أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مصطفى القشاشى " ناظر المدرسة القشاشية " فى الصحافة المصرية

مصطفى القشاشى هو أحد هؤلاء الرجال الذين بذلوا من الجهد والعرق مابذلوا من أجل تحقيق غاياتهم والوصول إلى مبتغاهم ، واصل مصطفى القشاشى سبيله بالعمل ليل نهار من أجل تحقيق النجاح وتحدى الفشل ..
مصطفى القشاشى جندى باسل استطاع اختراق الطرق الوعرة فى عالم الصحافة المصرية وسعى بنفسه لتحقيق مآربه والوصول إلى أهدافه زسلك الدروب الصحيحة والبدء من أول الطريق التى شقها ببسالة ولم يعبأ بالتحديات حتى خرجت للحياة ماسمى بـ " المدرسة القشاشية " وهى مدرسة صحفية لم تكن تحتاج من طلابها أو العاملين فيها شهادات تؤهلهم ـ فهى غير متوفرة ـ ولكنها تحتاج منهم إلى نوع من النبوغ ومن القدرات الخاصة ، كما تحتاج إلى الموهبة التى تؤهل صاحبها لعبور الباب الملكى لصاحبة الجلالة ، ناهيك عن التجربة الحياتية التى يكتسبها المرء على مدى سنوات عمره ..
وكما يؤكد أستاذنا حافظ محمود نقيب الصحفيين الأسبق فى كتابه القيم " عمالقة الصحافة ـ كتاب الهلال 1974 " بـأن هذه المدرسة تنسب لصحفى مصرى اسمه مصطفى القشاشى ..
ومصطفى القشاشى ناظر هذه المدرسة وصاحبها بدأ فى بكريات حياته عاملاً بإحدى المطابع التى تقوم بطبع الصحف ، وأحب عمله ومارسه بدأب وإخلاص ونهل من معين دقائق الأمور فيها ، وبقدرات خاصة ومواهبه لا ينال منها اليأس انتقل القشاشى من مجرد " عامل صف حروف الطباعة " إلى صحفى " يصف الأفكار" فى عقول الناس ..
لم يصل القشاشى إلى النجاح بكل يسر ، ولم يكن السبيل أمامه مفروشاً بالورود ، بل لاقى الكثير من العنت ، فبذل قصارى جهده وبفضل حماسته وثقته بالله وبنفسه استطاع أن يجتاز المفازات ويتغلب على الصعاب الجمة التى واجهته فوصل إلى غايته وحقق مراده بفضل الإصرار والعزيمة ..
كان القشاشى فى مقتبل حياته شاباً طموحاً ، لديه استعداد فطرى للعمل بكل مايملك من إمكانيات ، طاقة وشباب وقناة لا تلين ، بالإضافة إلى ذكاء متقد ساعده ، فكان يعمل بكل جد واجتهاد حتى إذا واتته فرصة سانحة لم يكن ليجعلها تمر دون أن ينتهزها..
عُرف عن القشاشى القدرة على القيام بكل مايوكل إليه من مهام ، فإذا ما تخلف أى موظف فى الجريدة أوغاب وجد مدير ادارة التحرير هذا الفتى الطموح يقوم بدوره وبكل دقة ، وإذا ما غاب محرر أو مندوب للجريدة سد القشاشى " مطرحه " وقام بمهامه على أكمل وجه ، ومازال الفتى يقطع الشوط الطويل ويكتسب الخبرات ويجتاز المحن حتى وجد الطريق أمامه مفتوحاً على مصراعيه ليستقبل مكتب مدير إدارة الجريدة الشاب الطموح ويفتح ذراعيه ويضمه بكل سعادة ليرتقيه ..
وفى خلال تلك الحياة الشاقة وقف القشاشى على الكثير من أسرار المهنة التى عشقها والتى رصد لها عمره ، ومن المهارات التى اكتسبها ماآهله للإضطلاع فيما بعد بكبير المسئوليات ..
ثم دارت فى رأس الفتى صاحب الطموح وتأججت نيران الأفكار ، وصارت كالرحى تكادت أن تطحنها ، وجاءت أسئلة بلا نهاية ، ولكن السؤال الملح الذى زلزل أعماقه :
ـ لماذا لا أصدر جريدة ؟
لم يمر وقت طويل ، إذ سرعان ماجاءته الإجابة فالرجل صاحب باع طويل وعلى دراية بسر " الصنعة" وقواعد اللعبة من حيث وقوفه على أسعار الورق وحجم التوزيع ، ثم أن السلطات بالتاى لا تمانع فى إصدار الترخيص اللازم ، مادامت الجريدة بعيدة عن الخوض فى المسائل السياسية ، شريطة وجود خطاب ضمان بمبلغ مائة وخمسين جنيهاُ..
وزاد السؤال إلحاحاً وأخذ يعتلج فى نفس صاحبه وبحكم الخبرة والتجربة كان :
ـ كيف تختلف هذه الجريدة عن غيرها والسوق تغص بكميات لا حصر لها من الصحف والمجلات ؟
تفتق ذهن الرجل وكانت الحرب العالمية الأولى تغطى أخبارها كبريات الصحف ، وجاء القرار وصدرت جريدة " أبو الهول" التى انتحى بها القشاشى منحى بعيداً عن الظروف الصعبة التى تمر بها الدنيا من حوله ، فرأى أن تضم الجريدة القصص الغرامية ، والنكات التى تتناقلها أفواه الناس ، إضافة إلى بعض مايقوله الشعراء من شعر شعبى وأزجال وليس ثمة مانعاً من بعض النقد اللاذع " من تحت لتحت" ..
صدرت جريدة " أبو الهول " لتجد رحابة صدر تعينها على الإستمرار فى العام 1918م ، والتحق بها من الكتاب ما بلغت شهرتهم الأفاق فيما بعد وكان منهم فكرى أباظة والدكتور سعيد عبده ..
واستطاعت الجريدة الناشئة أن تقف بقدمين ثابتتين وسط هذا الخضم الهائل ، واستطاعت بنجاح وبإصرار منشئها وحسن إدارته أن ينتقل بها من مكان ضيق ولدت فيه وكان عبارة عن ثلاث غرف ببدروم بيت صغير فى شارع قدادار المتفرع من أحد شوارع ميدان التحرير إلى أن تصبح فى اتساع أكبر امتد لثلاث شقق ، ومن رحم جريدة " أبو الهول" ولدت مجلة الصباح ..
رحلة كفاح دون يأس أو استسلام خاضها هذا الرجل الذى لم يلهه الكسب المادى عن استمرار رسالته ، بل صار يخط بيراعه المقلات ويكتب افتتاحيات المجلة الوليدة ..
ولكن رحلة الكفاح لابد أن ينال صاحبها ما يناله من سوء المعاملة ، فقد حدث أن ولدت نقابة الصحفيين بمصر فى العام 1941م ، وحين طلب القشاشى قيده بها رفضته لجنة القيد بعد أن أوعز لها البعض بأن القشاشى هو صاحب التوقيع الموجود فقط فى ذيل إفتتاحيات المجلة ، ولكن صاحب النفس الأبية الى لا تقبل الضيم ولا تستسلم تحدى الجميع وطلب أن يعقدوا له امتحاناً اجتازه ببراعة ودحض أقوال المعرضين وكل من ادعى عليه ببهتان ، وتم قيد القشاشى وخاض بدوره انتخابات أول دورة فى تاريخ هذا المجلس وفاز ، وفى الدورة الثانية فى ديسمبر 1943م كان مصطفى القشاشى قد أصبح السكرتير العام للنقابة وظل فى منصبه يشغله حتى أبريل من العام 1954م ..
وشهد كل من عاصر القشاشى بأنه كان واحداً من أكفأ الذين شغلوا منصب السكرتير العام ، فقد كان هو صاحب فكرة إنشاء أكشاك لبيع الصحف والتى شكلت مورداً هاماً من موارد تمويل صندوق معاشات الصحفيين ..
وعلى الرغم من هذا الدور الكبيرالمشهود به من قبل معاصريه ومجايليه إلا أن مصطفى القشاشى ـ نفسه ـ حين بلغ به العمر أرزله وعانى من المتاعب الصحية والمرض لم يجد النقابة التى شارك فى وضع لبناتها الأولى تمد له يداً ولم يحصل على معاش من النقابة ، ووجد هناك من يقول بأنه لا يستحق المعاش وفقاً للأئحة ، ولكن الرجل وهو فى ثرى قبره وجد تكريماً من نوع آخر قامت به النقابة فقد أقامت له المأتم الوحيد فى دارها ، رحم الله مصطفى القشاشى وجعل من الجنة مثوى له ..
ــــــــــــ

بورسعيد
مصر

محمد عبده العباسى
(104)    هل أعجبتك المقالة (122)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي