لم يُخطئ من قال أن التاريخ يعيد نفسه لدى العرب دوماً، فتتكرر النكبات والنوائب دون الاتعاظ منها، وتتوالى سقطات الأنظمة والطغاة بأسلوب يجمع الكوميديا السوداء بالإجرام والعنف وكل ما ينافي الإنسانية، فنجد حاكماً يعيش في أوهامه حتى اللحظة الأخيرة التي تسبق حتفه، ونجد من يطبّل ويزمّر له، خاصة وأن التصفيق حالة «مبدئية»..
ويجُمع الإعلام العالمي وحتى الساسة والدبلوماسيون، على فرادة النموذج السوري في التعاطي مع الثورة، سواء من رجال الدولة أو بالأصح «رجال العصابة»، أو من الإعلام الرسمي الذي يدار من مكاتب أجهزة المخابرات.
وإذا كان نموذج وزير الخارجية وليد المعلّم، وخلـَفه في الأمم المتحدة بشار الجعفري، يتماهى إلى حد كبير مع صحّاف العراق إبان الأيام الأخيرة لنظام صدام حسين، إلى درجة المقارنة بينهم في الوقاحة والكذب، إلا أن شخصية ثالثة تطل بين الحين والآخر لتزيد من سريالية الموقف.
الناطق باسم الخارجية السورية «الدكتور» جهاد مقدسي، الذي عُيّن مؤخراً في المنصب المذكور، كان إضافة على المشهد الكوميدي الأسود للنظام، إذ أنه يحمل دكتوراة في «فهم الإعلام الغربي»، وقدّم لنا في مؤتمر شهير شرحاً مسهباً للقاء الفضيحة لرئيس العصابة على قناة ABC الأميركية، كما تبرّع في تصريح شهير بتقديم خدماته لنظيره الأميركي مارك تونر، معلناً أن للخارجية السورية «معهد دبلوماسي» وطالباً من تونر توخي المهنية وعارضاً أن يرسل له كتباً لتدريس المهنية في العمل السياسي والدبلوماسي!.
مقدسي ليس وجهاً جديداً داخل النظام، فهو يعمل في وزارة الخارجية منذ نحو 13 عاماً، وكان ناطقاً باسم السفارة السورية في لندن، لكنه كان آخر من قدّمه النظام للعلن كوجه شبابي ربما، في ظل وجود دمى دبلوماسية أكل عليها الدهر وشرب، وباتت تهدد بمحو دول وقارات من الخريطة والاتجاه شرقاً وإلى ما هنالك من خزعبلات تُسكر أتباع النظام في أوهامهم المريضة.
الوجه الشبابي الذي وصفه أحد مؤيدي العصابة في صفحة للدعم والإعجاب على «فيس بوك»، بأنه «صاحب الإطلالة الدبلوماسية المشرّفة»، كان دبلوماسياً فعلاً في كل مؤتمراته، ينتقي كلماته بدقة، ويرددها بهدوء يجعله أشبه بتمثال من شمع، لكنه رغم ذلك لم ينجح في الإقناع، خاصة وأن دبلوماسيته تتحول أمام الأعلى منه رتبة إلى نوع من التقديس وهي سمة النظام بالطبع، فكان أن جسّد كل عَبَرات الطاعة للمعلّم في أحد مؤتمراته المملة حين انتهى الزمن المخصص للأسئلة المعلّبة، وأمام رغبة الصحافة «الحرّة» بالمزيد من الخزعبلات توسّل لمعلمه بالقول: «نسمح لهم بالأسئلة إذا بتسمح سيادتك»، وكل ما نخشاه أن يتطور الأمر لاحقاً إلى «سماحتك» أو «قداستك»!
وإذا كان مقدسي بناء على كلام المعجبين الراقصين على جثث الشهداء وصراخ المنكوبين، صاحب إطلالة دبلوماسية مشرّفة، فهل يعني ذلك اعترافاً ضمنياً بأن البقية إطلالتهم غير مشرفة ؟، جميعنا نعلم الجواب، ولا يتعلق فقط بالإطلالة وإنما بالنهاية.. وفهمكم كفاية…

سوريا بدا حرية بالإتفاق مع زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية