رأى المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" الدكتور عزمي بشارة، أن فلسطين تقف عند مفترق طرق حالياً، بين تصفية قضيتها والتفريط بدماء أبنائها وتضحياتهم، أو إيجاد حلّ عادل لها لا يمكن التوصل إليه إلا بتوحيد كل الفلسطينيين في إطار واحد يترجم الإنجازات العسكرية للمقاومة إلى نتائج سياسية تخدم قضيتهم. كما نفى بشارة التوصل حتى الآن إلى اتفاق للتهدئة في غزة ولإطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين مقابل أسرى فلسطينيين، وتوقع أن يكون ردّ المقاومة الفلسطينية على مسودة الاتفاق الذي اقترحته قطر في الأساس، مفصّلاً وليس على طريق نعم أو لا.
وفي حين أشار المفكر العربي إلى وجود انتقام أميركي من المقاومة وليس فقط من قبل إسرائيل، فإنه وصف مشروع الدولة الفلسطينية كما تقترحه إدارة الرئيس جو بايدن بأنه مجرد تحويل اسم السلطة الفلسطينية إلى دولة فلسطينية. كما جزم بأن أميركا غير مشغولة بإيجاد حل وبوقف الحرب، بل بإرساء ترتيبات تعيد التطبيع بين إسرائيل وبقية الدول العربية التي لم تطبع علاقاتها بعد مع تل أبيب.
وفي ما يتعلق بالقصف الأميركي لمواقع مليشيات حليفة لإيران في العراق وسورية، وصف بشارة ذلك بأنه رد محسوب لن يتطور إلى حرب أميركية ــ إيرانية، وهو ما رجّح أن يسري أيضاً على القصف المتبادل بين حزب الله ودولة الاحتلال، مستبعداً ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل من دون انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا.
فلسطين ومفترق الطرق
وأعاد بشارة، في حوار خاص مع التلفزيون العربي من مدينة لوسيل في دولة قطر، وصف وثيقة حركة "حماس" الصادرة قبل نحو أسبوع بأنها بناءة وجيدة ويمكن البناء عليها، ولفت إلى أن "حركة المقاومة الإسلامية" تريد أن تكون جزءاً من الحراك السياسي في المنطقة وقد اكتسبت شرعية كبيرة.
وانطلق من هذا التوصيف للتذكير بأن ترتيبات تجري لما بعد الحرب على غزة من قبل أميركا وبعض الدول العربية حول كيف تكون غزة من دون حركة حماس، وحذّر من أنه لو كان هناك طرف في القيادة الفلسطينية مشاركاً في هذا المخطط، فإن هذا يعني تفريطاً بكل ما قدمه الشعب الفلسطيني من تضحيات وبإنجازات المقاومة. أما إذا كانت هناك قيادة فلسطينية ترفض ذلك، وتعتبر أنه الآن هو الوقت المناسب لتوحيد الفلسطينيين لأن الخطر يطاول جميع الأطراف ومن ضمنهم جزء من السلطة الفلسطينية، فإنها ستجد أن الحل يكمن في التصدي لهذه المخططات وترجمة قوة المقاومة سياسياً، من دون الاتفاق بالضرورة مع حركة حماس على كل العناوين. كلام خلص منه إلى أن القضية الفلسطينية تقف اليوم عند مفترق طرق: إما تصفيتها والتفريط بالدماء أو التوصل إلى حل عادل لها، وهذا ما يستحيل حصوله بحسب المفكر العربي إلا بتوحيد الفلسطينيين في إطار موحد مثل منظمة التحرير الفلسطينية وانضمام حركة حماس إليه.
وفي سياق متصل، شدد بشارة على وجود انتقام أميركي من المقاومة وليس إسرائيلي فقط على اعتبار أن عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول أعاقت مشروعاً أميركياً كبيراً ينص على إقامة تحالف عربي ــ إسرائيلي يقف في وجه إيران، يُضاف إليه تحالف هندي أوروبي يعرقل مشروع طريق الحرير الصيني ويسمح لأميركا بإيلاء منطقة جنوب شرق آسيا الأولوية بدل الشرق الأوسط. لكن هذا الموقف الأميركي من "حماس" بدأ يلين بحسب تقدير بشارة لأسباب عديدة من بينها ضغط الرأي العام الأميركي وقرب موعد الانتخابات الأميركية، ثم بدأ يظهر خطر آخر على التطبيع هو السلوك الإسرائيلي وليس فقط "الحمساوي". وفي تحليل بشارة، دفع كل ذلك واشنطن لكي تبدأ الضغط على تل أبيب منذ فترة في سبيل الدخول في مرحلة جديدة من الحرب ولتحديد ملامح "اليوم التالي" لما بعد انتهاء العدوان.
لا اتفاق حتى الآن للتهدئة والتبادل
ورداً على سؤال حول معلوماته عن ما وصلت إليه المسودة القطرية لاتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، أوضح بشارة أن لا اتفاق حتى الآن، بما أن حركة حماس لم ترسل ردها إلى الوسطاء بعد. وتوقع أن يكون ردها مفصلاً "وليس على طريقة نعم أو لا"، أي أن مسؤولي "حماس" قد يضعون تفاصيل من وجهة نظرهم للمراحل الثلاث بما تتضمنه من تخفيف معاناة الناس وصولاً إلى تفاصيل إدخال مساكن جاهزة بدل الخيم وبدء إعادة الإعمار ومستشفيات ميدانية وإخراج الجرحى وحديث عن تهدئة شاملة بضمانات.
وشرح بشارة بعض ما يتضمنه مشروع الاتفاق الذي اقترحته دولة قطر في مؤتمر باريس والذي ينص على 3 مراحل، أولها يتم فيها تبادل المحتجزين الإسرائيليين بدءاً من المسنين والمرضى مع أسرى فلسطينيين لـ45 يوماً يتم التفاوض خلالها على المرحلتين الثانية والثالثة. في الثانية يُطلق سراح الجنديات الإسرائيليات، ثم في المرحلة الثالثة يفرج عن الجنود الإسرائيليين الرجال وما تبقى من رجال مدنيين، وأيضاً خلال تلك المرحلة يبدأ الحديث عن "تهدئة" كون الإسرائيليين يرفضون الحديث عن وقف إطلاق نار "يثير حساسيات سياسية داخل الحكومة الإسرائيلية". وتابع أنه في المراحل الثلاث، يفترض أن تدخل مساعدات إنسانية إلى القطاع. لكن بشارة تابع أنّ لا ضمانات بأن هذه التهدئة سترسي وقفاً دائماً لإطلاق النار، مع أن الأميركيين يحاولون إقناع الوسطاء والأطراف بأنه بعد 120 يوماً يصعب أن تعود الحرب، لكن هذه ليست ضمانة خصوصاً في ظل هذه الحكومة اليمينية الإسرائيلية بحسب تعبير الدكتور عزمي بشارة.
ماذا تريد أميركا فعلاً؟
وفي إطار متصل، جزم بشارة بأن لا ضغط أميركياً جدياً على إسرائيل لتوقف الحرب، مع أن بايدن قادر أن يفرض قراره على نتنياهو لو أراد ذلك. وذكّر بشارة بأن هناك اعتماداً إسرائيلياً مطلقاً على أميركا للاستمرار في الحرب، لا في السلاح حصراً بل في الذخيرة أيضاً، وهذا يعطي أميركا القدرة للضغط على إسرائيل حين تريد وهذا ما لم تفعله بعد "ولا أعرف إن كان ذلك سيحصل في سنة انتخابات".
وبرر ذلك بأن انشغال أميركا ليس بالحل ولا بوقف إطلاق النار ولا بوقف المعاناة إنما انشغالها بإرساء ترتيبات قد تعيد التطبيع بين إسرائيل والدول العربية. في هذا السياق يندرج، وفق تقدير بشارة، الحديث اللفظي عن الدولة الفلسطينية "الذي لا يغير من الواقع شيئاً أي إعطاء وعود لفظية إلى الدول العربية في مقابل التطبيع، علماً أن المطروح أميركياً يقوم على تغيير تسمية السلطة الفلسطينية إلى الدولة الفلسطينية".
وعاد بشارة هنا إلى أن (الرئيس الراحل ياسر) عرفات وافق على خريطة الطريق الأميركية عام 2002 كما هي، بينما (رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق أرييل) شارون رفضها وانسحب من غزة لإحباط مشروع الدولة في الضفة وغزة ووضع شروطاً على الدولة الفلسطينية تفرغها من أي مضمون وقتل عرفات عام 2004.
واختصر بشارة الواقع بأن "من قتل ورفض كوفئ (شارون) ومن وافق على خريطة الطريق اغتيل" (في إشارة إلى عرفات). وعن هذا الموضوع تابع بشارة قائلاً: كذلك الحال اليوم بالنسبة إلى بايدن، فحل الدولتين بالنسبة إليه نظري، يقوم على الاعتراف بالسلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع وربما مستقبلاً يعترف بدولة من دون سلاح وليس على حدود العام 1967، لأن كل هذا ليس مطروحاً بالنسبة لبايدن اليوم كونه يعتبر أنه لا توجد قيادات فلسطينية وإسرائيلية جاهزة لهذا الأمر.
الإعلام العبري
وفي إطار رصده الأجواء الإسرائيلية التحريضية والعنصرية الدموية اليوم، توقف بشارة عند أحوال الإعلام الإسرائيلي، واصفاً إياه بأنه "إعلام شمولي موجه باتجاه التحريض على الحرب والمزايدة في من يحرض أكثر عنصرياً ودموياً، ومن بين النقاشات أسئلة عن لماذا نسمح بإدخال الطعام والدواء إلى غزة؟". وجزم بأن "الرأي الآخر من نوع يجب وقف الحرب أو عرض القصص الإنسانية للغزيين غير موجود (كتيّار) في الإعلام الإسرائيلي حالياً".
ووجد بشارة أن الخطر يكمن في أن هذا الخطاب ينتقل إلى المؤسسات الثقافية والأكاديمية في إسرائيل، "كذلك هناك شعور بأن جزءاً كبيراً مما يُبث مصدره الجيش وجزء كبير منه أكاذيب واختلاق بشكل بدائي ونظريات مؤامرة". وبعدما استعرض بشارة واقع الإعلام العبري بهذه العبارات، خرج بنتيجة أن هذه من أسباب قد تجعل المراقب يستبعد حصول اتفاق تهدئة وتبادل أسرى، لأن لا تحضير لوقف إطلاق نار في إسرائيل بل تأجيج وتجييش وتصعيد حربي ضد غزة وضد لبنان على حد تعبيره. وعلى هامش تعليقه هذا، أشار مدير "المركز العربي" إلى أن "المجتمع الإسرائيلي مصدوم من جهله بغزة وبقدرة المقاومة على الصمود، كذلك حال أميركا وعدد كبير من الدول العربية أيضاً".
المنطقة العازلة
وعلّق بشارة في حديثه مع التلفزيون العربي على تجريف الاحتلال المناطق على طول الحدود مع غزة بمساحة نحو 40 كيلومتراً مربعاً لإنشاء منطقة عازلة هي "جزء من مشاريع اليوم التالي ليكون هناك نوع من الجدار وخلفه منطقة مفتوحة بعد هدم آلاف الوحدات السكنية بما يسمح بنجاح خطتهم للتحكم في غزة ولتكون لديهم نقاط مراقبة دائمة وإشراف أمني على القطاع بما يشبه الحاصل في الضفة الغربية". وفي غضون ذلك، توقع بشارة أن يكون هذا الموضوع جزءاً من رد حماس على اقتراح اتفاق غزة.
وعن مجرى العدوان، لاحظ بشارة أن "الوجود الإسرائيلي المكثف حالياً في غزة يتركز اساساً في خانيونس وشمال ما يسمونه وادي غزة (وسط القطاع) وهم يعدّون العدة للتوجه إلى رفح لكنهم لن يستطيعوا دخول منطقة رفح من دون تهجير سكانها من جديد إلى الشمال، لذلك ربما يخططون لفعل ذلك بعد انتهاء وقف إطلاق النار" (في حال حصل).
وأوضح في تحليله لمجرى الحرب أنه في خانيونس، القصف والتدمير والقتل أكثر بدرجات مما فعلوه في الشمال والوسط، لذلك أيضاً المقاومة شرسة جداً هناك، بحسب تعابيره. وخلص إلى أن الإسرائيليين ينظرون إلى غزة "لا قضية شعب 80 في المائة منه من اللاجئين، بل من زاوية أمن المستعمِر فقط". وعن إدارة محور فيلادلفيا مستقبلاً، توقع بشارة حصول خلاف مصري إسرائيلي حول ذلك.
الحرب على "أونروا"
وبالنسبة للحملة على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، أحال بشارة المشاهدين إلى حقيقة أن إسرائيل لم تعترف يوماً بـ"أونروا" ولم تسمح لها بالعمل داخل حدودها وهذه الوكالة لها فضل كبير في تعليم الفلسطينيين خصوصاً، ولكن طوال الوقت كانت إسرائيل تحاول إقناع الدول الغربية بالتوقف عن تمويلها وذلك بهدف تصفية القضية الفلسطينية. واستعرض بشارة كيف حقق مشروع تصفيتها قفزات خلال رئاسة دونالد ترامب وإدارته التي تألفت من بعض المستوطنين، لكن التمويل عاد مع إدارة جو بايدن.
وبعد هذا الاستعراض، توقف بشارة عند أكثر ما هو لافت في قضية اتهام الموظفين الـ12 بالتورط في عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وهو السلوك الأميركي والغربي في وقف تمويل "أونروا"، "وهو سلوك استعماري عنصري، لأنه يقوم على التعامل معنا (كعرب) ليس كأفراد يتحملون مسؤولية أفعالهم، بل كجماعات تعاقب جماعياً". وتساءل في هذا السياق عن سبب عدم تقديم دول مثل الصين وروسيا مثلاً تمويلاً كبيراً لوكالة "أونروا"؟
الضربات الأميركية
وفي الجزء الأخير من حوار التلفزيون العربي مع مدير "المركز العربي"، شدد بشارة على أن الضربات الأميركية على مواقع لمليشيات مسلحة حليفة لإيران في العراق وسورية رداً على مقتل الجنود الأميركيين الثلاثة الأسبوع الماضي، "لا تزال من ضمن الرد المحسوب وسيكون الرد مضاعفاً لكنه لن يتطور إلى حرب أميركية ــ إيرانية لأن لا أميركا ولا إيران تريدان حرباً مباشرة". ولفت إلى وجود قضايا عالقة بين الطرفين لا علاقة لفلسطين بها، مثل هوية المسيطر على العراق، بالتالي أساس الصراع ليس غزة بل النفوذ في المنطقة. أما بالنسبة لترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، فهو سيكون "شبه مستحيل من دون إعادة مزارع شبعا"، بحسب تقدير بشارة، مكرراً توقعه ألا تصل الاشتباكات بين حزب الله ودولة الاحتلال إلى حرب شاملة.
عن "العربي الجديد" - مختارات من الصحف
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية