إن تغيير القيادات الإدارية لا يمثل بالضرورة معالجة جذرية لمشكلات الفساد المتجذرة في البيئات المؤسسية. وفي سياق متابعة التطورات داخل شركة محروقات التابعة للشركة السورية للبترول، تتكشف مؤشرات على أن الأنماط السابقة من التجاوزات لم تتوقف، بل أعادت تشكيل آليات عملها.
بعد مرور شهر تقريبًا على التغيير الإداري الذي أعقب الكشف عن سلسلة من القضايا الإدارية والمالية، يبرز تساؤل جوهري حول جدوى هذه الخطوات: هل أدت التعديلات إلى تحول فعلي، أم أننا أمام استمرارية في الأداء تعيق الإصلاح المستدام؟
استدامة آليات التعيين القائمة على غير الكفاءة
تشير المصادر الموثوقة إلى أن التعيينات في المناصب ما زالت تُدار بناءً على آليات غير موضوعية تفتقر إلى المعايير المهنية، ما يؤكد غياب الدور الفاعل لوحدات التنمية الإدارية والكوادر المؤهلة. وقد أدى هذا الخلل إلى تدهور مستمر في أداء المحطات، ويتجلى ذلك في عدة محاور:
- فقدان في المخصصات اليومية: تسجيل سرقات متكررة تؤثر مباشرة على حصص المواطنين المخصصة من المشتقات النفطية.
- تشغيل عمالة غير نظامية: تفاقم العمليات غير المنظمة نتيجة غياب الرقابة الفعالة.
- تهريب المنتجات النفطية: وجود شبكات منظمة تعمل على تحويل الفوائض النفطية، ما يعكس استغلالًا غير مشروع للموارد العامة.
دور المديرية القانونية في خدمة مصالح خاصة
يلاحظ أن المديرية القانونية – التي تشكل الأساس للحماية القانونية للمؤسسة – تعمل بآليات تخدم مصالح شركات خاصة، وهو ما يمثل اختراقًا داخليًا يضعف قدرة الشركة على الدفاع عن حقوقها. هذا التواطؤ الممنهج يعطّل بشكل مباشر جهود الإصلاح ويؤثر سلبًا على الأداء الكلي للمؤسسة.
استنزاف الموارد في مستودعات بانياس: بيانات رقمية
تجاوزت قضية الفساد مرحلة الانطباعات لتصبح حقيقة مدعومة بأرقام مقلقة تشير إلى استنزاف يومي كبير في المستودعات، حيث يتم سرقة ما يزيد عن 40 ألف ليتر من المازوت والبنزين يوميًا عبر صهاريج مجهزة بخزانات إضافية غير مصرح بها.
كما تواجه وحدات تعبئة الغاز مشكلة مماثلة، بتسجيل تهريب أكثر من 3 أطنان يوميًا من الغاز المضغوط، يتم توجيهها بشكل غير قانوني إلى محافظات محددة (ريف دمشق وحلب وحماة). هذه الأرقام تطرح تساؤلات جدية حول الجهات التي توفر الغطاء لهذه الشبكات.
تقييم أداء الإدارة الجديدة
لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى أن الإدارة الجديدة قد اتخذت خطوات فارقة لمعالجة هذه التجاوزات. الاستمرار في عقد الاجتماعات واستقبال الوفود دون اتخاذ إجراءات ميدانية حاسمة لمواجهة هذا النزيف اليومي يضع الإدارة موضع المتفرج.
إن مكافحة الفساد تتطلب آليات تنفيذية فورية وواضحة، تشمل:
- تنفيذ جولات رقابية مفاجئة في المواقع كافة.
- إصدار قرارات حاسمة تستهدف المخالفين.
- تطبيق المحاسبة الصارمة دون أي استثناء.
- العمل الفوري على تفكيك شبكات النهب المنظمة للمال العام.
توصيات حكومة الظل
ما لم تتبنَّ الإدارة الجديدة استراتيجية سريعة وميدانية لتنفيذ الإصلاح ومكافحة الفساد، فإن التغيير الإداري سيظل مجرد تعديل شكلي على السطح، وستستمر الشركة في تكبد الخسائر نتيجة الأهداف المتكررة التي يسجلها الفساد على حساب الدولة والمواطن.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية