منذ أكثر من ثلاثة عقود، تثبت القاصة والروائية السورية توفيقة خضور حضورها الأدبي اللافت في المشهد الثقافي السوري، من خلال أعمال قصصية تمتاز بالشفافية والغوص في العمق الإنساني، لا سيما في رصد معاناة المرأة أمام قيود المجتمع وقسوة التقاليد، والاشتباك مع تفاصيل الذات والواقع بلغة مشبعة بالحس الشعري.
وحول بدايات تجربتها الإبداعية والقراءات الأولى التي شكلت بذور هذه التجربة تقول توفيقة خضور لـ"زمان الوصل": بدأت مع جبران خليل جبران ورومانسياته الجميلة التي شكلت أولى ملامحي النفسية وقصص المنفلوطي وجرجي زيدان ثم انتقلت إلى القصص والروايات العالمية الشهيرة وبعد هذه المرحلة استهوتني كتب علم النفس فرحت أجوب عالمها من خلال يونغ وفرويد وبيير داكو في انتصاراته المذهلة لعلم النفس الحديث للتحليل النفسي وبعد ذلك تنوعت مصادر ثقافتي لتشمل كل ما أستطيع الحصول عليه من كتب ثقافية متنوعة ولان الموهبة تخلق ظروفها الخاصة فهي كبذرة عنيدة تشقق عنها التراب ليبزغ رأسها عاليا تعانق الشمس وتعبر عن نفسها فكان لابد من ظهورها.
وأردفت محدثتنا: "كانت كتاباتي آنذاك تتمحور حول هموم المرأة الذاتية وبحثها الدائب عن الحرية والخروج من قوقعة التقاليد والقسر لكن بعد الانتهاء من الدراسة الجامعية ونتيجة لاستمرارية الكتابة والمطالعة بدأت هذه التجربة تمر بطور الصقل والتشذيب وخرجت من إطار الذاتية للاهتمام بالهموم العامة كالمجتمع والوطن والإنسان بشكل عام . مجموعتي القصصية الأولى كتبت في فترة التسعينات على مدى عدة سنوات لكنني جمعتها وطبعتها في عام 200.
وعزت خضور السبب في تأخر إصدارها الأول إلى زواجها المبكر وهموم الزواج والأولاد وبناء البيت والأسرة وكذلك إتمام الدراسة أثناء الحياة الزوجية وعن اختيارها القص وسيلة للتعبير عن ذاتها دون غيره من وسائل التعبير أوضحت الكاتبة المتحدة من الغاب بريف حماة أن القصة القصيرة هي فن أدبي راق يمكن تحميله هموم الإنسان ومشكلاته وعواطفه فهو الأقرب إلى نفسي . والقص بشكل عام هو من طبيعة النفس البشرية الميالة إلى الحديث عن معاناتها وشجونها والإنسان بطبعه لديه الكثير من الفضول لمعرفة ما يدور حوله وفي عالمه من أحداث".
وأضافت: "برأيي أن حياة الإنسان الأولى بدأت بحكاية .. حكاية الخلق وقابيل وهابيل قصتهما هي بداية القصص فالقصة لصيقة بتاريخ الإنسان وتطوره وفي النهاية الموهبة والميل هو الذي يحدد الجنس الأدبي الذي نكتب فيه" وتنتمي أميمة خضور إلى بيئة ريفية بكل مكوناتها الحياتية والطبيعية وحول مدى انعكاس هذا الانتماء على خصوصية ما تكتبه قالت أن "الريف بشكل عام مشبع بعناصر إنسانية رقيقة بطبيعته وإنسانه وأسلوب حياته ، فالطبيعة المتنوعة التي تشكل لوحة بديعة تطلق العنان للرؤى والخيالات وتغسل من نفوسنا أدرانها وتعيدها إلى طبيعتها الأولى لتعود أكثر نقاء وشفافية وهل تحتاج الكتابة أكثر من ذلك بالإضافة إلى طبيعة العلاقات الريفية التي تحكمها البساطة والعفوية ونقاء السريرة ، وكل هذا –حسب قولها- لابد أن يؤثر بشكل أو بآخر على الإبداع فيكون المداد الذي نكتب به مخضباً برحيق الطبيعة ونفس الإنسان ما قبل التلوث.
ولفتت محدثتنا إلى أنه لا تدعي الاهتمام بتفاصيل البيئة القصصية أو توغل في وصفها فالإنسان عندها هو الأهم بما يفكر ويحس أنه من خلال آلامه وشجونه ومعطيات حياته يحمل بطبيعة الحال بيئته فهي التي شكلته وكونت شخصيته مع معطيات أخرى موضوعية.
وتابعت: "عندما اكتب عن الإنسان واحمل همومه فأنا اكتب عن بيئته أيضاً التي ترتديه ويرتديها فهي تشكل زمرة دمه".
وعن اهتمامها بالجوانب النفسية في تشكيل عوالم قصصها وما مبعث هذا الإهتمام أشارت محدثتنا إلى أن "على القاص أن يفهم شخصياته القصصية التي يصوغها ويدرك العوامل التي شكلت تلك الشخصيات ولابد من الإحاطة بمجمل الظروف والضغوطات الحياتية التي تتعرض لها ليستطيع الكاتب أن يحرك هذه الشخصيات لخدمة الهدف الذي رسمت من اجله القصة ولن يكون ذلك إلا إذا امتلك الأديب القدرة على الغوص في أعماق النفس البشرية من خلال اطلاعه على الكثير من كتب علم النفس والاجتماع ليتسنى له أن يحيط بمجمل الأمراض والعقد النفسية التي يتعرض لها الإنسان في هذه الحياة الصعبة".
رحيق الشعر
وتكتب خضور القصة بـ "رحيق الشعر" وكثيراً ما تبدو قصصها وكأنها قصائد منثورة وحول هذه النقطة تقول :" لغتي هي أنا ، هي أسلوبي في الحياة كما في الكتابة وكما أريد لحياتي أن تكون شاعرية إنسانية لذلك لغتي يجب أن تحمل هذه الطاقة الخلاقة من الشعر واللغة كوعاء للفكر يجب أن تكون أنيقة تليق بهذا الفكر وتحمل نغمة الحياة الأصيلة وعطرها. ولكن هل هناك خشية من الخلط بين نوعين من الفن الشعر والقصة وما الفائدة من هذا التداخل تجيب خضور: "لا أميل إلى القولبة ولا أحس بالتقديس لأية مدرسة أدبية بحد ذاتها فالفن والأدب أكبر من المدارس وأرحب من أي قالب يمكن أن يؤطره ، ومع أنني أدرك القواعد الفنية للقصة والرواية مثلا لكنني أرفض أن تكبلني تلك القواعد فلا ضير من الاختلاط والتداخل بين الشعر والنثر لا خطر لأحدهما على الآخر فكلاهما يكملان بعضهما ويحملان رؤى الإنسان وتطلعاته ويرتقيان به وفيما يخص بمفهومها عن الحرية في الإبداع والواقع قالت خضور: "الحرية غاية الغايات وهي أرقى من أن تدخل في طور الوسيلة" واستدركت: "الحرية هدف الإنسان منذ تكوينه ، إليها يفيء ومن اجلها يناضل ولعينيها يحلو الموت والحرية التي أريدها واعمل من اجلها هي حرية التفكير وحرية الرأي التي لابد عنها فلا احد يمنعني من التفكير كما أريد ومن البوح عما أريد ، الحرية كما أراها ليست ترفا ولا حاجة كمالية أنها نسغ الحياة الإنسانية السليمة الخالية من العقد والانهيارات النفسية… الحرية ليست فوضى إنها التزام ، التزام بإنسانية الإنسان ورقيِّه".
حريق البنفسج
ولدى سؤالها عن رمزية إحتراق البنفسج في روايتها الموسومة بـ "حريق البنفسج" أوضحت ابنة الغاب أن في روح كل منا خميلة بنفسج تروى بذوب المقل .. لكنها مغدورة مخنوقة بالعديد من الأيادي السوداء.
وتابعت: "لأنني لا أريد لها أن تذبح بسكين صدأة تلوثها تشوه نقاءها لذلك فالحرق أنبل فلتحترق تلك الخمائل ويضوع أريجها عله يعطر فضاءنا وليتحول رماد البنفسج الحريق بخورا يعقم عالمنا".
ولدى سؤالها إن كانت ترى أننا نعيش في محرقة كبرى وما الخلاص من ذلك لفتت إلى أن الخلاص من محرقة تهلك وتدمر عالمنا الذي كان جميلا يتطلب التمسك بالمواطنة الصحيحة ولا أقول ذلك من قبيل الشعارات الفارغة انه عشق وتوق فان تحب الوطن، أن تتعبد في محرابه لا بد أن تخلص له ، أن تنذر حياتك بكل أبعادها لإعلاء شأنه وشأن الإنسانية فيه فالوطن بنظري ليس تلك الجغرافيا التي تحضننا وحسب انه الإنسان داخل تلك الجغرافيا فبقدر ما نحب الإنسان ونعمل لأجله نحب الوطن ونعمل لرقيه.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية