كنت أناقش موضوع سفر الرئيس محمود عباس إلى قطاع غزة مع عدد من الأصدقاء منذ فترة ليست بالقصيرة، فترة تمتد إلى الحرب الغادرة التي شنتها دولة العدوان على القطاع وفعلت كل ما بوسعها من اجل قتل وجرح اكبر عدد من أبناء القطاع دون تمييز بين من هو - حمساوي او فتحاوي او مسلم او مسيحي او رجل او امرأة-، وتدمير اكبر قدر من ممتلكاتهم، لا بل تدمير كل ما يمكن تدميره، والاهم هو قتل روح لمقاومة والرفض للاحتلال وكل ما يترتب عنه، وكانت الآراء في حينه تتفاوت ما بين مؤيد ومعارض، وكان من يعارض يشكك في إمكانية نجاح تلك الزيارة في جسر الهوة بين "الاخوة الأعداء"، أو خشية على سلامة الرئيس من موتور او حاقد او غاضب قد يقوم بعمل أهوج، وهذا ما قد يزيد من تعقيدات الوضع بدلا من حلحلة الأمور.
لقد كنت دوما ولا أزال مع الموقف الداعي إلى أن يقوم الرئيس أبو مازن بزيارة قطاع غزة، فهذا القطاع وبرغم كل ما جرى وبرغم كل ما يقال، يبقى من مسؤوليته كرئيس منتخب من أبناء شعبه، بغض النظر عما قد يقوله البعض عن انتهاء ولايته وما إلى ذلك، فالكل الآن منتهية ولايته، والكل الآن بهذا المعنى غير شرعي، ولا يجوز أن تعطى الشرعية بشكل انتقائي لأننا ندعم هذا او نقف ضد ذاك، فالرئيس ومهما كانت الظروف هو رئيس السلطة الفلسطينية، لقد كنت دوما مع الزيارة وأن على السيد محمود عباس أن يقوم بها مهما كانت الحجج التي قد يسوقها من هم ضد مثل هذه الزيارة.
إن من غير المنطقي او المعقول أن يصرح من صرح من الاخوة في حماس بان على الرئيس الفلسطيني إذا ما أراد أن يقوم بزيارة إلى غزة، أن يتقدم بطلب إلى حكومة غزة، لان غزة جزء لا يتجزأ من أراضي السلطة الفلسطينية والتي هي عمليا من مسؤوليات الرئيس، إن مثل هذا التصريح إنما يدلل على عقلية لا رغبة لديها بكل ما يقال عن المصالحة، وهي بالضرورة تصب في تعميق الانقسام وتجعل كل ما يقال عن رغبة - حمساوية- بإقامة إمارة إسلامية حمساوية في القطاع اقرب إلى الحقيقة من أي شيء أخر، إن من المستغرب أن تتم مثل هكذا تصريحات في ظل كل ما يدور من حراك وحالة تضامن دولي مع الشعب الفلسطيني وخاصة فيما يتعلق بالحصار، أما إذا اعتقد الاخوة في حماس بان هذا الحراك والتضامن العالمي وكل هذه الحركة للسفن الإنسانية هي تضامنا مع حركة حماس، فإنهم يعيشون في حالة من الوهم، لان حركة التضامن هي مع الأطفال والنساء والمرضى، مع الناس "الغلابا" الذين أثقل كاهلهم الحصار وقتل المئات منهم. هذا عدا عن ان مثل هذا الاعتقاد لدى الاخوة في حماس، يجعل من محاولات الدعاية الإسرائيلية من ان هؤلاء إنما متضامنين مع حركة حماس - المصنفة كحركة إرهابية بحسب أميركا والغرب بشكل عام- دعاية ناجحة قابلة للتصديق، ولا نعتقد بان الشعور السائد لدى الاخوة في حماس بان هذه الحركة التضامنية هو شعور صحيح، لأن هؤلاء إنما يتضامنون مع إنسانية الإنسان ومع حقه بالعيش والعلاج والسفر، هؤلاء لا يستوعبون ان طفلا يمكن ان يحرم من العلاج، او ان شخصا يمنع من السفر والحركة خاصة في الألفية الثالثة، ومن هنا فان على السادة في حماس ان يتريثوا قبل القفز إلى الاستنتاجات.
حالة التضامن الدولي لا يجب ان يتم استغلالها لتحقيق أغراض حزبية او فصائلية مهما كانت المبررات، ويجب استغلالها من اجل فضح سياسة العدوان التي تمارسها دولة الاغتصاب، لا ان تحاول حماس استثمارها من اجل وضع مزيد من العراقيل في دواليب المصالحة، طمعا في الحصول على ما تعتقد بأنه يشكل مزيدا من الاعتراف بها، لان من شأن ذلك ان يشعر هؤلاء المتضامنين بالقرف والتردد، لأنهم عندما يأتون إلى غزة، فإنما يأتون بدوافع إنسانية لا حزبية، وعندما يأتون حاملين معهم الأدوية وغيرها من المساعدات الإنسانية فليس في نيتهم ان تكون هذه للمرضى او غيرهم من حركة حماس فقط، إنهم يحملونها لمرضى القطاع بغض النظر عن انتمائهم او عقيدتهم.
محاولة استثمار الحصار وكل ما يجري من حراك بهذا الشكل - الرخيص- لن يكون مفيدا لأي كان، ومحمود عباس لا يحتاج إلى تصريح من احد، وعلى أبو مازن ان يتجه إلى غزة، ونحن على ثقة بان أحدا لن يجرؤ على الوقوف في طريقه، وإذا ما حدث وأعمى الله بصيرة احدهم في محاولة لمنعه من الدخول إلى قطاع غزة، فلسوف تكون الطامة الكبرى التي سوف تكشف عورة من يدعي انه يرغب بالمصالحة، ومن هنا فإننا نعتقد بان حركة حماس او على الأقل العقلاء من أبناء هذه الحركة، سوف يقومون بتسهيل كل ما يتعلق بها، ونحن على ثقة بان المخاوف التي كان يرددها البعض او الخشية على حياته، إنما لا مبرر لها، خاصة في هذه الأوقات، وسوف تكون حركة حماس اشد حرصا على سلامته لو قام بهذه الزيارة أكثر من أي وقت مضى، لأنها ترعب في إرسال رسالة إلى كل من يهمه الأمر، بان الأمور في القطاع تحت السيطرة، وانها ترغب في وصل حبل الود والمصالحة لا تعقيد التوصل إليها، ومن هنا فإننا ندعو الرئيس محمود عباس للقيام بمثل هذه الزيارة في أسرع وقت ممكن، لأنها سوف تصب بكل تأكيد في مصلحة إنهاء الانقسام وإعادة اللحمة إلى جناحي الوطن.
23-6-2010
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية