أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أين درة المدن العربية في قمة بغداد؟... رشيد شاهين

..
انفضت قمة بغداد باهتة بالطريقة ذاتها التي انعقدت بها، ولا مبالغة عندما يردد المواطن العادي ان هذه القمة ربما كانت الأقل لفتا للانتباه منذ عقود، ويستذكر البعض كيف كانت القمم العرب في بعض المراحل من تاريخها، تعتبر حدثا بارزا مهما، يلفت انتباه ليس فقط المواطن العربي، وإنما حتى الدول الكبرى، ناهيك عن الصغرى، وبرغم أن ما كان يصدر عنها في الأغلب لا يسر الخاطر، وخاصة عندما أصبحت أداة من اجل شرعنة العدوان على الدول العربية، والتي ابتدأت على يد المخلوع حسني مبارك، عندما عقد القمة العربية على عجل من اجل شرعنة العدوان على العراق بحجة الدفاع عن الكويت.

قد تكون قمة بغداد مهمة بالنسبة لحكام العراق،لا بل كانت مطلبا رئيسا وهاما وملحا جدا بالنسبة لهؤلاء، الذين يعلمون تماما انهم بالنسبة لشعب العراق ولغالبية كبرى من الشعوب العربية لا يملكون الشرعية، وانهم كانوا وما زالوا أدوات في أيدي أسيادهم في الشرق والغرب، وان تاريخهم مشبوه واعمالهم معروفة ضد عراقهم وشعبهم، وان هذا التاريخ المشبوه سيظل في ذهنية المواطن العراقي والعربي مهما حاول هؤلاء التنصل منه، ومهما حاولوا تلميع ذواتهم، أو ممارسة سياسة المخادعة واللف والدوران التي أصبحت مكشوفة تماما.

كنا قد اشرنا إلى قمة بغداد قبل انعقادها، وانها لن تخرج بشيء مميز أو مختلف عما خرجت به العديد من القمم، وان أقصى ما يمكن ان ينبثق عنها هو شرعنة الحكومة التي تجثم على صدر العراق، والتي أتت من خلال غزو أمريكي دمر البلاد واهلك العباد، وكان هؤلاء جنود ضمن فيالق الغزو ضد أبناء جلدتهم، وشاركوا في كل الموبقات التي مورست على مدار سموات ما بعد الاحتلال.

المواضيع التي حفل بها جدول أعمال القمة كانت عديدة، والتي كان من أبرزها الملف الفلسطيني والسوري والملف النووي الإيراني، فماذا كانت النتيجة بالنسبة لهذه الملفات التي تم التطرق لها ومناقشتها،

من الواضح ان شيئا جديدا عمليا لم يبرز إلى السطح بعد انفضاض القمة، حيث كانت القرارات باهته يمكن لأي مراقب ان يلحظها، وحيث ان الموضوع السوري يعتبر موضوعا إشكاليا بالنسبة للدول العربية، فانه لم يتم التعامل معه خارج ما كان مطروحا قبل انعقاد القمة، ولم تقدم القرارات التي تم إصدارها أية إشارات يمكن ان تؤدي إلى توقف شلال الدم في هذا البلد العزيز. وقد تم اعتماد "مبادرة" كوفي أنان التي ينظر إليها الكثير من المراقبين، على انها غير ممكنة التحقيق في ظل نظام يرفض منذ أشهر سحب قواته من الشوارع، وهذا ما كانت نصت عليه المبادرة العربية، هذا عدا عن ان مبادرة أنان تعتبر عامة وغير محددة المعالم وموسعة وصعبة التطبيق، كما وتأخذ كثيرا من الوقت، هذا الوقت الذي يعني المزيد من أرواح السوريين.

وقد كان لافتا الموقف العراقي "الغريب والمستغرب" في تركيزه على رفضه للتدخل الأجنبي في سوريا، برغم اننا لسنا مع أي تدخل غربي أو شرقي في أي من الدول العربية، مع العلم ان من يقومون على حكم العراق، لم يكن لهم ان يكونوا ليس حكاما للعراق، لا بل لم يكن لهم ان يتواجدوا في ارض العراق أصلا، ولكانوا لا زالوا في مقراتهم في طهران وواشنطن ولندن وغيرها، يحيكون المؤامرات ضد وطنهم وشعبهم لولا التدخل الأجنبي وحملهم في دبابات الغزو المعادية ووضعهم على رأس السلطة في بغداد.

أما الموضوع الفلسطيني الذي يعتبر الموضوع القديم الجديد الذي يتم طرحه في كل قمة منذ تأسيس الجامعة العربية، والذي كما قال الأمين العام للجامعة الموضوع الذي سيظل على طاولة البحث في كل القمم ريثما تحل المسال الفلسطينية، فهو أصبح يناقش بشكل روتيني يفتقر إلى الجدية، وصار الموضوع الأهم في نقاشه هو قضية الدعم المالي، حيث أصبح واضحا ان المنظومة العربية تفتقر إلى الحد الأدنى من القدرة على إيجاد حل لهذه القضية، التي تسببت بها في الواقع أنظمة الخنوع والردة العربية.

وقد كان "ابرز" ما صدر عن قمة بغداد هو ما تم إعلانه عن تبرع دولة الجزائر بمبلغ لا يصل إلى 30 مليون دولار، وهو قرار لا علاقة له بالقمة بل قرار فردي اتخذته الجزائر مشكورة، كما صدر قرار عن القمة، يتعهد بقيام الدول العربية دفع 100 مليون دولار في حالة إقدام إسرائيل على عدم تسديد فاتورة الضرائب المستحقة للفلسطينيين.

القرار العربي حول الموضوع الفلسطيني، فيه من الإشارات ما يكفي ويزيد على العجز العربي وعدم الجدية، إذ انه يعني فيما يعني ان لا دعم عربي للفلسطينيين، إلا إذا لم تدفع إسرائيل الضرائب المستحقة للفلسطينيين، علما بان التجربة أثبتت ان الدول العربية لم تلتزم أبدا فيما تعهدت من دعم "مالي" للفلسطينيين، وبرغم ان القرار قد يشجع إسرائيل على حجز الأموال، إلا انه ثبت بالملموس ان دفع هذه الأموال وبحسب كل التحليلات والتقديرات الإسرائيلية والأمريكية، هو مصلحة إسرائيلية قبل ان يكون مصلحة فلسطينية، مما يعني ان إسرائيل لن تتوقف عن دفع الأموال، وهذا يعني بالتالي ان العرب لن يقدموا أي دعم للفلسطينيين.

وفي هذا الإطار، فان الدول العربية كانت قد تعهدت في القمة السابقة دعم القدس بمبلغ نصف مليار دولار، إلا انه وبحسب كل المصادر، والتي كان آخرها دعوة أبو مازن للعرب الالتزام بتعهداتهم تجاه القدس في خطابه أمام القمة في بغداد، فان أحدا لم يدفع شيئا لمهجة بلاد العرب.

القدس، هي قلب العروبة النابض، أو الذي لا زال فيه نبض من حياة عربية إسلامية، وهي أيضا قبلة المسلمين الأولى، وعليهم التمسك بها من خلال توفير الحد الأدنى من اجل الإبقاء عليها عربية إسلامية.

القدس لا تحتاج إلا إلى جزء بسيط من عشرات المليارات التي تم ضخها من اجل الإجهاز على عراق العرب، والتي أدت إلى تدمير العراق وإعادته إلى الوراء عقودا حتى لا نقول قرونا من الزمن، وهي لا تحتاج إلا إلى جزء يسير جدا مما تم دفعه من الأموال في الحرب على ليبيا، هذه الأموال التي خرجت من الخزائن العربية.

في النهاية فان القدس ارض وقف إسلاميه، أي ان ليس للفلسطينيين أكثر بكثير ما للعرب فيها، وعليه فان امة العربان ملزمة بالدفاع عن عروبة القدس إذا كانت معنية ببقائها درة مدن العرب، أو عليهم التوقف عن اتهام الفلسطينيين بالتفريط في المدينة المقدسة التي يعلمون تمام العلم، حجم الهجمة الصهيونية عليها، وما يقدمه الأثرياء الصهاينة من اجل تهويد القدس.
3-4-2012


(99)    هل أعجبتك المقالة (102)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي