تفاصيل "الحرب" على آثار حمص.. حرق تدمير

يقال إن المصائب لا تأتي فرادى، وهذا القول له ما يؤيده في الواقع، من خلال ما حفلت به دنيا الناس من محن وابتلاءات، وليس ما يجري في سورية في الفترة الراهنة من المجازر والجرائم المهولة، هو آخر ما يمكن لأبناء هذا البلد أن يتلقوه في ظل العجز العربي والعالمي الذي يسِمُ هذه الفترة من التاريخ المعاصر.
ولئن كان ما يجري في سورية يفوق التوقعات والتصوّرات، ويظهر في الوقت نفسه مقدار الحقد الأعمى، الذي امتلأت به قلوب أرباب هذا النظام وجنده، من جيش بغيض، وميلشيات احترفت شتى أنواع الإرهاب، فإن ما تخبّؤه الأيام من ويلات، لن يقل قسوة وبشاعة وقتامة عن جرى في الفترة التي نافت على خمسة عشر شهراً، إن بقي العالم في عجزه وقلة حيلته.
إلا أن ما يلفت الانتباه ويثير الاستغراب بل والاشمئزاز، هو أن تترافق هذه الحملات العسكرية المأفونة على البشر، بالهجوم والقضاء على تراث وتاريخ وآثار هذا البلد الذي يعدّ مهد الحضارات، وكتاب التاريخ المنظور الذي يحكي لزواره أخبار كل من عاش على هذه الأرض المباركة منذ فجر التاريخ.
حمص عاصمة الثورة السورية والتي نالت النصيب الأكبر من الدمار، وقدمت آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، باتت في خطر الاندثار والزوال، والقسم القديم منها على وجه الخصوص، فقد صبّ عليها مجرمو الإنسانية جام غضبهم، وأرادوا أن ينتقموا من كل شي فيها، البشر والشجر والحجر، وان يتركوها أثراً بعد عين.
ومع يقيننا بأن إرادة الشعوب هي المنتصرة، فإن استمرار أعمال القصف والتخريب التي يقوم بها جيش النظام السوري الجائر، ليؤذن بمأساة تاريخية حضارية كبيرة، تنضاف إلى المآسي التي شملت هذه المدينة بمناطقها كافة.


لا ريب إن مصيبتنا وخسارتنا في إراقة دم أبناء حمص هي أفظع وأكبر جرماً، إلا أن الخسارة المتمثلة في دمار واندثار معالم حمص القديمة، هو أمر جلل وخطير لأنه يمسّ حضارة امتدت لقرون طويلة.
لقد بات من المعلوم بالضرورة في هذه المرحلة الحرجة في تاريخ سورية الحديث، أن النظام الحاكم في سورية لن يتوانَ عن فعل أي شيء في سبيل بقائه والاستمرار في الحكم، والقضاء على هذه الثورة التي عمّت البلاد، بل لقد كانت التوجيهات من القيادات العليا في النظام لجنوده، بأن كل شي مسموح لهم فعله، أما الممنوع فقط فهو سقوط النظام، فلهم أن يقتلوا ويسرقوا ويحرقوا ويعتقلوا ويدمّروا، فكل شي في الحرب مباح، وبالفعل فقد كان جنود هذا النظام أوفياء له ولرأسه، الذي صرّح في هزليته الأخيرة في مجلس المصفقين أن الحرب ماضية حتى يتم استئصال العناصر المخربة في هذا البلد على حدّ تعبيره، فهو كالطبيب الذي له أن يستأصل ويجرح ويبتر حتى ينقذ الجسد من الهلاك.

إذن هي حرب بلا هوادة، ولا بأس باستمرار نزيف الدماء ودمار المدن وخراب الحضارات، ليستمر في حكمه، حتى ولو كان مبنياً على جثث وأشلاء الآلاف من أبناء هذه الوطن.
وحتى تاريخ كتابة هذه السطور فإن آلة الحرب العسكرية ما زالت تدكّ مدينة حمص القديمة، وأصوات القذائف والصواريخ التي تنهمر –دون أية مبالغة- تصمّ الآذان، في تحدٍّ سافر ووقح للخطة الدولية الميتة منذ الولادة، والتي أعلن النظام التزامه بها، ولكنه لم ينفّذ أيّ بند من نقاطها الستّ.
لست بصدد كتابة تحليل سياسي أو تكوين قراءة عما أراه في مستقبل الأيام، وإنما أحاول أن ألفت الانتباه إلى هذه الخسارة التي حلت بحمص، حين شارفت على دمار القسم القديم منها، وبالتالي فقدان جزء كبير من حضارتها، بعد أن فقدت مئات بل آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين من أهلها الصامدين.
ولئن بات من المتعذر على أيّ أحد أن يجول في مدينة حمص، ليرى بأم عينه مدى الخراب الذي حلّ بها، فإن الصّوَر والفيديوهات التي وثقت الحال التي آلت إليها هذه المدينة، لتجعل رائيها يقف متحسّراً متألماً لهول ما يراه ويشاهده، وهو ما توضّحه إحصائية أولية قام بها أحد الإخوة المهتمين والباحثين في تاريخ مدينة حمص، عن الأضرار التي لحقت بأهم الأبنية والمناطق الأثرية في مدينة حمص فقط (ملحق بآخر المقال يوضع كحاشية).

إن هذه النظام المجرم الذي لم يتوانَ عن ذبح الأطفال والنساء، وحرق القرى والمدن بمن فيها، لن يتردد في قصف بناء قديم او مَعلمٍ أثريّ أكل الدهر عليه وشرب، ولن نتوقع أن نجد في من خلا قلبه من أي معنى للإنسانية، أن يتوقف عن هدم وإتلاف هذه الأحجار والآثار.
ولئن استهجن أحد الشعراء يوماً على من امتدت يده لبعض الآثار مخرباً وقال له:
أتتلفها شُلّْتْ يمينك خلِّها   لمعتبر أو زائر أو مُسائلِ
منازل قوم حدثتنا حديثهم  ولم أرَ أحلى من حديث المنازلِ
فإن كلمات اللغات كلها لا تكفي ولا تفي في استهجان جرم من شرب من دم شعبه، وعاث في بلاده الفساد، وسعى في طمس معالمها وتاريخها وحضارتها.
ولأنه مبعث فخرها واعتزازها، فإن الكثير من الأمم أخذت على عاتقها البحث في تراثها وتراث أجدادها، للبناء عليه ولربط حاضرها بماضيها.
وقد نما لعلمي منذ فترة أن القائمين على لجنة تراث حمص يحاولون جاهدين في هذه الفترة بإحصاء الأضرار الناجمة بالمعالم الأثرية، ومقارنتها بالحال التي كانت عليها، ومن ثم عرضها على بعض الخبراء العالِمين المختصين بأعمال الترميم.

وهذا – إن صحّ وأرجو أن يكون كذلك- أمر تشكر عليه هذه اللجنة، وجميع من يقوم بهذا الواجب الوطني والأدبي والأخلاقي، فجميعنا مطالبون بالعمل على إعادة إعمار هذا المدينة العظيمة، كل وفق استطاعته واختصاصه العلمي، ونحن بحمد الله نمتلك ما يحسدنا عليه دول العالم، من إرث حضاري وتاريخي.
إن هذا التراث في عُرْف الأمم لا يخصّ أمة من الأمم بعينها، إنما هو ملك الإنسانية جمعاء.

وبعد.. فإن تراث حمص وآثارها وحجارتها السود، أمانة في أعناقنا، ففيها العظة لمن أراد الاعتبار، وفيها الذكرى لمن أراد الاستذكار، وهي المرآة التي نرى بها أنفسنا، إنها التي تشهد لشعبها بعراقته وأصالته وطيب عنصره، إنها عِرْضه، وشرفه المصون، قال عباس محمود العقاد رحمه الله تعالى: "التاريخُ.. عِرْض الأمّة"، ومن الواجب علينا أن نتكاتف بعد انتصار هذه الثورة المباركة، لنبني ما دمّرته يد الغدر والإجرام، ونعيد لهذه المدينة رونقها وبهاءها، لترجع كما كانت جميلة متألقة بأبنائها الأحياء، مضمّخة بالطِّيب والعِطْر الذي ينبعث من أرضها الحافلة بالشهداء والأولياء.

المواقع الأثرية التي تعرضت للضرر



•       جامع كعب الأحبار
الحقبة التاريخية : العهد الأيوبي
الضرر : تدمير المآذنة الآثرية
المكان : باب الدريب
تتميز المئذنة بأنها من الحجر البازلتي المثبت بعضه بالطين والكلس وتنتهي
المئذنة بقبة بشكل مخروطي تنتهي بهلال.

•       مسجد ذي الكلاع الحميري
الحقبة التاريخية : العهد المملوكي
الضرر : ضرر في باحة المسجد و حرمه نتيجة القصف
المكان : بستان الديوان
مسجد يعود للفترة المملوكية وهو عبارة باحة صغيرة مرصوفة بالحجر البازلتي
في قسمها الشرقي يوجد الحرم .

•       الأسواق الآثرية
1.      سوق النوري (المسقوف) :
الحقبة التاريخية : العهد الأيوبي
الضرر : تضرر في العديد من محلات السوق و احتراقها و تهدمها نتيجة القصف
العنيف و المتعمد عليها بالهاون .
المكان : الأسواق الآثرية
يعود بناء السوق النوري المعروف بين العامة بالسوق المسقوف و هو الملاصق
للجامع النوري الكبير إلى العهد الأيوبي يعتبر من أهم الأسواق في مدينة
حمص كما أنه من جزء أساسي من آثار مدينة حمص .
2.      سوق القيسرية ( القيصرية ) :
الحقبة التاريخية : العهد الأيوبي و أوائل العهد المملوكي
الضرر : حرق العديد من المحلات و أجزاء السوق نتيجة القصف
المكان : الأسواق الآثرية
ينقسم هذه السوق إلى ثلاثة أقسام الأول منه يعود على الفترة الأيوبية و
الثاني إلى العهد العثماني الأول أي إلى العام 1600م
•       جامع الشيخ كامل
الحقبة التاريخية : العهد المملوكي
الضرر : باحة المسجد
المكان : بستان الديوان
مسجد يعود فترة بناءه إلى ستمائة سنة على الأقل, مساحته 869 متر مربع وهو
مسجل لدى دائرة الآثار السورية على أنه من المباني الأثرية و التاريخية
•       مسجد عكاشة
الحقبة التاريخية : العهد المملوكي
الضرر : إصابة المآذنة الآثرية
المكان : باب تدمر
مسجد مبني في الفترة المملوكية ذكر في يوميات الشيخ عبد الغني النابلسي
1693م. اسمه على اسم الصحابي الجليل "عكاشة بن المحصن" الذي يقال أن
المقام الموجود في المسجد عائدٌ له .
و المسجد مسجل في دائرة آثار حمص على انه من المباني الآثرية و التاريخية.
•       مسجد وحشي وثوبان
الحقبة التاريخية : العهد المملوكي
الضرر : إصابة المآذنة الآثرية
المكان : باب الدريب
بناء المسجد يعود للفترة المملوكية وفيه ضريح الصحابيان الجليلان وحشي و
ثوبان رضي الله عنهما و هو مصنف من قبل دائرة آثار حمص من ضمن الأبنية
الدينية الآثرية .

•       مسجد أبي ذر الغفاري

الحقبة التاريخية : العهد العثماني
الضرر : إصابة المآذنة التاريخية و قبة المسجد نتيجة القصف
المكان : باب تدمر
المسجد يعود إلى الفترة العثمانية بناؤه من الحجر و اللبن و هو عبارة عن
فسحة سماوية فيه حرم للصلاة و غرفة كانت تستخدم للتدريس .

•       منزل آل النجار
الحقبة التاريخية : العهد المملوكي
الضرر : في باحة الدار
المكان : باب تدمر
يعود بناؤه إلى القرن التاسع الهجري , يتكون من قسمين شرقي و غربي
فالشرقي بناؤه من حجر بازلتي مع حجارة بيضاء متناوبة مع وجود باحة و يعلو
هذا القسم طابق مع إيوان فيه قاعتين , أما الغربي يتألف من طابق فوقه
غرفة و تحته قبو .

•       جامع عمر النبهان
الحقبة التاريخية : العهد المملوكي
الضرر : ضرر في باحة المسجد و جدرانه البازلتية نتيجة القصف
المكان : باب الدريب
تعود فترة بنائه إلى سبعمائة عام حيث بني في الفترة المملوكية سنة 1327م
مساحته 128متر مربع , مبني من الحجر البازلتي الأسود و هو عبارة عن فسحة
سماوية بها مصلى و بئر ماء .


مالك الحمصي - زمان االوصل
(121)    هل أعجبتك المقالة (136)

حمص عاصمة الثورة

2012-06-11

شلت ايديكم ؟؟والله سننتقم من كل واحد خرب هذه المدينة ودمرها ..لنا الله وحده.


حمصي عتيق

2012-06-11

ماذا أصاب العلويين؟؟ انهم العمود الفقري للنظام ... و كل فترة نجد منهم شرفاء مثل بعض ضباط اللواء ٧٢ ؟؟ لكن ما زالت الأغلبية الساحقة تريد دعس رقاب الشعب؟؟ أين التتر؟ أين الصليبيون؟؟ لقد ذكر التاريخ أن نصارى بلاد الشام وقفوا الى جانب المسلمين ضد الفرنجة.. كم كنيسة دمر مسلمي الشام في التاريخ ؟؟ ألم يرفض عبقري الاسلام عمر أن يصلي داخل كنيسة القدس خوفا من أن يأتي من بعده من يقول هنا صلى عمر و يخرب الكنيسة ليقيم مكانها مسجدا؟؟ أيها العلويون العقلاء أنقذوا البلاد و لاتتركوا سفاحا معتمدا على الفرس المجوس أن يدمر الشام.


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي