أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

بوستار اكاديمي ... ايوب الغنيمات

أصاب قرار وزارة الثقافة والإعلام  السعودية قناة "LBC" اللبنانية في مقتل، خصوصا بعدما منعت شركات الاتصالات السعودية التصويت عن طريقها، تضامناً مع قرار وزارتي "الثقافة والإعلام" و"التربية والتعليم" السعوديتين، حيث وجهت وزارة الثقافة والإعلام بالسعودية إلى جميع الصحف السعودية بعدم الترويج لبرامج "LBC" التي تلعب على غرائز المراهقين، وتستخف بعقولهم ومشاعرهم، وكذلك لاحتوائها على ممارسات تنافي الآداب العامة، في مظهر يخالف ضوابط الدين والأخلاق الحميدة.
على كل الأحوال فإن بعض المراجع التاريخية تقول إن كلمة (أكاديمية) هي بالأصل كلمة عربية من (أكّاد) وتعني مدرسة للعلم، والتي كان يؤمها الطلاب من كل بلاد الدنيا، ومنها اشتقت كلمة (الكد) والتي تعني التعب من أجل الحصول على المنفعة، وأيضا تنسب إلى الحضارة (الأكادية) التي كانت تحكم بلاد الهلال الخصيب، ومن تلك اللغة انتقلت إلى كل لغات العالم، ولكن أجزم أن مخترع تلك الكلمة لو عاش حتى هذا الزمن، وشاهد أكاديميات العصر الحديث العتيدة، لحرق نفسه أمام المسجد الحسيني وسط عمان ، أو ألقى بنفسه من عمارة البرج، وتخلى عن العرب وأكاديمياتهم إلى يوم يبعثون...
للأسف أصبحنا نعتقد أن العصر الجاهلي أكثر ارتقاء من عصر (بابا فين) و(بابا أوبح).. ولن أبالغ إن قلت إن أبا جهل (ما غيره) زعيم الكفر، ورأس حربته المقاتلة، لو كان موجودا في زمن (السوبر طار) لأخرج سيفه ولم يرجعه إلى غمده إلا وقد ارتوى ورسم خرائط وشوارع في وجوه المروجين لثقافة العري والخنوع, فأبو جهل رغم أنه كافر، غير أنه عربي حتى النخاع، وفيه كما يذكر التاريخ صفات العرب النقية؛ من النخوة والمروءة والشهامة.
فقد أصبحت الوقاحة والتفاهة والمباهاة بالرذائل ميزة لدى الأغلبية من شبابنا على امتداد الأرض العربية، ومقياسا للمدنية والتحرر والتقدم، وأصبح تقليد المطرب العلاني، والمغنية الفلانية هو غاية الآمال، ونهاية الآراب، للجيل الجديد الضائع، ويكفي أن تأخذلك (فتلة) بالسيارة كي تشاهد شبابا ليسوا بالذكور ولا بالإناث، وكي ترى موضة الخصر الساحل والسنسال والخواتم في كل أصبع، وقصَّات الشعر التي تأتي على صورة قنفذ، وقَصَّةُ شعر أخرى تعتقد أنها آثار ضربة (كريك) على رأس ذلك الشاب، وبعدها وقف الشعر خوفا بعدما أصابه ذبول وذهول، وسوف تتعرف على حلقة ذقن تسمى النسناس، حيث أجزم أن حلاقة شعر الذقن تتم بواسطة كماشة او ( زارادية ) , وقد يتسنى لك بعض الوقت للجلوس معهم كي تراهم بآذانك بعد عن عجزت العيون عن إدراك ماهية المخلوق الواقف أمامك، فتكتشف أيَّ مخزون ثقافي يسري في عقولهم وعروقهم، فتترحم على الأيام الماضية، وعلى جيل قضى، وإن كان بك بعض العصبية، فتقوم مشكورا بشتم من قام ويقوم على تسميم وتغريب أولادنا وبناتنا عن تاريخهم ودينهم عبر مئات الأكاديميات الداعرة، والتي تسوق لكل شي ما عدا الفن والثقافة الراقية، عبر عشرات المحطات التلفزيونية، وفي خضم تلك المعمعة ترى بعض المحاولات للرد على فن الإسفاف في تلك الأكاديميات، من قبيل أكاديمية (مجددون) للطيب الذكرعمرو خالد، الذي حاول أسلمة برنامج تلفزيون الواقع، فلم يوفق فيما ذهب إليه.
من هنا تفتق ذهني، وخرجت بقناعة أخرى لإطلاق أكاديمية من نوع جديد, أكاديمية سوف تحمل اسم (بوستار أكاديمي) هذا البرنامج لن يبث على الفضائيات إطلاقا ولن يشاهده أحد؛ لأن الكل سوف يشترك فيه جبرا أو طوعا، ولن نشاهد فيه ظهور وسيقان الكاسيات العاريات، وقمصان النوم الشفافة، والأحاديث السرية عند إطفاء الأنوار، بل في أحسن الأحوال سوف تشاهدون (عساقيل) محمد عبد الله، وكرش حازم أبو الطبايخ، ورقبة عبد الله الدسك، ولن نشاهد فيها الخناقات وشد الشعر بين لينا وعشيقها فادي، ولن نتشرف فيه بظهور معلمة الموسيقى (جمانة فوكاليس) وهي تصيح: دو.. ري.. مي، بل سوف تستمعون لصوت ضبع من ضباع الصحارى والقفار، وهو يصيح: معتدل سر... للخلف در، ثم تسمع وترى هدير الرعد على رمل الصحراء، وقد بدا الغبار الهارب بتسلق كبد السماء.
برنامج بوستار أكاديمي لن يشترك فيه الذكور من أمثال: جوزيف، وفادي، وشادي، أو الإناث من أمثال: رزان وجورجينا ولوليتا، أو حتى الجنس الثالث من أمثال: أيلي المفترس، أو حتى زيزو المتوحش , بل سوف يشارككم حمزة أبو الروس، ومحمد عوض الله، وعبد القوي دحبورة، وهاني القصبة، فن الدحرجة، والتمرمغ بالوحل، والتشربع على الحواجز، وحفر الخنادق وردمها.
برنامج (بوستار أكاديمي) سوف يروج له على أنه أول برنامج في العالم العربي لتعليم الدفاع عن الرجولة السائره نحو الانقراض ، وعن الحمى والعرض الذي اصبح مشاعا لكل من هب ودب من حثاله العالم ، وأعدكم أنكم لن تشاهدوا الديكورات أو المطابخ أو الحمامات وغرف النوم -وما أدراك ما يجول بها- بل صحراء قاحلة لا يتحرك فيها سوى (الكاكي) و(الفوتيك) زحفا أو ركضا أو قفزا.
في بوستار أكاديمي لن نسرق أموالكم، ولن نضحك على ذقونكم الكريمة، ولن تصوتوا لصاحب النهيق الأعلى عبر هواتفكم الخلوية، بل سوف تصوتون مجانا في بيوت الأجر على خريجينا الذين قضوا في سبيل الله.
في (بوستار أكاديمي) لن تروا فادي نائما على بطنه حتى غروب الشمس، بل سوف ترون عقلة المحمد وقد حلق ذقنه قبل أن يستيقظ الديك بساعة, ومِتْعِب قد لمَّعَ حذاءه القديم بحيث أصبح يعكس الصورة أحسن من المرآة.
في أكاديميتنا لن نحتفل بعيد الحب، وعيد العشاق، وغيرها من الأعياد عديمة الطعم والرائحة والأصل والفصل، بل بالإجازات والإنجازات من الساعة لساعة.
في أكاديميتنا لن يتعمد حب الله وثم حب الأرض والعرض بلون أو عطر وردة، بل بلون أكثر نقاء وبراءة، هو لون الدم.
في أكاديميتنا لن يصبح الخريجون خارجين على العرف والعادات والقيم، بل دعاة لكل فضيلة ورثناها عن سلفنا الصالح.
في أكاديميتنا لن يصبح الخريجون عازفين على أوتار الغيتار، ومفاتيح الأورغ، ويتراقصون على الوحدة ونص على أبواب الملاهي والمراقص، بل محترفين في سبطانات المدافع، وإشعال الحرائق في بطاح الوغى.
في أكاديميتنا لن نُخَرِّجَ فناناتٍ أو فنانين داشرين، لا صوت لهم ولا صورة، بل سوف نُخَرِّج إنسانا يعتمد عليه الوالدان عند المشيب، والوطن عند الطلب، وكل صاحب حاجة، ويقنع بأقل القليل.
في أكاديميتنا نعدكم بأن أسماء الخريجين لن تروها على إعلانات المهرجانات الهابطة بخط عريض، بل في زاوية النعي، وعلى شواهد القبور.
في أكاديميتنا سوف يدرك العقلاء، ولو بعد حين، أن البوستار (أي حذاء الجندية باللهجة الاردنية) في ساحة الوغى أشرف وأطهر من كل أكاديميات سوق النخاسة التي انتشرت فضائيا وأرضيا، والباقي عندكم...

 

 

(102)    هل أعجبتك المقالة (93)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي