لا يختلف اثنان على أن اللغة من أكبر المصاعب التي يواجها المهاجر على أرض إقامته الجديدة، قد تفوق بمراحل مرارة الغربة والحنين للأهل والإجراءات الإدارية الماراثونية، فاللغة هي مفتاح الاندماج والنجاح والسير إلى أمام بخطى واثقة ومطمئنة.
في فرنسا، غالبية اللاجئين السوريين لم يكونوا على إلمام كافي باللغة الفرنسية، المعروفة بصعوبتها وكثافة مفرداتها، ما وضع القادمين الجدد أمام تحد صعب هو تعلم لغة البلد الذي احتضنهم، لكن قد تبدأ أولى الدروس بعد صدور قرار اللجوء، ما يعني أنه أمامهم شهور طويلة من أوراق إدارية ومواعيد وتعامل مع مجتمع دون لغة يتقنها.
الوضع هذا دفع فريقا من السوريين الضالعين باللغة الفرنسية لإنشاء "مجموعة الترجمة" مقرها "وسائل التواصل الاجتماعي"، ومهمتها تذليل العقبات عبر ترجمة الأوراق الرسمية للاجئين وتقديم المساعدة عند أي موعد سواء كان طبيا أو قانونيا.
السيدة "هنادي قوقو"، أحد المشرفين على المجموعة، قالت في حديث مع "زمان الوصل"، إن "الفكرة بدأت أواخر العام 2018، بعدما لمسنا حجم الصعوبات التي تواجه المهاجرين في المجتمع الجديد المختلف تماما عن مجتمعهم من حيث الحياة العامة والاجتماعية والإجراءات الادارية وتعقيدها، إضافة إلى حاجز اللغة، بالرغم من وجود مجموعات سابقا لتعليم اللغة ومجموعات للأسئلة العامة والحياة بفرنسا، إلا أننا لاحظنا مدى الصعوبة في فهم الحياة العامة واجراءاتها لأن هذه المجموعات تفتقد لمثل هذا الجانب المهم والأساسي هنا".
*خدمات مجانية
أكدت السيدة "هنادي" أن فكرة العمل مدفوع الأجر لم يتم طرحها على الإطلاق، فالهدف كان المساعدة مجانا، وهذا "أمر مفروغ منه داخل كل شخص منا".
نفذت "مجموعة الترجمة" منذ تأسيسها نهاية عام 2018، أكثر من 7 آلاف طلب، شملت الكثير من الإجراءات الادارية مثل ترجمة الأوراق والرسائل الرسمية، والمواعيد مع الأطباء وصندوق التضامن الاجتماعي "الكاف" أو المدارس أو حتى تسجيلات صوتية والمساعدة بالتصاريح لمكتب العمل والكاف والضرائب، بحسب ما قالت السيدة "هنادي".
وأكدت أن مجال مساعداتهم شمل المواعيد عبر الهاتف والمواعيد الطبية وأخرى مع المساعدة الاجتماعية "السوسيال"، والمحامي، أو أي مكان ممكن أن يقبل ترجمة الاتصال عبر الهاتف، كما شملت الرسائل لدوائر الدولة مثل مكتب حماية اللاجئين وعديمي الجنسية "الاوفبرا"، والاعتراض على مخالفات المرور، ومراسلات الجامعات أو أرباب العمل، وكتابة السيرة الذاتية (CV)، ورسالة الدوافع.
وأضافت أن أعضاء المجموعة ساعدوا بكتابة القصص التي يدرجها اللاجئ ضمن طلب اللجوء، والطعون المتعلقة بذلك المقدمة للمحاكم، كما قاموا بترجمة قانون السياقة (code de la route) وهي ترجمة تتضمن "كتاب للكود، وتطبيق خاص بمنتدى السوريين في فرنسا يحتوي تقريبا على 3000 سؤال، كما تم إنشاء مجموعة للكود على "فيسبوك" لنشر الدروس وشرح كل ما يصعب على الغير.
الفريق أنشأ "مجموعة خاصة للأرشيف"، نشرت مقاطع مصورة عن كيفية إجراء عمليات التصريح المختلفة، وتعبئة ملفات الطلبات المتنوعة لشتى أنواع الدوائر وتقديم اللجوء والطعن، والكثير من المقاطع التي تخص الحياة العامة.
وذكرت أن كل ذلك هو خدمة مجانية دون أي مقابل، مشيرة إلى أن الترجمة المحلفة مدفوعة، ولكن بتكاليف أقل من الأسعار العادية.
شددت المسؤولة في "مجموعة الترجمة" على أهمية مراعاة خصوصية الأشخاص، لافتة في الوقت ذاته إلى أن هدفهم أيضا تعليمي ليتمكن الشخص من الاستقلالية، فمن يطلب المساعدة بالتصريح يتم إرشاده على الطريقة لا القيام عنه بذلك، لينجز لاحقا هذه المهمة الدورية بشكل شهري أو فصلي.
وأشادت بالعمل الجماعي ضمن المجموعة التي لا تهمل أي طلب للمساعدة، موضحة أن التعامل مع الطلبات يكون بحسب الأوقات المتاحة للمتطوعين، داعية المهاجرين لعدم اللجوء إلى منصات الكترونية مثل "غوغل ترجمة"، تحديدا عن المعاملات الرسمية لأن مثل هذه المنصات لا تأتي بترجمة صحيحة.
وعبرت السيدة "هنادي" عن سعادتها وأعضاء مجموعتها بعملهم الذي يلمسون في نهايته رضى الأشخاص الذي يطرقون أبوابهم قاصدين المساعدة، داعية القادرين على مد أياديهم أمام حجم الطلبات الكبير والمستمر.
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية