الولادة من الخاصرة: دراما سورية على جمر الحرية والتغيير

شهدت دورة رمضان التلفزيونية لهذا العام إطلاق الكاتب سامر رضوان والمخرجة رشا شربتجي الجزء الثاني من مسلسلهما (الولادة من الخاصرة)، مع تخصيص الوليد الجديد بعنوان (ساعات الجمر)، وكأنما أراد الكاتب بذلك أن يتجنب تصنيفه ضمن كتاب المسلسلات ذات الأجزاء العديدة المتناسلة عاما بعد عام،  ولعله أراد أن يقول شيئا جديدا في هذا العمل، وجعل العنوان بوصلة ترشد المتفرج إلى عالمه الفكري ومقولاته.
 يستمر رضوان في هذا الجزء في رصد جوانب المجتمع متنقلا بين بيئاته الشعبية ومراكز السلطة والقيادة، متعمقا في كشف ظواهر الفساد بجرأة لم تكتب وتمنح لعمل سوري آخر من قبل، رافعا بهذا سقف الحرية المتاحة أكثر مما فعل سابقاً، وكأنه قرر منذ مسلسله الأول لعنة الطين أن يناضل بتؤدة وصبر كبيرين لرفع سقف طالما وقف حاجزا أمام أفكاره الجريئة وإيمانه العميق بالحاجة للتغيير.


 ينتهي ضابط الأمن رؤوف في نهاية الجزء الأول في السجن بعد انكشاف جرائمه واستخدامه الأرعن لمنصبه في تحقيق أهداف شخصية، لكنه يخرج في الجزء الثاني نتيجة تهديده للمسؤولين بفضح ملفات فسادهم  التي أخفاها في مكان ما خارج السجن في رعاية أصدقاء له سينشرون تلك الملفات إذا لم يطلق سراحه حالا. وهكذا يعزز الكاتب فكرته التي ظهرت خلسة وخجولة سابقا ليقول اليوم أن الفساد حالة عامة أو تكاد تكون كذلك.
قد يظن المرء أن أقصى وأشد حالات البؤس والشقاء ماأصاب أحل الحارة العشوائية من هدم لبيوتهم، لكن رضوان يأخذنا معهم إلى الأوكار التعيسة المزروعة في البرية ومنسية دون ماء وخدمات. هناك حيث يغور الإنسان الفقير في الأرض غير قادر على رفع رأسه أو فتح فمه إلا ليشكر الدولة التي مازالت تسمح له بالحياة والتنفس. أبو الزين (محمد حداقي) مازال يبحث عن طرائق لتغيير عالمه وجعل حياة أهله وجيرانه أقل وحشة. مازال يحمل هم الكل عكسَ جابر الذي يعيش هروبا مزمناً من محيطه ومن طبيعته الطيبة المسالمة.


من عوامل نجاح المسلسل وتميزه بالاضافة إلى الرسم الرائع للشخصيات وغزارة الأحداث ومنطقيتها والتصاقها بواقع الناس وحياتهم، الاتقان الكبير الذي حققه كل من قصي خولي بدور (جابر) وعابد فهد بدور (رؤوف) وكذلك عبد المنعم عمايري و باسم ياخور اللذين أديا الشخصيتين الجديدتين (عقيل و أبو نبال شيخ الوادي). أما رشا شربتجي فتؤكد بهذا المسلسل ذي المقولات السياسية القوية بأنها مازالت مخرجة انتقائية وصاحبة رسالة.
هاهو سامر رضوان يشق طريقه إلى قمة الكتابة الدرامية ماشيا على جمر، حاملا جمرة الحرية والتغيير، يؤجج فينا القلق والخوف من المواجهة القاسية والثمن الرهيب، ويبعث الفرح بالمعرفة وانكشاف الحقيقة.

الجمر الذي قبض عليه بأصابعه السحرية وألقاه في قلب كل واحد منا، ليس إضافة له فقط، أو لمن شاركه العمل، بل هو إضافة لكل من التقط جمرة واحترقت يداه في طريقه إلى الحرية. إنه منارة وضعت على عتبة عالمين تضيء الماضي متفحصه علله وأوجاعه، وتبشر بملامح المستقبل الوشيك.

زمان الوصل - دمشق
(412)    هل أعجبتك المقالة (392)

محمد خزواتمي

2012-08-03

مقال رائع عن عمل راااااااااااااااااااااااااااائع.


عبد الإله الإخوان

2012-08-04

عندما كنت أشاهد سامر رضوان على أحد منابر حمص وهو يلقي قصيدة من قصائده ، كانت تتملكني الدهشة من جبروت هذا الشاب الذي يمتلك عنفواناً مثيراً للإعجاب ، وكنت أقول في نفسي ..هذا الشاب لم يتجاوز العشرين إلا بعام أو عامين ، مالذي سيفعله عندما يصبح في الأربعين ، ولم يخب ظني ، سامر رضوان لقد شرفني الزمن أنني أعرفك مع أنني لم ألتق بك ، حمص تفخر بإنك منها وهي منك.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي