أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

وحدة المعارضة السورية و ما يتصل بذلك . الحلقة الأولى ... ملهم الكواكبي

.
مقدمة :
- بتاريخ 4/2/2012 سمعت العقيد رياض أسعد ( قائد جيش سوريا الحر) يوجه على إحدى الشاشات الفضائية انتقادات حاده للمجلس الوطني السوري متهما اياه بالفشل و التقصير الشديد في اداء مسؤولياته تجاه ثورة الشعب السوري . و بلغ النقد حد التهديد بسقوط أهلية المجلس و شرعيته لتمثيل الانتفاضة السورية .
كما تكررت بعد هذا تصريحات و خلافات شتى لتزيد ملاحظات هذا المقال تأكيدا .
و قد أحدثت هذه التصريحات لدي نوعا من الصدمة التي أعتقد أنه استشعرها كثيرون . ليس بسبب خلوها من الصدق و الجديه لأنها كانت أكثر من واضحه و مفهومه . بل بسبب ظهورها للعلن على نحو ربما يساء فهمه أو استغلاله . خصوصا أنها توحي أن مشكلات المعارضة السورية أصبحت متعذرة الحل بوسائل تليق بدماء الشعب السوري و ثورته من أجل الحرية و الكرامة !.

- على أن ظهور التصريحات للعلن هو مجرد جانب عرضي للمشكلة . أما أصل المشكلة فهو يتمثل في عجز السياسيين أو تخلفهم عن إجتراح طريقة صالحة لمواجهة المشكلات و الاختلافات التي تواجه الثورة على وجه يليق بأهدافها و تضحياتها . و أعتقد أن هذا الجانب أكثر مدعاة للجدية و المعالجة المسؤولة . خصوصا أنه يطال كثيرا من المشكلات العالقة أو المسكوت عنها , من ثم فإن هذه السطور لا تتجه بالرد على مظهر عرضي للمشكلة ( أي ظهورها للعلن ) بل يمكن القول أن تصريحات العقيد كسرت حاجز الرهبة أو المحرم عن كثير من المشكلات التي كانت و ما تزال تنتظر البحث و المعالجة . و أنا هنا لا أفترض على وجه الإطلاق وجوب افتعال حلول جاهزة أو سحرية لهذه المشكلات كشرط مسبق لنجاح الثورة السورية و تحقيق أهدافها . بل إن الصحيح هو عكس هذا تماما من وجهة نظري . و هو أهم ما يشرف الثورة و يحقق صدقيتها . و أعني به إطلاق طريقة صائبة و شفافة ( و ربما غير مسبوقة ) في عرض المشكلات على الملأ و تداول طريقة حلها على وحه يحقق احترام الأعداء و الأصدقاء لأنه يحترم عقل الجمهور و يجعله شريكا حقيقيا في مواجهة مشكلاته و تغيير أوضاعه بعيدا عن أكاذيب الوصاية و الأجوبة النهائية , و ربما العنعنات الشخصية و الفئوية !!
و الواقع أن ثورة المواطنة و الحرية و الكرامة ليست في جوهرها الا استجابة لكسر طوق الوصاية و ضيق الوسائل و الطرائق التي أغلقت أبواب التطور و شكلت أساس الطغيان . بالتالي فإن غاية ما تنشده الثورة ليس ادعاء حقائق مطلقة بل تحقيق طرائق صالحة لتنمية الشرط البشري و مواجهة مشكلاته في فضاء يصون كرامته الانسانية . عندئذ ربما يكون تحقيق هذه العملية في العلن و أمام الناس جميعا جزءا لا يتجزأ من صدقية الثورة و نجاعتها لمواجهة أزمات مجتمعنا , و ليس جزءا من هذه الأزمه و تداعياتها الوخيمة !
- بناء على هذا أستطيع الجزم أن إكثار البعض من المحرمات و الخطوط الحمر التي تحجب المشكلات الحقيقية بحجة التطهرية أو الدفاع عن الثورة . في نفس الوقت عدم تواني هؤلاء عن إصدار الأحكام الجاهزة و الحلول السحرية التي تدعي احتكار الثورة , كل هذا يشكل سببا حقيقيا لتفاقم المشكلات التي تعيق انتصارها . و غالبا ما تطعن قضيتها و تسوقها للهلاك جريا على ما تعرضت له للأسف كثير من القضايا الكبرى المماثلة في تاريخنا الحديث على الأقل !!!
ماذا تعني وحدة المعارضة :
- بناء عليه وجدت لزاما التعامل مع تصريحات العقيد رياض و ما أعقبها من هذه الزاوية . و السير معها للنهاية التي تليق بمأثرة الثورة السورية و أهدافها . عندئذ سوف تبدو المشكلة التي أوضحها العقيد مجرد واحدة من مشكلات كثيرة . و بعضها سبق انفجار الثورة السورية ولم توضع في نطاق المعالجة المسؤولة التي تشكل تحضيرا للثورة و عونا لها . كما أن بعضها الآخر ظهر في سياق الثورة كنتيجة لتعقيدات الوضع السوري و لم توضع في نطاق المعالجة السليمة أيضا . ناهيك عن سلة أخرى من المشكلات و التحديات التي تنتظر الثورة أو تعقب انتصارها , و قد بدأت تطل برأسها بالفعل !؟
ولا شك أن المقال لا يدعي أو يتنطح لبحث هذه المشكلات جميعا . بل إن جل غايته تحقيق طريقة سليمة لمواجهتها على نحو يليق بأهداف الثورة السورية و تجنيبها الأخطار و الأفخاخ المختلفة .
- و بما أن كتابة المقال تتزامن مع تطورات إقليمية و دولية متسارعة تخص الوضع السوري . لهذا أجد لزاما ملامسة أهم المشكلات التي تؤثر سلبا أو إيجابا في التعامل مع هذه التطورات و التأثير في مسار الثورة . و هي وحدة المعارضة أو عدمها .
من هذه الزاوية يخطئ من يظن أن أهم ما يشغلنا هو اللهاث لتوحيد المعارضة بأي ثمن أو جعلها صنما يقابل أصنام السلطة . و يخطئ من يظن أن لدينا أية أوهام لإحاطة المعارضة بالوحدة و القداسة التي تتجاهل فروقها و تناقضاتها , و ربما عيوبها أيضا .
و الواقع أن المعارضة على اختلاف اتجاهاتها و قوالبها تحمل الكثير من المشكلات و الملفات التي لم تواجهها قط . و غالبا ما سوف تواجه مشكلات جديدة أيضا . و سوف تظهر في مواجهتها ( معارضات ) جديدة تجعلها أكثر حرجا و تأرجحا . و ربما يتعرض جزء كبير منها للإندثار و تصبح من الماضي ما لم تحقق تحولات جوهرية لتبديل صورتها و وظيفتها من أساسها . خصوصا أنها تواجه أزمنة و أجيالا قادمة تمثل محكا فاصلا لتقرير مصيرها و مصير المشكلات التي واجهتها أو لم تواجهها على السواء !!
لهذا نحن لا نبحث وحدة المعارضة من حيث النفع الذي تكسبه من جراء ذلك ( و نحن نتمنى لها هذا النفع حقا ) لكننا نبحث وحدتها من زاوية أوسع تخص النفع الذي يصيب عموم الشعب السوري و ثورته , مقابل الضرر الذي يصيبه أضعافا مضاعفة جراء انقسامها و تشرذمها .
آية هذا أن المعارضة ليست هي الأصل . بل هي فرع من أصل و ينبغي أن تنضبط بأهدافه و أولوياته . و هذا الأصل يتمثل في كيان المجتمع و ثورته لأجل الحرية و الكرامة و الديمقراطية . و هذه الثورة تتألف من أمرين معا : الأول هو تضحيات الجماهير الثائرة على الأرض . و الثاني هو السياسة التي تتبعها المعارضة لإنجاح الثورة و تحقيق أهدافها . عليه يتعين لكل من هذين الجانبين أن يتبع قواعده الخاصة و يجترح أفضل ما لديه ليكون عونا للجانب الأخر و مصدرا لإغنائه , و ليس عبأ عليه أو وسيلة لابتزازه أو اللهاث ورائه !
ولئن كانت تضحيات الثوار و دماؤهم أكثر ما تكون ترفعا عن هذا المحذور . لأنها تمثل قيمة بذاتها . و هي ليست محطا لأي اشتراط يتعدى قيمة الدم الذي تبذله من أجل الحرية . فإن العمل السياسي لا يملك هذه ( البراءة ) مجانا بل لابد من تحقيق متطلباتها . و غالبا ما يحتاج لأفكار و مبادرات غير مسبوقة للتعامل مع أوضاع معقدة كالتي تميز الوضع السوري . و توجيه الثورة ضمن أكثر الخيارات أمنا و أقلها أكلافا . و هذه المسؤولية تقع على عاتق المعارضة بكامل أطيافها الداخلية و الخارجية , الحزبية و غير الحزبية .. الخ . مما يقتضي أن تكف أولا بأول عن اتباع العادات التي ألفتها طويلا في تفصيل الواقع على قياس قوالبها و حساباتها الضيقة , و ربما أوهامها أيضا. خصوصا أن المعارضة ليست إلا جزء يسير من كيان الثورة و المجتمع . بل هي جزء يسير فقط من جناحها السياسي لأنه يتسع لملايين المواطنين و القوى الحية في مجتمعنا . عليه فإن فرصة المعارضة لتحقيق مستقبل و دور يليق بها منوطة بفهم حجمها و دورها السياسي في مجمل هذا المشهد . عندئذ ربما تستحق أن تتبوأ مكانتها و قيمتها الرمزية في قيادة هذه العملية أيضا !
القيمة الرمزية و الإعتبارية :
- و الواقع أننا لا نشير عبثا لأهمية القيمة الرمزية و الإعتبارية لقيادة الشعوب و تحقيق التحولات التاريخية . ولا ينبغي لأحد أن يستخفن بهذه القيمة لأنها رافقت أبرز التحولات و كانت جزءا لا يتجزأ من قوة اندفاعها و الظفر بأهدافها . ولا أدل على هذا من أسماء بارزة مثل جورج واشنطن و ابراهام لينكولن و لينين و ماو و غاندي و سعد زغلول و مانديلا .. الخ . و هذه الأسماء تقابلها بلا شك عشرات الهيئات و الجماعات الاعتبارية التي حققت نفس المناقب و القيمة الرمزية في قيادة شعوبها و تحقيق أهدافها !
على أن هذه القيمة الرمزية ليست منحة أو حق سماوي تفتعله المعارضة أو تنسبه لنفسها مجانا . بل هي حق يعود للشعوب أولا و أخيرا . و ينبغي أن تحسن المعارضة تأديته و تحقيق مستلزماته تحت طائلة الخراب . و سوف أبين أن تعقيدات الوضع السوري , خصوصا طبيعة ثورته غير المسبوقة للإنتقال من الإستبداد و العبودية و الإنقسامات العمودية إلى مجتمع الحرية و المواطنة و الدولة المدنية الحديثة . بما في هذا تجسيد القواعد و التقاليد التي تمنع الانقلاب على هذه الأهداف مستقبلا . أقول أن كل هذا يجعل المعارضة أحوج ما تكون لإبداع هيئة أو إطار سياسي لا يكتفي بالإعتماد على كارزمية أصحابه و مناقبهم و قيمتهم الرمزية فقط , بل يستمد هذه القيمة أولا و أخيرا من كارزمية وظيفته و الأمثولة التي يحققها لاستجماع طاقات شعبه و شرائحه على اختلافها . مع إدارة فروقها و اختلافاتها جميعا على قواعد تصون فرادتها دون التفريط بعملية التحول التاريخي و أهدافها المرجوة .!
و لا شك أن نجاح هذه العملية و تحقيق قيمتها الرمزية , ليس مجرد اجراءات تنظيمية أو إدارية جوفاء . و ليس قرارات مرتجلة أو هيئات و مجالس مفتعلة هنا و هناك . بل هي تشترط أولا بأول التبرؤ من منظومة العادات الفاسدة و الإملاءات الجاهزة التي صاحبت العمل الحزبي و السياسي . و أهم من هذا ضبط الإطار السياسي و فرقائه جميعا على إيقاع قيمة عمومية و عهد اجتماعي لصون القيمة البشرية و حقوق الإنسان و المواطنة على وجه يحقق لها الصدارة على جميع الإهداف و الأولويات بما فيها فروق العقائد و الحقائق و الخصوصيات الدينية و القومية و العرقية و غيرها !
- غاية القول إن كسب المعرضة لقيمتها الرمزية و الاعتبارية , ليس منوطا بامتلاكها أجوبة جاهزة و أسرار و حقائق نهائية . و هي ليست حقا إلهيا أو ملكا تتوارثه المعارضة أو تورثه . بل هي دور و مسؤولية و طرائق تجترحها لتوجيه النشاط العمومي . و هي أشبه بضابط إيقاع يرعى فروقه جميعا و توجيهها في مجرى الهدف التاريخي . و هي تعني ترسيخ قواعد صالحة لإدارة الفروق و الإختلافات الحقيقية , بدءا من صفوف المعارضة بالذات على وجه يحقق صدقيتها و يقدم جديدا لشعوبها و ليس الفرار أمام المشكلات أو إطلاق الأحكام الجاهزة و تبرير الإنقسامات أو التفاهمات الوقتية التي تخفي عشرات الألغام و تطعن الصدقية في الصميم . و هذا ما عبر عنه دوبريه بالقول " إن الطليعة الحقيقية ليس لها اسم أو ألقاب فخمة . و هي ليست بين السادة المدعويين للإحتفالات الفاخرة . بل هي أشبه بأعمال التاريخ التي غالبا ما تتسلل للبهو من بوابة الخدم حاملة شيئا جديدا لصالح الحياة . و إن وظيفتها الحقيقية هي فضح التفاهمات الكاذبة التي توحد الطغاة , و كشف التناقضات الزائفة التي تمنع توحيد المقهورين " !
... ولا شك أننا في كل هذا لا نتحدث عن المعارضة من ناحية الموضوعات التي قد تتفق أو تختلف عليها . بل نتحدث عن المعارضة بحد ذاتها . أي عن شرطها البشري و طرائقها و عاداتها التي تليق أو لا تليق بشعارها الديمقراطي .و خصوصا تماشيها أو عدم تماشيها مع قضية الشعب السوري و ثورته من أجل الحرية و الكرامة و الديمقراطية !
و أعتقد أن هذا (الشرط البشري ) غالبا ما كان مسكوتا عنه و محجوبا وراء جبال العقائد و الشعارات , و ربما الأوهام و عادات التفكير التي طالما أفسدت العمل السياسي . لهذا آمل ألا يلومن أحد بعض التجريد الضروري الذي يصاحب قضية ليست مطروقة من قبل . خصوصا إذا ما أردنا النأي بها عن مهاترات الأمثلة الشخصية و الحوادث الجزئية التي تخرج عن هدفنا الحقيقي !


أواسط شباط فبراير 2012.

(103)    هل أعجبتك المقالة (99)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي