يعد الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية شيوعا في سوريا، وربما تساهم الظروف المعيشية السيئة لدى البعض من زيادة نسبة هذا المرض الذي سيحتل المرتبة الثانية في العالم بعد الأنفلونزا عام 2020 حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.
ويؤكد الطبيب النفسي محمد الدندل لموقع "دي برس" أن حوالي 50 بالمئة من الحالات الذين ترده يوميا هي لمرضى اكتئاب.
ويشير إلى أن العائلة الكئيبة أو الأبوين الكئيبين قد يورثان أبناءهما تلك الحالة "فنمط التربية ضمن الأسرة الواحدة قد يكون سبباً محرضاً، حيث يتسلل المرض وينمو من مراحل الطفولة ليصل إلى مراحل متقدمة متأثر ليس فقط بنقص العوامل المادية وإنما بالظروف العاطفية نتيجة زيادة عدد أفراد الأسرة وغياب التعبير عن العواطف من أحد الطرفين سواء الأب أو الأم".
ويؤكد الدكتور تيسير حسون (أخصائي في الاضطرابات النفسية) أن الأوضاع الاقتصادية السيئة في الدول النامية تساهم إلى حد كبير في تفاقم أمراض الاكتئاب، مشيرا إلى أن "تعرض الشخص لشدات وخاصة في مرحلة الطفولة كتعرض النساء لتحرش جنسي من قبل المحارم وخاصة في البيئات المغلقة أحد أهم الأسباب التي تؤدي للاكتئاب".
ويضيف "أضف إلى العوامل السابقة عامل "الفقد" كحرمان طفل من أحد الوالدين في فترة مبكرة من حياته، ومن أهم الأسباب أيضا هو الظرف الاقتصادي السيء وبالتالي الظرف الاجتماعي بالإضافة إلى العطالة عن العمل، وهناك المثليين الذين يصابون بالاكتئاب بسبب رفض المجتمع لهم".
ويسبب الاكتئاب خللا كيميائيا في النواقل العصبية يرافقه أعراض عضوية لا يتم إصلاحها إلا عن طريق مواد كيماوية.
وعندما شعر عبد الحكيم (60 عاما) بالملل والتذمر من كل شيء حوله مع شعوره بآلام جسدية واكتشف بأنه مريض اكتئاب بدأت الأوهام تسيطر عليه وعلى جميع أفراد عائلته استناداً إلى الأفكار المغلوطة بأن المريض النفسي لا أمل من شفائه ومرتبط "بوصمة الجنون"، إضافة إلى أن تناوله للدواء سيحوله إلى مدمن لهذه الأدوية، ما أخر قرار أبنائه باصطحابه إلى الطبيب النفسي.
ويقول الدكتور عمار برازي إن العيادات النفسية باتت تعج في الآونة الأخيرة بالمرضى على خلاف السنوات التي سبقتها "حيث أن الجهود الإعلامية التي بذلت للتفريق بين المريض النفسي ووصمة الجنون آتت أكلها بعض الشيء".
ويضيف "بدأ الناس يوقنون أن الإصابة بمرض نفسي كالاكتئاب أقل سوءا من الإصابة بمرض عضوي كأمراض القلب أو السكري، كما أن فرصة شفاءه أكبر بكثير من فرصة شفاء تلك الأمراض".
ويؤكد الأخصائيون النفسيون أن أهم المشاكل التي تخطاها المرضى النفسيون هي إفصاح المرضى عن أسمائهم الحقيقية بعد أن كانت هذه المشكلة ترافق العديد من الحالات.
ويقول الدكتور تيسير حسون "المرضى النفسيين باتوا أكثر ثقة بأطبائهم، والمرأة أكثر جرأة من الرجل في زيارة الطبيب النفسي والاعتراف بوجود مشكلة".
ويضيف الدكتور محمد الدندل "تكثر حالات الاكتئاب عند المثقفات والمتعلمات الذين يشعرون باضطهاد لذاتهن من قبل أزواجهن الرافضين لدور المرأة ونجاحها في عملها، فتحبط وتتأثر بهذا المجتمع الذكوري أكثر من الزوجة التقليدية التي تعيش في المنزل وتربي الأطفال".
ويرى أن سكان المدينة أكثر تعرضا للإصابة بالأمراض النفسية من أهل الريف "فأجواء المدينة المزدحمة والضاغطة والتنافس الشديد ضمن المردود الضعيف وارتفاع الفجوة بين الحد الأدنى من المتطلبات والقدرة على الحصول عليها زادت من انتشار المرض في المدينة أكثر من الريف كون الحياة في الريف أبسط والمتطلبات أقل".
ويحتل الشباب السوريون المرتبة الأولى في الإصابة بالأمراض النفسية قياساً بباقي الفئات العمرية حيث تتركز ذروة المرض بين سن العشرين والأربعين، فالشاب في هذه الفترة بدأ يشعر بوجوده واعياً بظروفه الاقتصادية السيئة، كما يعبر الدكتور حسون.
ومنعت العادات البالية والجهل بالمرض النفسي أهل سحر من اصطحابها إلى الطبيب بعد أن ساءت حالتها نتيجة رفضهم تزويجها ممن تحب، وإجبارها على الزواج من ابن عمها، فيما اعتقد الأهل أن الشاب الذي كانت تحبه هو من أقدم على "سحرها"، فالتجؤوا بالنتيجة إلى السحرة والمشعوذين عوضاً عن التوجه إلى عيادة الطبيب النفسي، لينتهي الحال بها بعد الضغط الكبير إلى الموت منتحرة.
ويؤكد الأخصائيون النفسيون أن الازدحام الشديد الذي تشهده العيادات النفسية في سوريا لا يرتبط دوماً بالإقبال على هذا النوع من العلاج، وإنما بعود في جزء كبير منه إلى قلة عدد الأطباء النفسيين الذين لا يتناسب عددهم مع عدد الحالات التي تزداد يوماً بعد يوم.
ويقول الدكتور دندل "لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين في سورية 70 طبيبا، في حين أن مدينة دمشق لوحدها بحاجة إلى قرابة الخمسمئة طبيب لتغطية الحالات المتزايدة ورعايتها".
ويؤكد الدكتور برازي أن إحجام الأطباء عن دراسة الطب النفسي يعود إلى أنه أقل ربحاً من باقي الاختصاصات "ما يجعل دخول هذا الاختصاص مغامرة تحتاج إلى جرأة كافية نظراً لأن التعامل مع المرضى النفسيين أصعب من التعامل مع مرضى الاختصاصات الأخرى، خاصةً وأن فئات واسعة من المجتمع لم تستوعب بعد أهمية الطب النفسي ويترك خيار زيارة الطبيب النفسي إلى مراحل متأخرة من الحالة، في حين يفضل البعض التوجه المشعوذين والسحرة قبل زيارة الطبيب".
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية