تابع الجمهور السوري حلقات مسلسل (الخربة) لكاتبه ممدوح حمادة ومخرجه الليث حجو، وقد عكست معظم هذه الحلقات لديهم صدى جيداً بفضل الموضوعات المتعددة التي تطرقت لها والتي تواكب مختلف التطورات السياسية في الوطن العربي التي تحاول تغيير واقعه الاقتصادي والسياسي. إذ استطاع الكاتب، لاسيما خلال الحلقات الأخيرة، إلقاء الضوء، بشكل غير مباشر، على الاحتجاجات الشعبية التي تعصف بالمجتمع السوري محاولاً مناقشة بعض القضايا والشعارات التي يطالب بها طيف كبير من المواطنين. هذه السطور ليست، حقيقةً، في وارد مناقشة نص وإخراج هذا المسلسل ولا في تحليل أداء ممثليه، وإنما الهدف منها هو لفت النظر بدايةً للأداء المحترف الذي قدمه الفنان باسم ياخور في شخصية توفيق. إذ استطاع بدرجة عالية من الإبداع التعبير عن هذه الشخصية القلقة، والتي أراد الكاتب من خلالها تمثيل حالة المواطن السوري المغلوب على أمره والذي يفعل ما يؤمر به دون نقاش، وغالباً ما يأتي اعتراضه بعد تنفيذه لأوامر زوجته – التي تمثل مختلف الفروع الأمنية في سورية – ، وتلك الزوجة تعمل بدورها على تمجيد وتعظيم سلوك والدها - الذي يمثل السلطات العليا في الدولة. كانت الشخصية واضحة في رسالتها وقد عمل الفنان ياخور على جذب الانتباه إلى تفاصيلها عبر أدائه المميز. ونقل لنا من خلالها عدة عبارات يرددها المتظاهرون في الشارع السوري، فقد طالب بالحرية وبحقه في الاعتراض ومشروعية الاختلاف، وعبر عن الشارع السوري من خلال تكراره لعبارة الموت ولا المذلة، والتي حُرفت من قبل الكاتب لتصبح الموز ولا البازيلا، لكن العبارة كانت واضحة ومفهومة لكل مواطن يتابع عن كثب شعارات الشباب الثائر في معظم المدن السورية.
ولكن بعد مشاهدة وتأمل لقائه الأخير على شاشة الدنيا1 وجدنا أن باسل ياخور لا يختلف كثيراً عن طلاب المدارس والجامعات السورية، طلاب يحفظون عن ظهر قلب ما هو موجود في الكتب دون أن يفهموها أو يتمثلون جزءاً منها، وذلك لأن هدفهم غالباً هو النجاح فقط في الامتحان. وبالمثل فعل فناننا، إذ بدا وكأنه يسعى للقيام بعمله كممثل محترف، يقبض أجره ويمشي دون تأمل ما يردده عبر حلقات المسلسلات التي يمثلها. في الواقع، لا يمكن إنكار الضغوط الكبيرة التي تُمارس على الممثل السوري خلال هذه الأيام، فالأجهزة الأمنية تتعقب حركاتهم وتصريحاتهم وكل كلمة يدلون بها، وذلك لأن الشخصيات التي يلعبونها عبر الشاشة تنتج شعبية كبيرة قد لا يمتلكها المسؤول السوري أو حتى المعارض سواءً في الداخل أو في الخارج. لكن ما قاله السيد باسم ياخور يندرج تحت الترديد الآلي لما تقوله أجهزة السلطة وإعلامها البعيد كل البعد عن الموضوعية. ليس هذا وحسب، بل إنه قدم وجهة نظره قالباً الحقائق ومزيفاً الوقائع ومخوناً المختلف وواضعاً كل المعارضة في دائرة الكذبة. فماذا قال هذا الطالب، التابع والحافظ غيباً لدرس أستاذه في السلطة خلال هذا اللقاء:
لقد أورد الكثير من الحقائق خلال حديثه هذا، وهمس في أذن المشاهد مذكراً بما فعله من سلوك نضالي في اللاذقية. فعندما بدأت التظاهرات في هذه المدينة وسقط العشرات من الشهداء والجرحى، حاول البعض الاعتصام في ساحة الصليبة ناصبين خيماً وعازمين على الاستمرار في تظاهراتهم. في تلك الأيام ونظراً لأنه لم يكن متوقعاً أن الأزمة سوف تستمر لشهور عديدة، وفي سبيل تهدئة النفوس، عمل النظام في سورية على إرسال شخصيات معروفة إلى هؤلاء المعتصمين. وكان من بينها أبطال مسلسل ضيعة ضايعة. في الواقع، أرادت السلطة التلاعب بعقول المعتصمين، غير المدركين لمعنى ما يطالبون به حسب اعتقادها، ولتحقيق ذلك قدمت لهم عدة رشاوى كان منها إرسال أبطال هذا المسلسل، المحبوب لدى الشعب في اللاذقية، إلى هذه الساحة (باسم ياخور، نضال سيجري والمخرج الليث حجو). كانت هذه الخطوة تتمثل في محاولة إقناع هؤلاء للعودة إلى بيوتهم وإلا فإن الشبيحة ستقتحم الساحة وتعتقل وتقتل من في داخلها. هذه الحادثة صحيحة والفنان باسم ياخور كان موجوداً بالفعل، ولكنه يوظفها بوصفه المواطن الذي استطاع تهدئة النفوس ونشر الوعي بين المواطنين. لكنه لم يدرك أو أنه لا يريد أن يدرك بأنه اُسْتُخَدم بوصفه وسيلةً من أجل رشوة المتظاهرين الذي استمروا في تظاهرهم فيما بعد إلى أن تم اجتياح بعض أحياء اللاذقية بالدبابات وبالبوارج البحرية في سبيل إيقاف هذه الاحتجاجات. أي أن قدرته العجائبية وعصاه السحرية التي يمتلكهما لم تنفعا في رشوة هذا الشعب.
ثم يتخذ، خلال حديثه هذا، موقف الناقد للمحطات العربية وكأن الأزمة السورية ومشكلة المواطن في سورية تتلخصان فقط في تآمر هذه القنوات وفي ما تعرضه من فيديوهات تنقل بعضاً مما يحدث في سورية عبر هواتف المواطن السوري وليس عبر مراسليها المهنيين وذلك لسبب واضح، بالنسبة لفناننا الواعي والمدرك "على ما يبدو" للواقع، وهو منعها من قبل السلطة من دخول البلد ونقلها بموضوعية لما يحدث في شوارع المدن السورية. يضيف باسم ياخور بأن هذه المحطات تدعي وجود تظاهرات كبيرة في دمشق وأن الحشود خرجت عن بكرة أبيها. ولكنه يقسم بالله بأنه كان في ذات المكان وأنه تناول الغذاء في مطعم يقع في ذات الشارع ولكن لم يرى هذه التظاهرات، ومن هنا يتضح له كذب هذه المحطات المتآمرة. نعم يا سيد ياخور أنت صادق فيما تقوله، فحيث تذهب أنت، وفي المطاعم التي ترتادها لا توجد مظاهرات. لكن في اللحظة التي تتنازل فيها وتذهب إلى حرستا أو دوما، أو في حال استطعت تمثل سلوك المواطنين الفقراء وتذهب إلى الكسوة أو المعضمية، إلى الحجر الأسود أو إلى الميدان ستجد إلى أي حد هذه المحطات صادقة وتنقل جزءاً كبيراً من الواقع، وذلك على عكس قنوات الإعلام الرسمي وقناة الدنيا التي يهرول إليها أمثلك لتجسيد التبعية للنظام وإعلان الولاء أمام سلطة البلاد.
ولم يكن باسم ياخور بعيداً عن الحقيقة عندما انتقد من يقف خلف صفحات الفيسبوك بأسماء وهمية من شباب الثورة السورية، أسماء تشجع على التظاهر وعلى المطالبة بالحرية. واستند في حجته هذه، وكان مصيباً، إلى الثورة المصرية وإلى وائل غنيم الذي كان اسمه واضحاً للعلن ولم يسعى للاختباء وراء أسماء وهمية. وأضاف أنه حتى ولو كانت قضية شباب الثورة السورية مشروعة فإن وسيلتهم غير شريفة وتؤدي لسقوط قضيتهم وتتحول لموضوع غير مشروع، لأنهم يعتمدون على سرقة الأسماء في احتجاجاتهم. الفنان باسم ياخور لديه كل الحق ظاهرياً، وله أن ينتقد هذه الأساليب القائمة على الاختباء والخوف والتأسيس لمشاريع من وراء الكواليس. ولكن أين يعيش هذا الفنان ؟ أيعيش في كوكب آخر ؟ ألم يمثل أدوراً فنية، عبر الشاشة السورية، ناقلاً للمشاهد مدى عنف الأجهزة الأمنية في سورية ومدى لا إنسانيتها في تعاملها مع من يخالف سياسة القيادة العليا!! ألا يعلم أن شباب الثورة السورية يتسترون وراء أسماء وهمية خوفاً على عائلاتهم قبل خوفهم على أنفسهم من غطرسة فروع الأمن وقدرتها على اعتقال وتعذيب ورمي أجساد المعارضين دون خوفهم من أية محاسبة!! وكأننا أمام فنان لا يستطيع الفصل بين التمثيل والواقع إذ يجد نفسه يتحدث عن مواطن من بلد آخر وليس عن مواطن سوري.
وختم موقفه البطولي عازفاً على وتر الحوار وحق الاختلاف محولاً السلطة ضحية وشباب الثورة سفاحين. قال إنه لا يستطيع إبداء رأيه على صفحات الفيسبوك، لأن شباب الثورة السورية لا يقبلون بالرأي المختلف، وأنه لا يتقبل مشاريعهم لأنهم إذا ما استلموا السلطة في المستقبل فأنهم سيتحولون إلى كذبة ومستبدين ومنافقين. سنفترض حسن النية لدى هذا الفنان ونقول إنه لا يعاني من انفصام في الشخصية وإنه يوجه انتقاده المبطن هذا إلى دوائر الأمن وإلى النظام الحاكم في سورية الذي دفع فرق الموت لديه لسحق تظاهرات شعبه، ذاك الذي أراد الخروج عن سرب الحاكم والاختلاف معه بعد أن حول هذا الأخير الجمهورية إلى نظام ملكي. بل إننا سنذهب أبعد من ذلك ونقول بأن باسم ياخور يعتبر أن النظام في سورية هو نظام مستبد وكاذب ومنافق وبالتالي لا يريد استبدال مستبد بمستبد أخر.
يقولون إن الفن رسالة وفي هذا العصر تصل هذه الرسالة إلى أكبر شريحة من الناس وفي أسرع وقت ممكن، لذلك يتحمل الفنان مسؤولية كبيرة، فإن كان خائفاً على نفسه وعلى عائلته من بطش النظام في سورية فليسكت وليبتعد عن الأضواء، وإن كان موالياً فيتوجب مناقشته كما في هذه السطور، لأنه موجود وهو كائن يملك حق الاختلاف. هي محاولة للنقاش و الابتعاد عما فعله هو عندما قام بتخوين وتزييف وإلصاق تهمة النفاق على جميع شباب الثورة دون استثناء. فهذا التخوين لا يتفق مع أدوره التي حفظ نصوصها عن ظهر قلب دون أن يتبنى تلك التي تدعو لاستعادة إنسانية الإنسان. يا فناننا العزيز هذه ثورة تريد الحرية والكرامة، إنها ثورة تطالب بإتباع نهج ديمقراطي يؤهلك، بوصفك مواطناً سورياً، امتلاك حق اختيار رئيسك عبر انتخابات ديمقراطية، إنها ثورة تريد تجاوز شخصية توفيق المغلوب على أمره والتي مثلتها أنت في مسلسل الخربة. إنها ثورة تحاول أن تطبق الأفكار التي قدمتها أنت عبر أدوارك من أجل التحرر من سيطرة الأجهزة الأمنية على تفاصيل المجتمع السوري والتخلص من غطرستها ومن عنفها، لا بل من جنونها في الولاء لشخص الرئيس بدل الولاء للوطن. فهل من الممكن لك استذكار بعضاً من هذه الأدوار لترتقي إلى مرتبة المواطنة المتصفة بالكرامة وبالحرية.
http://www.youtube.com/watch?v=BZAulu4Ocuo رابط الفيديو
باسم ياخور: بين إبداع في التمثيل وتبعية عمياء للسلطة السورية في الواقع

أمل ونوس
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية