أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

وليد جنبلاط:"... إذا لم تستح فافعل ما شئت." .. مهى عون


 
 يتميز نهج وليد جنبلاط بالتعاطي مع الشؤون السياسية بطابع التسرع بشكل عام، وصولاً إلى التهور أحيانا في إطلاق التصريحات، وإعلان المواقف، بدليل أنه غالباً ما يهرول بعد إطلاقها بفترة وجيزة، إلى الرجوع عنها، مضطراً أحيانا إلى الاعتذار حتى تسحب أقاويله من التداول، ولتهمد وتهدأ عاصفة الردود والردود المضادة التي تكون قد أثارتها .
وهذا التسرع الذي يميز المراهقة السياسية إنما هو متأتي من الكبرياء والادعاء، ومن التفرد في أخذ القرار.ولو تواضع وسمع من مستشاريه والمقربين منه ومعاونيه لتفادى الوقوع بمطبات ومغالطات كثيرة . ولكن وليد جنبلاط هو زعيم لعشيرة إو لقبيلة، أكثر منه لحزب يسود التعاطي ضمنه نظام ديمقراطي صحيح. هناك أحزاب عائلية أخرى في لبنان ولكن يتم تغيير الرئيس فيها بموجب انتخابات ديمقراطية.
ولكن جنبلاط يملك موقعاً طائفياً بالوراثة، يعود لعائلته أباً عن جد ، يترأسه منذ عقود ويحضر لتوريثه دون أن يساوره أي عقدة ذنب في ذلك. وإن يرث الزعامة لم يكن كافيا على ما يبدو حتى يتحول إلى رجل سياسة بملء ثيابه، وبكل معنى الكلمة. قيل له أنه يترأس حزباً اسمه " الحزب الاشتراكي"،ولكن أنى له والاشتراكية، فهو يتصرف بفاشية مفرطة، بل يجلس في قلب الفاشية ويهاجمها ويستحضر مقولات وتعابير منمقة وعلمية في سبيل ذلك، ولكن ذلك لم يؤدي حتى الساعة إلى تغيير الانطباع الذي كونه الشعب اللبناني عنه .
    في الحقيقة وليد جنبلاط ليس متوازناً في غالبية طروحاته. وعلى سبيل المثال نراه كل مدة يتغنى ويرفع شعار "الناصرية" وينتقد الأحزاب التي يسميها "يمينية"في مناهضتها التاريخية لها، وينسى وهو "اليساري"، وربما لا يعرف بأن عبد الناصر كان يرمي "الشيوعيين"و"اليساريين" في غياهب السجون بتهمة التآمر والخيانة الوطنية. ولكنه لا يفتش بعيداً، جل ما يهمه هو تطعيم خطابه بتعابير وألفاظ وإيديولوجيات،درجت موضتها في الستينات والسبعينات،وكان يرددها الناس في المقاهي وضمن حوارات ما يسمى بال"مثقفين"حينها.
يبرر تغييرات مواقفه العديدة قائلاً بأنها "عودة إلى الثوابت". والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا :إذا كانت فعلاً هذه الثوابت على نحو ما يدعي، والعودة إليها كما "العود أحمد": لما إذاً التسرع كل مرة للخروج عنها، ولما لا يسعى وليد جنبلاط للتمسك بها والبقاء عليها ، حتى يستحق التوصيف المشهور بأنه "إبن يملك سر أبيه". ألم يدرك وليد جنبلاط حتى الآن بأن القفز من موقع إلى آخر لم ولن يساهم سوى في تشويه سمعته السياسية ، ناهيك عن انعكاس هذه الصورة على الطائفة التي يتزعم؟
ألم يدرك بعد بأن الهجوم على مواقعه السابقة ولا سيما من سماهم ب"اليمين" لن يساهم بتعزيز ودعم صدقيته تجاه انتماءاته الجديدة.ففريق 8 آذار يدرك كما سواه بأن حامل الصفة مرة، سوف يحملها كل مرة. وبالتالي هل يعي وليد جنبلاط بأن "اليمين الغبي"إن اكتفى بالتعبير عن استيائه وشجبه حيال هجومه الأخير بالمواقف والتصريحات، فمن غير الضروري أن يتصرف الفريق الآخر أي فريق 8 آذار بنفس الطريقة، الذي قد يستعمل وسائل أخرى للإقناع، ولتلقين الدروس، وللتعبير عن سخطه وعدم رضاه.
       .يبقى أن تغيير المواقف في السياسة هو أمر معقول ومقبول إلى حد ما. ولكن الذي لا يجوز هو أن يتم نقض مجمل المواقف السابقة دون إعطاء أي تفسيرات أو تبريرات مسبقة. لا يمكنه أن يبرم ويقول للناس تعالوا فاتبعوني. وحتى لو أعطيت التبريرات ، فرجل السياسة الذي يتخلى عن  قناعاته عليه بالتالي أن يتخلى عن موقعه، وذلك بدافع احترام عقول الناس.هذا في حال كانوا أناساً، أما في حال كانوا غنماً، فموضوع التبريرات يصبح من أساسه غير مطروحاً،  كون تصرف الزعيم حينها يندرج تحت عنوان تصرف زعماء العالم الثالث أو قادة جمهوريات الموز.
    وفيما خص مهزلة الكلام عن "العمال ". يعتبر وليد جنبلاط بأن "الانتصار الوحيد هو في إعطاء العمال حقوقهم".ولكن عن أي عمال يتكلم؟ وهل نحن في مجتمع صناعي متطور يوظف قطاعاً واسعاً من اليد العاملة .
 اليد العاملة في لبنان أكثريتها متواجدة في الحقل الزراعي. وفي الجبل على وجه الخصوص، فالعمال ليسوا سوى مجموعات من الفلاحين والمزارعين الذين يعتاشون من تربية النحل أو من قطاف الصنوبر،أو من زراعة الموز. يتكلم عن المبادىء اليسارية وعن حقوق العمال ويعتبر أن الثروة محصورة في يد 4% من اللبنانيين عن غير حق،وينسى أو يظن أن الناس لا تعرف ،بأنه  يمتلك نصف سهل الدامور،ومعمل نبيذ مشهور،وشركات بترول واسمنت، وغيرها الكثير من الأموال. بالمختصر يجلس على إمبراطورية مالية ضخمة وُيعد من أهم أثرياء لبنان.عن أي يسار يتكلم ويتكلم وليد جنبلاط ؟وهلا تنقشع يوما الغمامة أو الغشاوة عن نظره حتى يرى الفقر والعوز والحرمان الذي يحيط به في الجبل، فيكف عن المتاجرة بالقضايا الاجتماعية تحت شعار الاشتراكية واليسار.
      لفتني في إحدى  التحليلات لمواقف جنبلاط الأخيرة، توصيف ورد في مقال لكاتب عربي، يرى أن موهبة وليد جنبلاط الأساسية والأهم تكمن في البعد المسرحي،من ناحية ولعه في البحث عن الجمل والتعابير الرنانة، وعن المشاهد الدرامية الفاقعة.
وحسب رأيه يهوى جنبلاط  التواجد دائما تحت الأضواء، وفي مقدمة الأحداث والتداول. ولا يهمه المضمون بقدر ما يهمه شكل هذا التواجد. ويعتبر أنه يبحث دائما عن دور جديد يؤديه  ليس لهدف سياسي بقدر ما هو لنفخ حجمه ولتكبير موقعه. الملفت في مواقف وليد جنبلاط هو أنه لم يرتضي يوماً بحجمه بل حاول ويحاول دائما لعب دور أكبر وأعظم من هذا الحجم إن على الصعيد المناطقي أو على الصعيدين الداخلي والخارجي.
 ولا بأس لو كان هذا الزعيم أو أي زعيم  آخر بمستوى طموحاته. ولا عيب مبدئيا في بروز أي مسؤول لبناني أيا كان دينه أو حجم طائفته ،ليبيض وجه لبنان على المستوين الداخلي أو الخارجي. ولكن دون ذلك  وبعض الشروط والأصول.
أولى هذه الشروط أن تكون شخصية الزعيم  وميزاته وثقافته وتفوقه وجديته ومصداقيته تخوله لعب هذا الدور .أما فيما خص الأصول فهي تعني  ضرورة الالتزام بروحية الدستور اللبناني ناهيك عن حرفيته، التي تنظم العمل السياسي في لبنان على أساس مبدأ التزام مختلف الفرقاء والأطياف بقاعدة قسمة الحق الأخوية بين الأديان والمذاهب، حيث أنه من المفترض أن يعكس حجم كل زعيم يترأس تكتل سياسي طائفي، الصورة الصحيحة  لحجم الطائفة الذي يمثلها.وهي مبادئ بالية تخطاها التاريخ،دون أدنى شك، وتعود للقرون الوسطى،وهذا صحيح ، ولكن الزعيم الدرزي ارتضى بها عندما اشتغل زعيماً طائفياً في هذا النظام البالي، ومن هذا المنطلق لا يمكنه أن يلتزم بأصوله طوراً، ويخرج عنها وينتقدها في مكان وزمان آخرين.
    يبقى أن التنازلات المطلوبة اليوم من وليد جنبلاط قد تكون أبعد وقد تكون أكبر من تلك التي رأيناه يقوم بها في الآونة الأخيرة. ربما الهجوم على البطريرك صفير في مرحلة مقبلة  من يدري؟ ولكن الأكيد  أنه نال الرضى بعد تنفيذه خير تنفيذ ما أوكل به أخيراً من ناحية الهجوم الواسع النطاق على مجمل الأطراف في الفريق الآخر، مع التركيز على المسيحيين.  ومن أوكل وليد جنبلاط الهجوم على المسيحيين؟
لا يمكن الجزم في ذلك حتى الساعة . ولكن المرجح أن المطلوب منه سوريا هو عدم إغاظة السعودية في سياق هجومه على الفريق الذي سماه بال"يميني". ومن أجل تحقيق هذا الهدف وهذه المهمة،أدرك وليد جنبلاط  بأن الفائدة قد تكون محدودة في معاودة التغني بشعار "العروبة"، كونه شعار استهلاكه إلى أقصى الحدود  في السابق .
ولم يجد أمامه سوى موضوع تردي أوضاع الفلسطينيين في المخيمات في لبنان لكسب العطف والتصفيق العربيين. في الحقيقة وكما فعل ويفعل الإيرانيون،  تعمد وليد جنبلاط التعامل والاستثمار في موضوع فائق الحساسية والدقة. موضوع معاناة شعب وتشرده عن أرضه.. نقول هذا لأن هذا الموضوع الإنساني في حال لم يذهب به حامله إلى خواتمه المطلوبة، يتحول إلى مادة للمزايدات وهذا ما لا يرضى عنه أي ضمير أو وجدان. إن الاكتفاء بطرح معاناة الفلسطينيين في المخيمات في لبنان في مجلس النواب بهدف المزايدة وكسب النقاط من ورائه، هو مسعى سوف ينقلب على حامله، وسوف يصيبه بالدرجة الأولى.
يصيبه من ناحية كشف الشخص على حقيقته أمام مناصريه وأمام الآخرين أيضاً. إذ لا يجوز التعامل مع مواضيع بهذه الخطورة ولكن بهذه الخفة. ونقول بهذه الخفة لأن تاريخ جنبلاط في التعامل مع الملفات الدقيقة لا يطمئن فهو لم يقارب في السابق موضوعا وذهب به حتى النهاية، ناهيك عن احتمال ارتداده عليه في اليوم التالي .
وليس إدراج هذا الاقتراح تحت عنوان "معجل مكرر"،هو الذي سوف يبيض النوايا الأخرى الكامنة وراء هذا الطرح. يبقى أن إلتحدي قائم أمام الزعيم الدرزي، فإن كان فعلا صادقاً في شأن إعادة فتح ملف الأوضاع المتردية للفلسطينيين في لبنان ، لا بأس، فكلنا معه ، ولكن لا بد له من الذهاب به إلى الآخر ، بمعنى  أن لا يتخلى عنه في نصف الطريق،ويعود هذا الموضوع إلى الأدراج وإلى غياهب النسيان، بعد أن يكون جنبلاط قد كسب من وراء إعادة طرحه، بعض النقاط على الفريق الآخر، من ناحية إظهارهم كمتخاذلين أمام القضايا الانسانية، أو كخائفين من الذوبان الكياني في مجموعات دينية أوسع ومتزايدة. وغداً لناظره قريب.
                                                                               

e.mail:[email protected]

كاتبة سياسية لبنانية
(81)    هل أعجبتك المقالة (92)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي