لم تكن صورة المنزل البائس الذي يقطنه موفق الأغواني في كفربطنا أكثر بؤساً منه شخصياً فكأنهما وجهان لعملة واحدة..
فبعد العيش مدة سنوات في قبو صغير تحت الأرض بعشر درجات فلا ضوء ولا أشعة شمس.. ولا نافذة.. ولا..؟! وكأنه جحر بات قاطنه وكأنه وحش.. شعر أشعث وطويل وأغبر.. تساوى واختلط شعر رأسه مع أهداب عيونه مع شعر ذقنه وشاربيه.. «تشرين» فكت لغز الأغواني وها هي تنقل الصورة والكلمة من مقرة العنز..
جحر وليس منزلاً
في صباح يوم 17/2/2007 توجهنا الى ناحية كفر بطنا ومن خلال البحث والسؤال توصلنا لمعرفة عنوان المكان الذي يقطن فيه مواطن (سر) على حد تعبير من استجدوابنا لكشف اللثام عن قصة هذا الرجل.. وفعلاً وصلنا الى حارة الحمام القديم بناء شكير وتبين بعد المعاينة انه قبو مغلق يقفل خارجياً وبداخله الرجل المسن الذي كان يرفض الخروج والتكلم معنا وبمساعدة الجوار تمكنا من فتح القفل والدخول والتحدث اليه والذي تبين:
ـ موفق زكريا الأغواني انه موفق بن زكريا الأغواني والدته اعتدال تولد 1945 دمشق ساروجا مناخ خـ7 وقد كان بحالة صحية ونفسية سيئة وطول شعره ولحيته أكثر من 40 سم ورائحته كريهة..
ينام بغرفة الصرف الصحي
أما القبو فهو عبارة عن غرفة واحدة مع موزع ومنتفعات لا تصلح للسكن وفيها كمية من الأوساخ والقاذورات والروائح الكريهة تنبعث منه كون غرفة الصرف الصحي للبناء موجودة بداخله.. حاولنا التحدث اليه لمعرفة حقيقة ما حدث له وما هي الأسباب التي ادت به الى هذه الحالة غير انه لا يتكلم بشكل جيد وعباراته باتت غير مترابطة وغير مفهومة فاستنجدنا بشقيقه الأصغر محمد..
سخرية واستهزاء
الذي افادنا قائلاً.. ان شقيقي موفق أكبر مني وقد كان موظفاً بشكل مؤقت بمؤسسة الاسكان العسكري وقد فقد عقله من
ذ حوالي 25 سنة منذ ذلك التاريخ وما زاد الطين بلة انه أصبح مثاراً للسخرية والاستهزاء من قبل زملائه وزوجته /ص.ط/ وهذا ضاعف مشكلته أكثر بدل التخفيف عنه.
ترك عمله
فترك عمله وطلق زوجته في تلك الفترة.. الزوجة لم تحاول الوقوف الى جانبه والعطف عليه ومساعدته وانما تزوجت فوراً وكان لديها منه ولدان بنت وتدعى منار وقد تزوجت وسافرت الى قطر وشاب وعمره 33 عاماً ويدعى ايمن.
ساروجة
ان جذور عائلتنا ـ والكلام لشقيق موفق ـ تعود الى حي ساروجة في دمشق ونحن من اسرة فقيرة جداً، وبعد وفاة والدتنا منذ حوالي أربع سنوات ونتيجة تصرفات موفق المزعجة لهم وللجوار في حي ساروجة اشتروا له القبو المذكور في كفر بطنا بمبلغ مئة وخمسين ألف ل.س حيث كان يقيم فيه مع ولده أيمن خلال الفترة الماضية وكان يتردد لزيارته والاطمئنان عليه دائماً..
الجوار
بعدها توجهنا للجوار ومنهم صلاح محمد البحش ومازن صالح شكير وبسام محمد النونو الذين أكدوا لنا أن المسن موفق الأغواني جاء الى كفر بطنا منذ أربع سنوات وكان يقيم مع ولده أيمن في قبو البناء المذكور وانهم لاحظوا من خلال تصرفاته انه مجنون، حيث يقوم بجمع القمامة من الشوارع والحاويات واحضارها الى القبو وكان يقوم بتمزيق أكياس الورق والنايلون ويضعها في غرفة الصرف الصحي ما ادى الى انسدادها..
حرصاً عليه
وانبعاث الروائح الكريهة كما أكد لنا الجوار بسبب ان ولده أيمن المقيم معه بالقبو نفسه كان يعمد منذ عدة أشهر الى اقفال باب القبو من الخارج على والده عند خروجه بقصد العمل نتيجة تصرفاته غير الطبيعية وغير المتزنة، وحرصاً عليه من الشوارع والعبث بالحاويات وجمع القمامة وتناول الأطعمة من بقايا الشوارع والفضلات ليس أكثر..
الولد
وحرصاً منا على معرفة رأي ابنه أيمن بما حدث وما هي الأسباب والدواعي اللازمة لقفل القبو قبل خروجه أفادنا قائلاً:
أنا أعمل في معمل جوارب في المنطقة الصناعية في دمشق وعمري 34 سنة وقد تبين لنا أثناء الحديث معه انه كذلك يعاني أعراضاً نفسية هو الآخر وغير متزن أيضاً وعلاقتي مع والدي جيدة وإننا نقيم معاً في هذا القبو منذ حوالي أربع سنوات ونتيجة تصرفات والدي المسيئة للجوار كنت أعمد منذ أربعة أشهر الى اقفال باب القبو الحديدي من الخارج كي اذهب الى عملي كي اؤمن له كل مستلزماته من طعام وشراب وكل شيء..
للمحافظة عليه
حرصاً عليه من السيارات في الشوارع وحتى لا يسخر منه احد كونه مريضاً أو قد يذهب الى أي مكان لا يعرفه ولا يعرف ان يعود أقوم بذلك حرصاً عليه واذا لم افعل هكذا كيف لي ان استطيع ان اعيش وان اوفر كل ما يحتاجه والدي وأنا.. فانا لا املك سوى أجرة يومي فإذا لم أعمل لا استطيع ان آكل ولا استطيع ان اقدم لوالدي شيئاً فهو يحتاج للدواء والطعام والشراب واللباس.. وانا اعاني من ضيق المكان وقذارته مثله ولكن ماذا افعل ما باليد حيله..
غير ان والدي كان يرفض الأكل والشرب إلا قليلا وانه يرفض ان يستحم ولم يحلق شعره ولحيته منذ حوالي أربعة أشهر كونه يرفض ان يقترب منه أحد وأضاف: اتمنى ان يكون والدي بأحسن حال ولكن ماذا أفعل حالي ليس احسن حالاً منه.. وهذا واقعي واننا نعيش معاً في هذا المكان وليس لي مكان أحسن حتى أبقي والدي هنا.
مفاجأة سارة
ومن خلال الحديث مع الجوار بعد عدة جولات قيل لنا ان وزارة الداخلية تتابع وضع موفق الأغواني فاتصلنا بقائد شرطة ريف دمشق العميد أحمد سليمان حربا الذي افادنا انه فعلاً تمت مخاطبة المحامي العام في ريف دمشق بالكتاب رقم 12039 تاريخ 18/12/2007 مطالبين الموافقة على ارسال المدعو موفق الأغواني الى مشفى ابن سينا للأمراض النفسية والعقلية لتشخيص حالته الصحية والنفسية والعقلية ووردنا الجواب بالموافقة، حيث تم ارسال المذكور الى مشفى ابن سينا ومن خلال فحصه جسدياً وتشخيص حالته النفسية والعقلية تبين انه مصاب بمرض انفصام مزمن وقررت ادارة المشفى استلامه وقبوله لديها وتم تسليمه اليها أصولاً..
كلمة حق
للأمانة نقول اننا نتابع وضع المواطن موفق الأغواني منذ شهور حتى استطعنا الالتقاء بجميع الأطراف، من المريض ذاته وشقيقه وابنه والجوار وقد ذهبنا أكثر من مرة الى كفربطنا حتى استطعنا ان نصل الى الصورة المتكاملة واننا أخرنا نشر هذا الموضوع بعد أن علمنا ان وزارة الداخلية تعمل ضمن الأقنية القانونية لتحويل المريض المذكور الى مشفى متخصص بحالته..
يذكر ان صحيفتنا قد عرضت وضع الأغواني من الناحية الانسانية في صفحة التحقيقات بالعدد رقم 9905 تاريخ 21/6/2007 مطالبة جمعية البر الخيرية بذات المنطقة قبوله ولكن لم يتم ذلك، لذا كان لزاماً علينا ان نتابع حالته وظروفه الى أن علمنا ان وزارة الداخلية قد امنت على المذكور في مشفى ابن سينا المتخصص بهذه الحالات..
نسجل لوزارة الداخلية سرعة التحرك والمعالجة والتوجه الى مشفى ابن سينا التخصصي لمعالجة هذا المريض والتخفيف عنه وعن ولده وعن الجوار..
سوري كان يعيش في غرفة الصرف الصحي للبناية.. الابن: كنت أغلق عليه الباب خوفاً عليه

تشرين السورية
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية