدولة كلها "
ويتجلى الاندماج بين شخصيتي أبي نبال وأبي إياد حينما صرخت أم سامي بوجه أبي نبال في الحلقة 30 : " التاريخ ما راح يرحمك " فهي هنا تحدث السلطة بأكملها تمثلت بشخصية أبي نبال .
كما أن الجانب النفسي يصنع جانبا من شخصية أبي نبال المتقاطعة مع نفسيات نظامية , فكما قال رؤوف عن أبي نبال : أنت بتشبهني ظالمينك ... !! ويدل على هذه النفسية في الحلقة 16 لما كان متضايقا جدا ذهب إلى الملهى الليلي وأرعب من به بإطلاق الرصاص ثم دفع الحساب قائلا : "أنا كنت ضجران ومزاجي مقلوب فحابب أنفس وأرتاح "
وهنا يلتقي بالشخصيات النظامية من جهتين : الجهة النفسية التي يمثلها رؤوف فيتعامل بحماقة مع الآخرين وكأنهم جنود عنده , وقد تجلى ذلك في حديث رؤوف للمساعد ناصر في الحلقة : " حشرات تتطاول عليّ وبدها تضربني , أنا قبل ما أدخل السجن كنت أدوس أرض الشام وصنوبر حلب يرجف ! هلاّ صاروا يتهجموا عليّ ! شو صار بالبلد!! أوساخ بدها تطاول على أسيادها ! " وجهة القوة والسلطان التي يقتبسها من الرئيس أبي إياد . ( ورمزية اللانظام كانت في إبي نبال وإلا قد رأينا في الحلقة 33 كيف كان أبو إياد يبحث عن مواصفات لشخصية اللانظام بقدرته على إرباك النظام بصناعة نظام موازي يحارب الآخر !! وهو في الحقيقة نظامي متمثل بمن وراءه من النظام ولكن بطرق ملتوية , ولهذا لما استطاع رؤوف أن يقبض عليه قال أبو إياد لأبي نبال : واحد مثلك ما يلزمني )
ولعل من دقيق الملاحظات في الرمزية - من وجهة نظري- التي تؤكد اندماج النظامي مع اللانظام ثلاثة أمور :
الأول : إن اختيار أن يكون أبو نبال في سرايا الدفاع بالذات مرتبط بما يسمى الفرقة الرابعة التي واجهت الثوار ..!
الثاني : برمزية مرض عيني أبي نبال فهو يحمل معه قطرة للعين , إنه بحاجة لطبيب عيون ! والرئيس أبو إياد لعله يجيد طب العيون ..! أو أن رمزية العين تشير إلى المافيا من العائلة !
والثالث : في رمزية قطع قدم أبي مقداد مفهوم الصراع حول امتلاك شي ما , و رمزيته هنا (رندا) في إشارة إلى الحرب على امتلاك الوطن الذي يسع الجميع..!! ولهذا أبو نبال يكرر كلمة : " من يتطاول على شيء يخصني أقطع له رجله "
على كلٍ لا أريد أن أطيل في هذا بالتحديد فإني أخجل أن أطيل في أبي نبال السوري وأترك أبا نبال الخليجي , فلدينا في بلادنا مئات من أبي إياد وأبي نبال , ورؤوف , ووو.. ! وظهور أبي نبال الخليجي بطرق أخرى كمافيات برتبة وزير !!! واحتكار الثروات !! - ولا يسترها عن أن تطفح أمام الملأ إلا البترول - والمفاضلة على حقوق دون حقوق , وميلشيات عنف ديني دوغمائي واندماجها مع النظام السياسي لالتقاء المصالح , ولا يوجد منابر يمكن أن تسهم في رفع الوعي السياسي والثقافي عند الشعب , بل هناك عملية تغييب ودروشة لهذا الوعي عن طريق الإعلام , والتعليم , والمنبر الديني . فمجتمع يعيش هذه المذهبية , والدروشة الفكرية والسياسية , ما نتيجة ثورته إلا نماذج أكثر مذهبية واعتقال الحريات , والحرب على الهوية.
بقي أن أشير إلى مفهوم حرية المرأة الذي جنت عليه كل تلك العقبات فالمتهم هنا ليست الحرية إنما الظروف التي نشأت فيها , وقد تمثل هنا بعائلة أبي فيصل التي وصفتها ريم قائلة : " خليط بين أب ديمقراطي وأم سلبيه ما بيدها تعمل شي وأخ من العصر الحجري" والإشكال الظرفي هو بين النظرة القديمة والحديثة , فأبو فيصل يرى كما جاء في الحلقة 15 : " أن البنت ضلع قاصر والمجتمع بيضطهدها " وهذه نظرة قديمة يمارسها المجتمع باحتقار للمرأة , قابلها أبو فيصل بمعاملة حديثة تناسب عندما تكون النظرة المجتمعية للمرأة حديثة وهي أن لديها وعي يفوق الشاب في مرات عدة مما يدل على أن العقلية واحدة , فالمرأة من حقها أن تحب , من حقها أن تحلم وتعيش بصفتها إنسانا , فلا تريد وليا يصغرها حتى بالعقل يكون أحرص عليها من شرفها !!
ولهذا المرأة تعيش في خوف وألم نفسي وتبحث عن حقوق يفترض أن وجودها طبيعي , ولكن مع غياب القانون والحقوق , والوعي , وأحكام عفى عليها الزمن كانت تطبق قبل مئات السنين لبيئة لم تعرف النظرة المدنية بعد ُ كل هذا ساهم في إخراج هذه الولادة من الخاصرة لريم ؛فتضارب التنظير في ذهن والد ريم مع الممارسة المجتمعية ورث ولادة من الخاصرة لريم ومن هو مثلها .

وختاما فإن ما يجمع تلك الخطوط هي نتائج متساوية لمقدمات من العنف والذل , فأي عنف ثوري يحصل إنما هو ذاكرة تاريخية مستفزة قامت على القانون الذاتي المصنوع من شبكة مترابطة : خيوطها العقد النفسية المتشعبة والمختلفة ولا تستطيع إزالة خيط إلا بإزالة الآخر .. وهذه العقد منشؤها البناء التحتي لنشأة الجدلية بين القانون والإنسان كما أشرت في الأعلى !
وهذا العنف الثوري ليس على النظام السياسي فحسب , بل ضد النظام السائد بكل بناه التقليدية على الصعيد السياسي , والديني , والاجتماعي؛ إذ السياسي ليس إلا محصلة كل هذه الأنظمة الرجعية السائدة , والمؤطرة للعقل الجمعي السائد . فالثورة لابد أن تكون ضد النظام المعرفي بكامله , فالنظام السياسي ليس بمعزل عن الخلفية الأيدولوجية السائدة ببعديها الديني والاجتماعي , ولهذا التغيير في أساس هذا البنية هو الشرط الاساس في بناء متجاوز ومتفوق على النظام البائد . وإلا ستكون تبديل وجوه لا أكثر , بينما إشكالية البنية الفكرية قائمة بكل تبعاتها , واشكاليتها . وقد التمس رمزية هنا حين ذكر رؤوف رسالة الغفران للمعري في خضم التحقيق معه ؛ فدلالة ( الجحيم ) عند المعري - كما يصفها بعض الناقدين – دلالة رمزية تعني مكان المثقفين الثوريين , ولقد وصف المعري الجحيم وصفا يشابه أماكن التعذيب في سجون السلطة من حيث ضيق المكان , انعزاله وانغلاقه , وقوعه في مكان منخفض بالقياس إلى مستوى الأمكنة التي تحيط به , حراسه المرعبين (الزبانية) , تكدس المقيمين فيه بطريقة متقاربة جدا وفوضوية توحي بالاختناق والمعاناة .

أنس الرشيد 3/9/1433هـــ

أنس بن سليم الرشيد
(122)    هل أعجبتك المقالة (122)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي