أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الكيمياء عند الرئيس المصري .. د. عوض السليمان

 دكتوراه في الإعلام - فرنسا :


في كثير من اللقاءات التي جمعتني بطلبة مصريين في أوروبا، أو مع أساتذة متخصصين في الإعلام، أو غير ذلك، لاحظت على الفور، عدة ملاحظات لا تخطئها عين الأعمى ، فالأشقاء المصريون، وقد انطبق هذا على الذين قابلتهم دون استثناء، يتمتعون بدماثة الخلق ولطف الجانب، وأدب المحادثة، ولطالما اختلفت مع بعض هؤلاء السادة خاصة في القضايا المتعلقة بالدراسات الإعلامية وتطبيقاتها، ورأيت حسن استماعهم وسعة صدورهم ومجادلتهم بالحسنى، ناهيك بالطبع عن حسن المعشر الذي كان على الدوام طابعاً مشتركاً بينهم.


الشعب المصري لا يحتاج شهادتي، إذ تشهد له الوحدة السورية المصرية وحرب اليمن والجزائر وكذلك حرب تشرين والتضحيات الكثيرة التي قدمها في سبيل رفعة الأمة العربية.
لكن ما يصدمني بالفعل ويوقعني في الحيرة، هو أن الحكومة المصرية الحالية على النقيض من ذلك تماماً، وإذ أقول هذا فإنني لا أقصد المسائل السياسية وحسب ، ولكنني أتحدث أيضاً عن الإعلام الرسمي المصري الذي لا يخرج من حفرة إلا و يقع في غيرها.

 تعود بي الذاكرة إلى الشهر الخامس من العام المنصرم، حيث هاجمت الصحف المصرية الرسمية، الشيخة موزة المسند زوجة حاكم قطر، وقالت صحيفة الجمهورية أن قطر تلخصت في امرأة وفضائية، وقد قوبل ذلك المقال بالاستهجان الشديد، ونجزم بأن الصحيفة ارتكبت خطاً فاحشاً في حديثها عن السيدة الأولى في بلد شقيق، بل إن الصحيفة المصرية انتقدت العلاقات القطرية الأمريكية في الوقت الذي يقول فيه بعض أركان الحكومة المصرية، "أنا ما يهمنيش إلا أمريكا وإسرائيل".


غني عن القول أن الإعلام المصري يهاجم كل من يخالفه الرأي وبكل ضراوة، حاله حال من" يحسبون كل صيحة عليهم"، فهو كمن يشعر بأنه مستهدف على الدوام، وإن عليه أن يرد بمنتهى العنف والقوة في سبيل إثبات النفس، وهذا ما حدث في الرد على تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد قبل أيام.
ففي معرض رده على سؤال لصحيفة الحياة، قال الأسد" أنا لم أطلب شيئاً من مصر، ولا أريد شيئاً منها، وإذا كنا نختلف سياسياً فهذا ليس جديداً....الغريب أننا في سورية لا نعرف ما المشكلة لذلك قلت أنا لا أريد شيئاً من مصر".

والحقيقة، ودون أي تعصب فإنني أرى أن هذا الكلام في غاية الأدب والتهذيب، ولا يخرج عن رئيس دولة لم يدعَ لزيارة القاهرة منذ خمس سنوات، ولا يزال الإعلام المصري وحكومة مصر تعمل ضده بشكل مباشر وغير مباشر، وتكاد تتهمه باغتيال الحريري بل وبتقويض المشاريع العربية.
الآن لننظر كيف تعاملت الصحف المصرية مع كلام الرئيس الأسد، وأكتفي بما ورد في الأهرام كمثال على ذلك، فقد كتبت الصحيفة يوم الجمعة التاسع والعشرين من شهر تشرين الأول" بأن سورية تساعد إيران في فرض نفوذها وهيمنتها في العراق ولبنان والخليج وفلسطين" وقال أسامة سرايا في مقاله " الرئيس السوري لا يريد شيئاً من مصر أما مصر فهي تريد من الحكومة السورية أن تكف عن لعبة التوفيق بين المتناقضات وتسويق هذا الوهم في المنطقة". وقال أيضاً" أن الرئيس بشار أوهمنا أنه مع المقاومة ولكننا نعرف جيداً أنه عملياً ليس مع المقاومة وإلا كانت المقاومة في الجولان لاسترداد الأرض أولى بجهوده ومساعيه".
واتهم المقال سورية والأسد، بأنها تعمل على تنفيذ أجندات إيرانية في المنطقة على حساب مصالح الأمة العربية.


يعلم القارئ العربي علم اليقين الأسلوب الوضيع الذي حاربت به مصر من أجل مباراة كرة قدم، أراد لها الإعلام أن تكون نصراً مصرياً بعد كل الفشل السياسي الذي عانته الحكومة المصرية وانتهاء دورها في المنطقة العربية، فقد لجأ الإعلام وقتها إلى التشهير بالتاريخ الجزائري نفسه ومقاومة الجزائر للاستعمار الفرنسي، ولقد شارك كثير من الفنانين والكتاب المصريين في تلك المهزلة التي أساءت للحكومة المصرية باعتراف إعلاميين مصريين معروفين.


على الإعلام المصري أن يعلم، أن ليس بضع كلمات في هذه الجريدة أو تلك هو الذي يغير موقف المتلقي مما تفعله حكومة القاهرة، بل إن الإعلام هو واجهة للحكومة نفسها ولتصرفاتها، وهل يظن الإعلاميون الحكوميون في مصر، أن الشعب العربي وأوله شعب مصر سينسى أن حكومته، وقفت قلباً وقالباً مع الصهاينة في حصارهم لغزة، وأن الجرحى الفلسطينيين من أطفال ونساء وشيوخ ماتوا على حاجز رفح لأن مصر منعتهم من الدخول للعلاج، وأن من دخل منهم، قبض عليه للتحقيق في مراكز الأمن وزُج ببعضهم في السجون.
وكيف تريد "الأخبار والجمهورية" وغيرهما أن ينسى العالم وليس المسلمون فقط، أن ليفني قررت تدمير غزة وأنبأت العالم بذلك وهي تقف إلى جانب الرئيس المصري حسني مبارك ومن قلب القاهرة، وأن أبو الغيط تعهد بكسر أرجل أهله من فلسطين إن دخلوا أرض مصر، في الوقت الذي يعربد فيه الصهاينة في شرم الشيخ وسيناء.


هل سيغيب عن خاطر أي طفل عربي فضلاً عن أي سياسي أن مصر منحت قناة السويس لأمريكا لتدخل منها حاملات السلاح والجند فتفك بالعراق، وهل نسي الإعلام المصري أن حاكم مصر، يبيع ثروات بلاده للصهاينة بينما يمنعها عن الشعب المصري نفسه فضلاً عن الأمة العربية والإسلامية.
عجيب، أن الحكومة المصرية تطالب بشار الأسد بالتخلي عن إيران، في الوقت الذي تقيم فيه هي علاقات عار مع الصهاينة، فهل أصبحت إيران أشد خطراً على الأمة الإسلامية من الكيان الصهيوني الذي اغتصب فلسطين.


هذا لا يعني بحال أننا نوافق على كل السياسات الإيرانية في المنطقة العربية، ولكن أن تنتقد مصر التي يعيث فيها الصهاينة فساداً رئيس سورية لعلاقته مع إيران فهذا أمر لا يصدق ولا يقبله عقل.
الإدعاء بأن سورية تنفذ أجندات إيرانية على حساب مصلحة الأمة العربية، إدعاء سخيف ولا يمكن أن تقوم له قائمة، فلقد دفعت سورية بمشروع قرار للقمة العربية الأخيرة يهدف إلى خلق آلية عربية للحفاظ على الوفاق واستيعاب أي خلاف عربي ضمن الأسرة العربية، فهل قدمت مصر أي مشروع نحافظ من خلاله على كياننا دون تدخل أمريكي أو صهيوني.
على الأقل، فالسوريون لا يهنئون شاورن وشامير من قبله، بالعيد الوطني لاستقلال "دولة إسرائيل"، ولا يأتي الصهاينة إلى دمشق فيحتفلوا ويشربوا الخمور، وليس هناك علم صهيوني في ربوع سورية. وبعد ذلك كله تريد الحكومة المصرية أن تقنعنا بأنها تحافظ على المصالح العربية وأن الخطر كله قادم من إيران.


لا نريد من مصر أن تحافظ على العرب ولا أن تساعدهم، بل أن تمتنع عن إيذائهم، أن ترفع حصارها عن غزة، وأن تدين العدوان البربري اليومي، على أهلنا في فلسطين، وأن تمتنع عن محاولة ترسيخ الخلاف بين فتح وحماس، إذ نقلت وسائل الإعلام مؤخراً أن مصر أبلغت فتح رفضها ورفض الصهاينة وأمريكا لتقاسم ملفات الأمن مع حماس، أفلا يدل هذا على وجهة نظرية مصرية صهيونية متطابقة.
الأسوأ من كل هذا أن مسؤولاً مصرياً يعلق على مقابلة الرئيس الأسد مع الحياة، فيقول أن كيمياء الرئيس المصري غير منسجمة مع الرئيس الأسد ولهذا لا يستطيع مقابلته إلى اليوم.


وعلى ما يبدو فإن كيمياء وفيزياء الرئيس المصري منسجمة مع نظيرتها عند نتنياهو وليفني وشارون، وإذا كان هذا هو الحال فشرف للأسد أن لا يقابل الكيمياء الصهيونية لا في تل أبيب ولا في القاهرة.
إننا نستغرب كيف تكلم المسؤول المصري بهذه الطريقة، فربط علاقات الدول بالكيمياء ، تماماً كما قال حسني مبارك يوماً عن حزب الله" البتاع ده" حيث أصبحت نكتة نتندر بها على مستوى ثقافة الرئيس المصري وحقّ لنا هذا بين "البتاع والكيمياء".


حري بمصر اليوم أن تترك إيران وشأنها وأن تهتم بتجميل صورتها القبيحة من خلال قطع علاقاتها بالصهاينة، وحري بها أن تهتم بالتنمية الداخلية التي تعد بها شعبها منذ زيارة العار الساداتية إلى القدس المحتلة.


وعلى مصر أن تقف اليوم في صف المقاومة لا ضدها، ومن المعيب أن يطلب وزير الخارجية المصري العربي المسلم، من الصهاينة أن يضغطوا على حماس حتى تستلم وتسقط. ولقد قلنا ونعيد، إن على الحكومة المصرية أن تكون في صف الشعوب العربية لتكون هذه في صفها ومن خلفها، ولعل هذا هو الفرق الأوضح بين الموقف السياسي لدمشق والقاهرة.

 

(97)    هل أعجبتك المقالة (93)

أحمد

2010-11-05

وينك دكتور والله طولت الغيبة...مو هيك.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي