تُثار تساؤلات جدية حول بنود عقد تصدير الفوسفات السوري إلى إيران، والذي وُقّع وأُدير من قِبَل المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية قبل سقوط نظام الأسد، لكن تبعاته مازالت حتى اليوم..
تشير المعلومات إلى وجود شبهات قوية بإهدار للمال العام تُقدّر بملايين الدولارات، نتيجة شروط تعاقدية وُصفت بـ "الجائرة"، مما يستدعي تدخلاً عاجلاً من قبل لجان فنية وقانونية متخصصة لمراجعة العقد وتحصيل حقوق الدولة السورية.
تفاصيل الخسارة: استحداث درجة "A-4"
يكمن جوهر القضية في استحداث درجة فوسفات جديدة تُعرف بـ "غريد A-4" (Grade A-4)، والتي أُدرجت في العقد مع الجانب الإيراني كبند تفضيلي يمنحه ميزة سعرية غير مبررة. ووفقاً للادعاءات، فإن هذا التصنيف الجديد سمح بتصدير الفوسفات بسعر يقل بمقدار دولارين أمريكيين ($2) للطن الواحد عن السعر المستحق.
المشكلة الفنية، كما يطرحها متخصصون في هذا المجال، تتمثل في معايير تركيز الفوسفات.
فوفقاً للمواصفات القياسية، يُصنف الفوسفات من "غريد 4" (Grade 4) بأنه يحتوي على نسبة تركيز ثلاثي فوسفات الكالسيوم (BPL) تتراوح بين 64% و 66%. أما درجة "غريد A-4" المستحدثة، فقد حُددت بنسبة تركيز تتراوح بين 64% و 65%.
وهنا تظهر المشكلة بوضوح: إن نسبة التركيز المحددة لـ "غريد A-4" تقع بالكامل ضمن النطاق المحدد لـ "غريد 4" الأصلي. وعليه، كان من المفترض أن أي شحنة فوسفات يتجاوز تركيزها 65% (وحتى 66%) تُسعّر على أنها من "غريد 4" الأعلى قيمة. لكن ما حدث، هو أن الشحنات التي تقع في هذا النطاق الأعلى جرى تصديرها تحت تصنيف "غريد A-4" الأقل سعراً، مما أدى إلى خسارة مباشرة بقيمة دولارين عن كل طن يتم تصديره بهذه الطريقة.
وقد تم تأكيد هذه المواصفات من خلال مصادر فنية متخصصة في قطاع المعادن، حيث تُظهر جداول التحليل الكيميائي العالمية أن مواصفات "G4" تتراوح بالفعل بين 64-66% BPL، بينما حُددت "G4-A" بنطاق أضيق هو 64-65% BPL. هذا التحديد يثبت صحة الادعاء الفني بأن الدرجة الجديدة هي جزء من الدرجة القديمة، مما يجعل أي تخفيض في السعر عليها أمراً مثيراً للشكوك.

شخصيات ومسؤوليات
تتوجه أصابع الاتهام في هذا الملف إلى إدارة المؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية، وتحديداً إلى المدير العام خلال فترة توقيع وتنفيذ العقد، السيد سمير الأسد، الذي تشير المعلومات إلى أنه المسؤول المباشر عن الموافقة على هذه البنود التي ألحقت ضرراً بالخزينة العامة للدولة.
التبعات المالية والدعوة إلى التحرك
إن الخسارة التراكمية الناتجة عن هذا البند التعاقدي تُقدر بملايين الدولارات على مدار سنوات التصدير الماضية. هذه الأموال كانت لتشكل دعماً مهماً للاقتصاد السوري لو تم تحصيلها بالشكل الصحيح.
وبناءً على ما سبق، تتعالى الأصوات المطالبة بضرورة التحرك الفوري وتشكيل لجنة قانونية وفنية مستقلة للقيام بالمهام التالية:
- المراجعة الشاملة: التدقيق في كافة بنود العقد الموقع مع الجانب الإيراني لتصدير الفوسفات.
- التحقيق الفني: تحليل سجلات الشحن وتقارير التحاليل المخبرية لكافة السفن التي قامت بتصدير الفوسفات ضمن هذا العقد للتحقق من درجات التركيز الفعلية لكل شحنة.
- تقدير الخسائر: حساب القيمة الدقيقة للخسائر المالية التي تكبدتها خزينة الدولة، بما في ذلك "فوات المنفعة" (Loss of Opportunity) عن الأموال غير المحصلة.
- المساءلة القانونية: اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمحاسبة المسؤولين عن هذا الهدر واسترداد حقوق الدولة السورية كاملة.
إن حماية ثروات سوريا الباطنية من العقود غير العادلة لا يمثل مطلباً اقتصادياً فحسب، بل هو واجب وطني لضمان حقوق الأجيال الحالية والمستقبلية في موارد بلادهم.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية