أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

سقوط تدريجي لواحدة من المحرمات: صورة رجل الأمن في الدراما السورية

حتى العام 2000، كان تناول رجال الأمن أو الجيش كما يبدو وكأنه من «المحرمات» في الدراما السورية، وكان التطرق إلى أي موضوع يتناول علاقة الأمنيين بالمواطنين أمرا نادرا، ومتاحا في الغالب من باب محاربة إسرائيل، أو «القوى الخارجية» التي تتربص شرا بالوطن العربي.


وتدريجيا، بدأت صورة الضابط، أو من هو أقل رتبة منه، تظهر في الأعمال الدراميّة، في أعمال الكوميديا السوداء بداية، كما في بعض لوحات الأجزاء الأولى من «بقعة ضوء».
في إحدى تلك اللوحات، يتعامل الضابط (فارس الحلو) مع مواطن يائس (عبد المنعم عمايري) يهدد بالانتحار عبر رمي نفسه من الشرفة. ولدى حضور وسائل الإعلام إلى مكان الحادث، اختفت معالم الغضب والتهديد عن وجه الضابط وأخذ يحاور المواطن بطريقة حضارية.

وكلما ابتعدت عدسات آلات التصوير عن وجه الضابط، كان يعود لتهديد المواطن بوجه غاضب وبصوت خافت، طالبا إليه العودة عن الانتحار. فكان يخاطبه قائلا: «يا ابني يا جحش، يا حبيبي يا حيوان.. رح أمنّ لك كل حياتك.. لا تبهدلنا أمام الإعلام»!
في مسلسل «ضيعة ضايعة»، الذي كتبه ممدوح حمادة وأخرجه الليث حجو، وعرض مؤخراً على قناة «أورينت»، أدى الفنان جمال العلي بتألق وبنفس كوميدي شخصية «ياهم لالي». فكان حين يحتج على أمر ما، يمثل صورة الضابط العنيف والشريف في آن. وحين يقبض على أحد بجرم ما يردد: «ولاك .. شو في بعد خلف البحر؟» فيرد المتهم «قبرص». فيقول الضابط: «والله لخلي عواك يوصل لقبرص .. والله ليبّس الأوكسيجين يلي بزلاعيمك».


لم تعترض أجهزة الأمن، على ما يبدو، على تناول صورة الضابط أو العنصر الأمني في الدراما، أو على انتقاد طريقة عملها، من قبل مؤلفين ومخرجين أداتهم هي الصورة لا غير. خرج إلى الإعلام فقط اعتراض إدارة الأمن الجنائي في سوريا، على إحدى حلقات «بقعة ضوء»، وعنوانها «كارت عزيمة»، أدّى خلالها الفنان باسم ياخور دور ضابط شرطة. وقد توعدت الإدارة آنذاك «الذين يسخرون ممن يسهرون على أمن الوطن».
وعلق يومها ياخور على الوعيد بقوله لوسائل الإعلام «إلى كل جهة حكومية تغضب من عمل تلفزيوني درامي يلامسها من قريب أو بعيد، نحن لا نقدم برنامجاً وثائقياً بل عملاً درامياً. والعمل الدرامي، وخصوصاً الكوميدي منه، قائم على فكرة المبالغة وتضخيم التفاصيل والعيوب. فهذا جوهر الكوميديا... ثم إن «بقعة ضوء» مسلسل له أجزاء سابقة تناولنا فيها الكثير من التفاصيل والظواهر والشرائح ومنها الأمن الجنائي. ولم يحدث رد الفعل الغاضب هذا. كما إن النبع الحقيقي لـلمسلسل هو ما يحدث في الواقع، ولو مع شيء من التضخيم الفني... لكن تبقى البذرة موجودة، ولا نار بلا دخان».
بدوره، انتقد مسلسل «أيام الولدنة»، وهو من تأليف الكاتب حكم البابا، أداء أجهزة المخابرات بشكل لاذع، وصل البعض إلى حدّ وصفه «بالتجنّي غير المبرر».
وأدى الفنان دريد لحام في العمل شخصية ضابط كبير في المخابرات، يتّبع أساليب عصرية و«متحضرة» في ترويع المواطنين، بلا عنف أو تعذيب، بينما يؤدّي ياخور، وهو ضابط «صغير» في الفرع، الشخصية العنيفة المستفزة.
ويعرض العمل الرشى وحتى أعمال العنف الذي يمارسها الضابط بحق المواطنين، وكذلك الأساليب الملتوية داخل الفرع الذي يرأسه الضابط الكبير.
كل تلك الصور للأجهزة الأمنية في الدراما، كانت تفتن المشاهدين السوريين لنقلها نماذج عرفوها «عنيفة». فكانوا يضحكون أحياناً ويحزنون في أحيان أخرى.
وفي تحليل للناقد أدوين ميور في أحد كتبه قال: «إن فتنة مشاهدة أعمال العنف عسيرة على التفسير»، طارحا أسئلة أبرزها: «لماذا ترانا نتلذذ حتى بوصف رديء لأعمال العنف، إننا نميل إلى الشعور بأن حياتنا يعوزها العنف فنريد رؤية ما نفتقده فيها. إننا عدائيون نتمتع بمشاهدة العدوان. ظلمتنا الحياة فنريد أن نرى الآخرين يُظلمون أكثر منا».
هل الأمر هو فعلا كذلك، أم إن هناك تفسيراً آخر لصورة الضابط العنيف الذي يضحكنا.. نحن، «البسطاء».

خالد سميسم - السفير
(153)    هل أعجبتك المقالة (121)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي