أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

جامع الزيتونة بتونس.. منارة علم وميراث للمصلين عبر العصور

جامع الزيتونة

رغم مرور عصور وتعاقب دول، لا يزال جامع الزيتونة في العاصمة تونس يحتفظ بروحه الحية، شاهدا على عمق التجربة الصوفية في بلاد المغرب العربي.

لا ينظر إلى "جامع الزيتونة" على أنه معلم تاريخي فحسب، بل فضاء روحي نابض بالذكر، تتجدد فيه الممارسة الدينية يوميا ويجد فيه الزائر صفاء داخليا عند سماع صوت الذكر المتواصل.

الجامع يُعد أحد أعرق المعالم الدينية والعلمية في المغرب العربي وشمال إفريقيا، ويرجع تأسيسه إلى فترة الخلافة الأموية في القرن الأول الهجري، وفيما بعد تفرعت عنه جامعة الزيتونة، وهي من أقدم ثلاث جامعات في التاريخ بجانب جامعتي الأزهر والقرويين.

* تاريخ عريق
يرجع المؤرخون تأسيس الجامع إلى القائد الأموي حسان بن النعمان الغساني خلال العام 79 الهجري (698 ميلادي)، قبل أن يحظى بتوسعات خلال العهدين الحفصي والعثماني، جعلت منه منارة دينية وعمرانية تحمل بصمات الحضارة الإسلامية المتعاقبة.

ومنه انبثقت جامعة الزيتونة، إحدى أقدم المؤسسات التعليمية في العالم الإسلامي، إذ تحول منذ القرون الأولى إلى مركز لتدريس علوم الشريعة واللغة والفقه، وتخرج فيه عبر العصور كبار العلماء والمصلحين مثل ابن خلدون ومحمد الطاهر بن عاشور.

عند دخول المسجد، يستقبل الزائر صحن واسع تتوسطه السكينة، فيما ترتفع مئذنة مربعة الطراز على الجهة اليمنى، بينما تحلق أسراب الحمام بحثا عن حبوب ينثرها رواد المسجد.

أما الداخل، فتتجلى فيه بساطة الروحانية وجمال التفاصيل أقواس إسلامية تعلو أعمدة رخامية ذات تيجان رومانية، ونقوش قديمة تزيد المكان رهبة وطمأنينة، في توليفة بصرية تشعر الزائر بأنه في فضاء خارج الزمن.

* مجلس ذكر يتوارثه المصلون منذ قرنين
مع اقتراب صلاة العصر، يبدأ مشهد روحاني يتكرر يوميا منذ نحو قرنين، حيث يتجمع أتباع الطريقة التيجانية ـ صوفية نشأت في المغرب في القرن الثامن عشر وتنتشر في شمال وغرب إفريقيا ـ في حلقات ذكر جماعية داخل الجامع أو في أروقته.

يؤدي المشاركون ما يعرف بـ "الوظيفة اليومية"، وهي صيغة من الأذكار تردد بصوت جماعي متناغم، تبدأ بسورة الفاتحة وتنتهي بذكر اسم الجلالة، مرورا بصيغ الاستغفار والصلاة على النبي.

خالد قمار، مقدم الطريقة التيجانية في تونس، يقول للأناضول إن هذه الوظيفة استقدمت إلى جامع الزيتونة عام 1920 هجريا على يد الشيخ أبو إسحاق إبراهيم الرياحي، تلميذ مؤسس الطريقة أحمد التيجاني.

ويوضح قمار أن الحلقات تقام دون انقطاع منذ ذلك الحين، وتعد جزءا من الموروث الروحي الذي حافظ عليه المصلون جيلاً بعد جيل.

ومن أبرز ما يتلى خلال المجلس: "أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم" و"اللهم صلِّ على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق" بإيقاع ثابت، يعلو وينخفض بتناغم يبعث طمأنينة خاصة في أرجاء الجامع، فيما يختلف إيقاع الذكر يوم الجمعة تقديرا لمكانته الدينية.

* روح لا تنطفئ
لا يقف جامع الزيتونة عند حد كونه صرحا معماريا بديعا أو مدرسة فقهية تاريخية، بل يتجاوز ذلك ليبقى فضاء حيا للذكر والسكينة.

وبين جدرانه العتيقة تتجدد التجربة الروحية يوميا وتظل حلقات الذكر بعد العصر شاهدا على استمرار التراث الصوفي في تونس.

كما يتداخل النفس الروحاني مع العمق التاريخي في مشهد يختصر ملامح الهوية الدينية للمغرب العربي.

الأناضول
(10)    هل أعجبتك المقالة (11)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي