أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ذكريات حزينة... هادي عباس حسين

أوراقي وقلمي كل ما عندي وما يربطني بهذا المكان ,عبارة عن غرفة في الطابق الثاني من الفندق المكون من أربع,ومضى على عطل المصاعد لأكثر من سنتين قبل تواجدي هنا ,الحمد لله اجتزت السنة الأخيرة في جامعتي وبالكلية التي اتخذت مكانا قصيا من منطقة تدعى بل عرفت اسمها فيما بعد بالجادرية  ولا اعرف بالضبط سر تسمينها بهذا الاسم ,الحمد لله أعلنت نتائج الدراسة وكنت السباق في الحصول على الدرجات العالية والتي أجد نفسي أمام الجميع بأنني ذكي ومثابر وطالب التزم سنوات دراسته بالهدوء والطمأنينة وان يكون منطويا على نفسه ومختبئا بين جدران غرفته طوال تواجده خارج الجامعة ,قبل قليل كنت اذرع الغرفة طولا وعرضا وفي راسي بقايا الجمل صور حفظتها ذاكرتي ,ولوجوه أمست اقرب الأشياء إلى روحي ,كيف لي أن اصبر على فراق الحاج نوري الذي يبع أشهى المأكولات الشعبية التي سأحس بفقدانها عني أنها أكلة الباقلاء بالدهن والأخر الذي يبع الشاي والذي جاوره فرن صمون الرسول الذي جمعتني مع صاحبه أبا حياة ذكرى لا يمكن التنازل عنها بتاتا ,والى أم حسان التي تبيع القيمر اللذيذ الذي كانت يديها تمدني وليومين من الأسبوع بقطعة القيمر ذات الثلاث طبقات فأقول لها 
_هذا كثير ...وكثير جدا 
إجابتها وبصوت حنون 
_أريدك أن تأكل وتشبع لتكون الأول أنشاء الله .....
لم تكن تعرف في خطاباتها معي سوى الأول والثاني متصورة أنني ما زلت في الدراسة الإعدادية,وكثيرا ما كانت  تتلقى كلمات عتاب وملامة من حفيدتها ميادة قائلة لها 
_يا جدتي انه في الجامعة وليس الابتدائية ..
آه تذكرت أخيرا أن لا مهرب منك يا ميادة فطالما ابتعدت عن ذكراك تجرني الإحداث أن أكون أمامك ومثل كل صبيحة عند باب داركم قائلة لي 
_تذهب بالسلامة وتعود بالسلامة ...
كيف أذا استطيع الصبر على فراقك وابتعادي عنك واشعر بأنني صرت جزء من أجزاءك ولن يمض عليك يوما ألا وانتظارك كي أراك ولرنما حتى تريني ,أنا كنت طفلا معلقا بأمه هي حقيقة علاقتنا التي مر عليها سنين دراستي ,كان قرار أباك بحرمانك من تكملة دراستك أفسح المجال أن أراك  يوميا,وهذا اليوم الأخير وقد أنهيت دراستي الجامعية وسأصبح مهندسا وبأعلى مستوياته المهندس المعماري ,هناك قوة خفية ربطتني بهذا المكان وبين هؤلاء الناس وبمختلف أنواعهم علاقة حميمة امتزجت مع الطيبة والتعاون والتسامح وحب نكران الذات ,لم أجد في مكاني الذي سأتجه إليه بعدما تهيئات للرحيل إليه تاركا هنا تاريخا محملا بأحلى الصور ,أكثر من أحبني وأحببته رجلا عز علي فراقه أبا ميادة الذي وجدت حبه أحاطني ورغبته طوقتني حتى وجدته يقول لي يوما ما 
_أن أردت زوجتك ابنتي فاني أجدك أحسن الرجال إليها وتقدر ثمنها ...
وقتها احمر وجهي وتغيرت ملامحه فأجبت 
_أنا لي كل الشرف ...لكن بعد أن انهي دراستي ...
واليوم لحظة وداعي ودقيقة فراقي لكني بكل تأكيد سأعود فأنني أعطيت وعدا لهذا الرجل الذي وقف بجانبي مثلما ما قامت به حبيبة قلبي ميادة التي صارت ثالثنا ننتظر سيارة السفر لتقلني إلى محافظتي في الجنوب,وجدت دموعها تسيل على خدها حتى وجدت أباها يقول لها 
_مجرد أيام وسيأتي ومعه أهله لخطوبتك ...
انتبهت على كلام والدها وأجابت 
_أنا متأكدة ولكن كيف سأصبر ...؟
بعدها مضت الأيام وكأنهن لحظات وأصبحت بين يدي وبجانبي ولدي مؤيد يتحرك بعصبية باكيا بصوت عالي ,حاولت إسكاته لكني عجزت كما عجزت على أن امنع والدته من الرحيل بعدما استجابت لنداء ربها اثر مرض خبيث ,تاركة ورائها جزءا منها ولدي الذي حمل من خصلات أمه أكثر من أبيه,نظر في وجهي وهيئتي ودب في سكوت طويل آنذاك تذكرت صمتها الذي تعيشه عندما تراني , فينهمر من عينيها الدموع.....أنها ذكريات حزينة...

(127)    هل أعجبتك المقالة (124)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي