كان مسلسل (ماملكت أيمانكم) أحد أكثر الأعمال الدرامية المقدمة في دورة رمضان 2010 إشكالية وإثارة للجدل بدءاً بالعنوان ومروراً بالأفكار والحالات التي طرحها. فقد أقدمت كاتبة النص الدكتورة هالة دياب على إزاحة الستار بجرأة منذ الحلقات الأولى عن موضوعات تجنبتها الدراما السورية أو عرضتها بشكل سطحي وهامشي كموضوعي التطرف الديني والتحرش الجنسي بين طلاب المدارس. والموضوع الأول جذبَ عدداً كبيراً من المتدينين للهجوم عليها على صفحات الإنترنت، ودفعَ مخرجَ المسلسل نجدة أنزور للتصدي لهم طالباً التريثَ إلى حين انتهاء العمل حتى تكتمل مقولاته وتتضح.
يروي المسلسل قصص سبع صديقات تعارفن في معهد لتعلم اللغة الإنكليزية، مسلّطاً الضوءَ على حياة كل منهن العائلية والعاطفية والنفسية، ومضيفاًّ أثناء ذلك خطوطاً قد تكون أكثر أهمية من قصص النساء أنفسهن. فمن حكاية ليلى ينتقل إلى أخيها توفيق المتطرف دينياً، ومن حكايتي عليا ونادين يكشف عن العلاقات الشاذة بين طلاب المدارس وتوريط بعض المدرسين بها.
ركّزت الكاتبة على خط التطرف الديني بكثافة ليصبحَ الخط الأبرز في المسلسل. وكشفت عن ازدواجيات (توفيق) المتعددة، فهو يبيح لنفسه العلاقات غير الشرعية ويعاقبُ شريكاته فيها، ويقيم حدّ الزنا على أخته لمجرّد الظن والشبهة.
وبينما تنطوي نفسه على الخبث والمكر والحقد والكراهية يؤمن في نفس الوقت بكل ما يفعل ويفكر، وهذا مصدر قوته وانحرافه الذي يقوده إلى الأعمال التخريبية والعدوانية. أشبعت الكاتبة هذا الخط بحثاً ومعالجة مميزة بينه وبين الاعتدال الديني دون أن تسقط في التنظير الجاف، وأمسك الفنان مصطفى الخاني بمفاتيح الشخصية ومفرداتها فأدّاها بشكل رائع ومميز، وجاء العملاق أنزور ليضع بصمته الفريدة على كل مشهد فقدموا شخصية طازجة ورسالة إنسانية بسيطة اللغة وعميقة المحتوى.
نالَ خط (ليلى/ سلافة معمار) الاهتمام الأكبر بين زميلاتها، وقد مثلت الصراعَ بين النهج الديني المحافظ والعلمانية المتحررة، فتاقت للحب ورفع الحجاب، وتعرّضت بسببهما لعنف أخيها توفيق وعنفها هي معاقبة جسدها كلما باح برغباته المحرّمة. ورغم أنّ والدها كان مؤمناً صالحاً بعكس أخيها إلا أنه لم يشكل نقطة توازن لديها. فشخصيته المعادلة للمطلق الروحيّ سموّاً ومحبة وتسامحاً ولغة جعلته أشبه بالإله منه بالإنسان. والابنة التي اعتادت مخاطبة أبيها ب (الحجي) لابد أن تشعرَ بانفصاله عن الواقع وعجزه بالتالي عن حمايتها من جور أخيها.
هكذا بدا الطريقُ أمامها مسدوداً فمنحتها الكاتبة حلاً سحرياً: الزواج من رجل متفهم والانتقال إلى بيئة متحررة (باريس). هناك قبضت ليلى على حريتها كما تقبض على جمرة ملتهبة، وأطلقت ذاتها من قلب النار التي تئزّ داخلها. بعيداً عن تقييم هذه الشخصية وسلوكها وخيارها، كانت هي الوحيدة تقريباً بين زميلات دورة اللغة التي عرفت ماذا تريد ومشت إلى هدفها.

في خط (نادين/ يارا أحمد) عرضت الكاتبة أسرة مثقفة ومتحررة وقائمة على الحوار. مع هذا تتعرض الابنة نادين لإخفاقات عاطفية متتالية وحادّة، فما الذي تريد الكاتبة قوله هنا؟ وإذا كانت ترى أنّ بيئة ليلى المتزمتة لاتنتج صحة نفسية، فكيف تفسّرُ تعرّض أفراد عائلة نادين للأزمات النفسية وعدم قدرتهم على مواجهتها أو الخروج منها؟ إنها تعلن فجاءة في آخر حلقة انتهاء مشكلة الأب الذي اتهم ظلماً بالتحرش الجنسي بأحد طلابه معتمدة على الصدفة ودون تقديم أية إيضاحات أو تفاصيل.
كذلك بدت (عليا/ ديمة قندلفت) ضعيفة وتائهة كقشة في مهب الريح.
حاولت الكاتبة أن تقدّمها ضحية للفقر والحاجة والرجال الفاسدين، لكنها لم تكن مقنعة في رسم شخصيتها، ولم تمنحها المبرّر الكافي لأفعالها. فعليا التي تبيع نفسها من أجل شراء كرسي بعجلات لأبيها المشلول تعمل في صالون فخم للحلاقة والتجميل، وكذلك أمها خياطة للنساء الثريات، بالإضافة إلى أخيها الذي يعمل في ورشة للسيارات بعد دوامه المدرسي، ولابدّ أيضاً أن والدها الطيار المصاب يملك راتباً تقاعدياً، فكيف ولماذا تبيع نفسها من تعيش في عائلة جميع أفرادها منتجون؟!
ولماذا تستسلم لنسيب بسهولة فائقة بعد عودتها من الخليج تحملُ مؤخّر صداقها الكبير؟! ولماذا تقرّر فجاءة أن تسير في طريق مستقيم بينما لم يمنعها قبل ذلك رفضُ أبيها وأخيها؟ّ! بكل الأحوال إن عدم تبرير سلوك الشخصية لايقلل من الأداء الجميل للفنانة ديمة قندلفت.
نموذج عليا وبنات الليل (غرام وزينة) طرح كثيراً في الدراما السورية، وحبذا لو اكتفت الكاتبة بواحدة منهن حتى لاتجرّ المسلسل إلى التقليد والتكرار، خاصة وأنّ نهاياتهن جاءت متشابهة من حيث خسارتهن للعائلة. وكذلك لم يضف خطا (جاكلين ودانيا) شيئاً للمسلسل وكان يمكن الاستغناء عنهما.
حاولت الكاتبة أن تقدّم نسيجاً درامياً غنياً ومثيراً، لكنّ كثرة الخطوط أربكتها فلم تستطع متابعتها ومعالجتها بنفس السوية. أمّا دورة اللغة التي جعلتها حاملاً للشخصيات الرئيسة فقد ظلت رابطاً خارجياً غير مؤثر في الأحداث، وبقيت حكايات الصديقات منفصلة باستثناء تدخل غرام في حياة عليا ومساعدة ( دانيا) لعائلة نادين مادياً.
احتج البعضُ على اقتباس عنوان المسلسل من آية قرأنية، ولعلّ المشكلة لاتكمن في حق الاقتباس من القرآن، بل في عدم شمولية العنوان للحالات المطروحة. فإذا كان يعبّر عن موقف (توفيق ونسيب) السلبيّ من النساء، فإنّ نظرة متأملة إلى معظم الصديقات تكشف أنهن كنّ يتحرّكن كالمخدرات أو المسلوبات، وأنهنّ من قدنَ أنفسهنّ بغباء وعناد إلى مذبح العبودية راضيات أن يكنّ جواريَ رغم نصرة هذا الزمن لحريتهن.
إن نقاط الضعف التي نوقشت هنا لاتهدف إلى التقليل من شأن النص، بل يجب أن تكون حافزاً للكاتبة التي منحت عملها الكثير من القوة والفرادة والتميز أيضاً، ويكفيها أنها استطاعت لفت الأنظار وتحريك الراكد والمسكوت عنه في الدراما السورية في صيغة إنسانية مؤثرة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية