أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

حول الإدانة الأممية لاستهداف مسيحيي العراق ... د. عوض السليمان

دكتوراه في الإعلام - فرنسا 


نحن أيضاً ندين وبأشد العبارات وأقذع الألفاظ الاعتداء الآثم على مسيحيي العراق، ولا نريد لأحد أن يتصور أننا في هذا المقال نعترض على إدانة مجلس الأمن لتلك الاعتداءات، إذ أننا نرفضها جملة وتفصيلاً، فما هي إلا قتل للآمنين وترويع لفئة من أبناء العراق. وإذ ندين هذه الاعتداءات فإننا ننطلق من إيماننا وعقائدنا وعروبتنا وإنسانيتنا.


لكننا نبدي بعض الملاحظات على إدانة مجلس الأمن لهذه الاعتداءات، إذ دفعتنا تلك الإدانة إلى مجموعة من التساؤلات التي أرغب أن أثيرها في هذا الموضوع من خلال النقاط الآتية.
النقطة الأولى
من المسؤول عن هذه الاعتداءات؟، هل هم أبناء العراق بالفعل، أم القوات الأمريكية التي احتلت العراق وألغت سلطته وأعدمت رئيسه الشرعي؟. وبلغة أخرى هل كان المسيحيون عرضة للاعتداء خلال فترة حكم الرئيس العراقي صدام حسين؟. ويكفي للإجابة على هذا التساؤل أن نتذكر السيد طارق عزيز الرجل المسيحي الذي كان يساهم فعلياً في حكم العراق ورسم سياسته الخارجية.
على مجلس الأمن قبل الحديث عن الاعتداءات في العراق، أن يتذكر بالحاكم الفعلي هناك، والمسؤول عن الأمن في هذا البلد، والذي هو، لا شك، سلطة الاحتلال، فلماذا لم يدن مجلس الأمن مباشرة سلطة الاحتلال المسوؤلة الأولى عن الإخلال بالنظام في العراق وضياع الأمن، وتهجير المسيحيين والمسلمين من ديارهم خوفاً على حياتهم وأمنهم. وعليه، فإن على المجلس أن يدين الولايات المتحدة الأمريكية التي احتلت العراق بحجةٍ ثبت زيف ادعائها، وعليه أن يدين الولايات المتحدة لمقتل كل مسلم أو مسيحي في العراق ومن الطوائف كلها أيضاً، فما حدثت هذه الاعتداءات إلا بعد الغزو الأمريكي للعراق، الذي يعد اعتداءً على دولة مستقلة وذات سيادة.


النقطة الثانية
لماذا أسرع مجلس الأمن لإدانة الاعتداء على مسيحي العراق واستثنى غيرهم، هل سلم الزيديون والصابئة والمسلمون وغيرهم من الاعتداءات اليومية المتكررة هناك؟
الملاحظ من خلال قرار الإدانة الذي تبناه المجلس اهتمامه بالمسيحيين خاصة دون غيرهم، ومع أن القرار أشار إلى المسلمين، حيث ذكر "أن الاعتداءات على المسيحيين والمسلمين في العراق مروعة"، إلا أنه بدا اهتمامه واضحاً بما وقع للمسيحيين ويظهر ذلك جلياً من توقيت تبنيه، فالاعتداء على المسلمين يقع كل يوم من خلال القصف الأمريكي، ومن خلال اعتداءات الجنود الأمريكيين على الشعب العراقي، ولم نرَ أو نسمع أي إدانة لتلك الجرائم. ليس فحسب، فمن تابع النقاشات والبيانات التي صدرت عن أعضاء المجلس سيفهم على الفور أن المقصود هو الدفاع عن المسيحيين بالذات، إذ قال السفير الفرنسي لدى الأمم المتحدة جيرار أرو" ثمة إرادة متعمدة في القضاء على الطائفة المسيحية في العراق" وأضاف" إن الدفاع عن مسيحيي العراق ليس مطلباً أخلاقياً فحسب بل هو أيضاً ضرورة سياسية". أريد أن أؤكد أن واجبنا جميعاً الدفاع عن المسيحيين في العراق والدفاع عن المسلمين وعن الإنسانية جمعاء. فلماذا يخص السفير الفرنسي الطائفة المسيحية وحسب، لماذا لم يتلكم عن اعتداءات الجنود الأمريكيين والبريطانيين على مسلمي العراق. وأين السفير الفرنسي ومجلس الأمن من "أبو غريب" ومن السجون السرية التي يعذب فيها العراقيون وتهان كرامتهم.
لم يقم مجلس الأمن بإدانة اغتصاب الطفلة "عبير"، ولا مقتل آلاف العراقيين المدنيين على الحواجز أو هم نائمون في بيوتهم. وهذا مجلس الأمن لم ينبس ببنت شفة بعد صدور وثائق "وكيليكس"، ولم يجتمع ولم يدن آلاف العمليات الحربية التي نفذت في العراق وذهب ضحيتها المسلمون والمسيحيون وغيرهم من عسكريين ومدنيين وأطفال ونساء.


النقطة الثالثة
لماذا نشعر نحن المسلمين أن مجلس الأمن لا يهتم بقضايانا بل لنقل: لماذا يهتم بها بالمعنى السلبي للكلمة؟.
هل المشكلة في طريقة تفكيرنا نحن أم في مجلس الأمن نفسه؟، لماذا مثلاً لم نسمع أي إدانة من المجلس لضم فرنسا لجزيرة "مايوت" العربية التابعة لجزر القمر، حيث قامت الحكومة الفرنسية بضم الجزيرة من خلال استفتاء جرى 30/3/2009 ومع أن الاستفتاء جرى تحت الاحتلال الفرنسي وهو لاغ حسب المواثيق الدولية، أعلنت فرنسا أن الجزيرة أصبحت فرنسية وأنها ستضمها تماماً في العام 2011. وما دمنا نتكلم عن فرنسا فلماذا لم يدن مجلس الأمن محاولة خطف جهة فرنسية لما يزيد عن مائة طفل تشادي في العام 2007، أ فليس هذا اعتداء على المسلمين في تشاد بل على تشاد كلها.
ولنذهب أبعد من ذلك فنقول، لماذا لم يساهم مجلس الأمن في وقف الفتنة الدانماركية التي كادت تتسبب في نزاعات عنيفة، ولا تزال تلك الفتنة معرضة لمزيد من التصعيد، وقد تكون سبباً في أعمال انتقامية غير محمودة العواقب، فقد ترك مجلس الأمن الحبل على غاربه، بل ورفض إصدار أي بيان يندد فيه بصراحة بالهجوم على الأديان، بينما اعتبر أعضاء في المجلس أن الإدانة لو صدرت ستكون عائقاً أمام حرية الرأي والتعبير، والسؤال، أ فليس ما قام به الرسام الدنمركي، كيرت ويسترجارد، اعتداءً صريحاً على مليار ونصف المليار من البشر يعتقدون عقيدة الإسلام.
لو أكلمت هذه القائمة لاحتجت إلى حبر كثير ومداد لا يجف، فلم تكن علاقة مجلس الأمن يوماً كما يجب مع قضايا المسلمين، فانظروا إلى وقوف مجلس الأمن بكامله إلى جانب تيمور الشرقية التابعة لإندونيسيا وكيف أُجبرت السلطات الإندونيسية على الخروج من الجزيرة بدعوى الاستفتاء الذي جرى فيها، بل إن المنظمة الدولية أرسلت قواتها إلى الجزيرة وأنذرت إندونيسيا بسحب قواتها خلال ثمان وأربعين ساعة واستقلت "تيمور" بالفعل في شهر أيار مايو عام 2002، ونسأل هنا لماذا لم يقم مجلس الأمن بتنظيم استفتاء متشابه في كشمير أم في الشيشان ولنرَ النتيجة؟.
لماذا لم يحرك مجلس الأمن ساكناً في إدانة أعمال العنف التي جرت ضد المسلمين الإيجور في الصين العام المنصرم 2009.
وما رأي مجلس الأمن بما يحدث في جنوب الفلبين، أم أن دماء المسلمين لا تستحق أن يدافع عنها أحد.


فوق كل هذا لننظر بهدوء لما فعله مجلس الأمن في نصرة المسلمين الفلسطينيين الذين تعرضوا للتهجير القسري من بلادهم بعد أن اغتصبت مزارعهم وقراهم ومدنهم ، وأمام ناظري مجلس الأمن.
فقد أسقطت أمريكا عشرات القرارات التي تقدم بها العرب والمسلمون ودول عدم الانحياز لإنصاف الفلسطينيين، وكما ذكرت سابقاً فلن يتسع المقام هنا لذكر تلك الاعتداءات التي وقعت من مجلس الأمن نفسه على القضية الفلسطينية وللذكرى فقط، فقد عجز المجلس عن إدانة الاعتداء على الحرم الإبراهيمي، وعن الاعتداءات على المسجد الأقصى، كما فشل في إدانة الاعتداء على جنين، بل وعلى نساء بيت حانون، وما استطاع أن يستنكر فعلة الجيش الإسرائيلي بقتل الشهيد أحمد ياسين، وفي الوقت الذي قام فيه المجلس بتشكيل لجنة تحقيق دولية في مقتل رئيس الوزراء اللبناني، لم يصدر أي بيان يسعى من خلاله لمعرفة ملابسات استشهاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. فمن الواضح أن الأهداف مختلفة، فالتحقيق في قضية الحريري يسعى للإساءة لبعض الدول العربية، وفي حالة الرئيس الفلسطيني فإنه سيكشف عورات إسرائيل ومن خلفها.


النقطة الرابعة
هل القاعدة هي بالفعل من ارتكب جريمة الاعتداء على الكنيسة وعلى منازل العراقيين؟
بسبب الاعتداءات الكثيرة التي تعرض لها الشعب العراقي وما أظهرته وثائق وكيليكس، فإنني أشك بشدة، أن تكون القاعدة وراء هذه العملية، وإن شكنا هذا جاء من حجم التضليل الإعلامي الأمريكي قبل وخلال الحرب على العراق، وإننا لا نستبعد البتة أن يكون من عمل هذا العملية يتبع بشكل أو بآخر للقوات الأمريكية في العراق، وقد تكون القوات الأمريكية نفسها، وما يجعلنا ننحى هذا المنحى إسراع مجلس الأمن لإدانة تلك الاعتداءات، وظهور أصوات في أوروبا تنادي بأن تحصل نينوى التي يقطنها المسيحيون على حكم ذاتي في العراق، والهدف من هذا تجزيء المجزأ أصلاً لضمان السيطرة على الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، هذه الأصوات التي طالبت من قبل بتشكل دولة مسيحية في جنوب مصر، وهي نفسها التي لا تزال تطالب بتقسيم السودان إلى شمال وجنوب.
الإعلام الأمريكي برر غزو العراق وادعى أن بغداد تملك أسلحة تدمير شامل، بيولوجية وكيميائية، وصدق العالم بأسره هذه الأكذوبة، وتم شن الحرب بعد أن تم التستر وراءها، وأوهم الإعلام الأمريكي أن العراق يهدد السلم والأمن الدوليين بل ويهدد أمن أمريكا نفسها، والعراق حاله حال الدول النامية، ليس لديه صواريخ عابرة للقارات والمحيطات. هذا الإعلام هو نفسه، الذي يقنع العالم بضرورة حصول إسرائيل على السلاح النووي لحماية نفسها من جيرانها العرب.


البيان المنسوب لدولة العراق الإسلامية لم يتم تمحيصه ولا تحليله، ولا تأكيده أو نفيه من المخابرات التي تدعي أنها تمسك بزمام الأمور في بغداد. كما أن الربط الذي تم بين مسيحي مصر والعراق، وأن الهدف هو الرد على حادثة اختفاء سيدتين أشهرتا إسلامهما في مصر، هذا الربط كان ضعيفاً وهشاً، ويثير كثيرا من الشكوك التي تتمحور خاصة حول النتائج المستفادة من الهجوم على المسيحيين، هل تنظيم القاعدة استفاد من ذلك فعلاً، وهل النتائج في صالحه، أم أنه ألّب العالم ضده بما فيهم المسلمين أنفسهم. أم الذي استفاد من ذلك هو الدعاية الغربية لجيش الاحتلال ولمن يحاول تثبيت حكمه في العراق اليوم؟. وأتساءل لماذا لم تتمكن القوات الأمريكية التي اعتقلت آلاف العراقيين من اعتقال أولئك الذين قاموا بهذا الاعتداء الشنيع وتقديمهم للمحاكمة علناً ولنعرف إذا كانوا يتصرفون من رؤوسهم أو حسب أجندة معادية للعراقيين كلهم بمسلميهم ومسيحييهم.
وبعد
المواطن العربي لم يعد قادراً البتة على تصديق المنظمات الدولية والثقة بها، كيف ذلك ونحن نشعر ونرى كيف يهمل مجلس الأمن قضايانا السياسية والعقائدية، وفي كل مرة نتوجه فيها إلى المجلس ليأخذ لنا حقنا نعود بخفي حنين، وأسأل نفسي والقراء، هل تدرك الحكومات العربية أنه لا فائدة ترجى في مجلس الأمن في شكله الحالي، وإن كانت تدرك فهل بدأت بالبحث عن بدائل ممكنة، أم ليس بالإمكان أفضل مما كان؟.



(104)    هل أعجبتك المقالة (104)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي