مازالت حرب النظام السوري على الشعب الثائر تروي فصولها من دم، ولا يخفى على أحد أنّ من أكثر الفصول مأساوية هو التحكم الدولي بالمصير السوري، حيث تتم مفاوضات مع النظام السوري والدخول معه باجتماعات قائمة على تقاسم السلطة والمصالح والمراكز ومناطق السيطرة و بسط النفوذ. وبين هذه الفصول المؤلمة تبقى قضية المعتقلين على الدوام هامشية في كل جولات المفاوضات الماضية. لم يسبق أن كانَ ملف المعتقلين والكشف عن مصيرهم ومصير المغيبين قسريا في سجون الأسد، نقطة تفاوض أساسية مع نظام الأسد. وهذا ما قصرت به المعارضة، بل هذه هي الجريمة التي ارتكبتها بقبول التفاوض مع النظام قبل أن يعمل على تبييض السجون والمعتقلات.
ولأن قضية الاعتقال لاسيما اعتقال أطفال درعا كانت شرارة الثورة وشعلتها، فإن المعتقل هو أصدق من بقي على عهد الثورة السورية الحرة وقيمها، وهو النقي من شوائب التكسب والتبعية التي فرضتها الظروف والوقائع، فالمعتقل وعائلته هم من دفع الثمن الأكبر.
وهذا المآخذ على الحملات التي انطلقت سابقاً.
إن الإنتشار الاعلامي مجرد وسيلة لإيصال صوت معتقلينا وذويهم إلى اوسع نطاق وليس غاية بحد ذاته.
وهذا ما غاب عن بال الكثير من الناشطين.
إن الغاية الأساسية من جعل قضية المعتقلين قضية فوق تفاوضية، وإطلاق الحملات المستمرة هو الوصول إلى حل يقضي بإطلاق سراح كل المعتقلين من سجون الأسد، وإنقاذ ما تبقى منهم، والكشف عن مصيرهم، وتسليم الجثامين لمن قضى منهم تحت التعذيب في هذه المعتقلات التي كان أقل وصف لها بأنها مسالخ بشرية.
من المفترض باعتقادي على كل السوريين والعرب، بل وكل إنسان يحمل الحد الأدنى من القيم الأخلاقية والإنسانية أن يشارك و يطالب بجعل هذه القضية ذات أولوية مطلقة. يجب أن نرفع كل يوم صوتنا عالياً لنطالب بمعتقلينا، وتوحد هذه الأصوات حتما سيكون فرصة لإنقاذ مئات بل يمكن آلاف الأرواح منهم في سجون الأسد.
وبالطبع لا يخفى على أحد اليوم أن هناك طفل اعتُقل والده وهو في رحم والدته، برأيكم بعد عدة سنوات أو عندما يكبر هذا الطفل ليصبح شاباً ..
هل سيعرف كيف يمكنه المطالبة بوالده المُعتقل؟ هل سيكون واعياً لهذه القضية وعدالتها وضرورة العمل لأجلها؟ السؤال الأبرز هل سيغفر لنا هذا الطفل تقصيرنا؟!
اذا صمتنا اليوم، ماهو عدد الأطفال الذين سيذهبون للمطالبة بوالدهم عندما يصبحون شباباً بعد عدة سنوات ؟؟ أعتقد سيكون العدد قليل جدا.
لكننا لن نصمت، والكثير من المؤمنين بعدالة هذه القضية سيظلون يناضلون لأجلهم, وفاءً لهم ولأهاليهم سوف تظل هذه القضية حية فينا، وكسوريين ثائرين سوف نعمل كل مايمكن لأجل العدالة وحق المعتقلين. ولن نسمح بأن تكون هذه القضية نسياً منسيا كما يحاول النظام أن يجعل الشعب السوري يجهل أولادهم المعتقلين في معتقلاته بجعل لقمة الخبز هي الأولوية للسوريين، لكن هذا لن ينسينا قضيتنا، لأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان. وهذا ما قالته الثورة السورية منذ بدايتها حينما عبرت عن نفسها كثورة حرية وكرامة وعدالة، وليست ثورة جياع.
لابد من الإشارة بطبيعة الحال إلى أن المعتقلين السوريين والمغيبين قسرا في سجون الأسد، هم من معتقلي الرأي والضمير والناشطين السلميين.
اعتقلهم النظام لأنهم بسلميتهم.. وبآرائهم يشكلون خطرا على النظام وأركانه وتهدم سرديته، وهذا تأكيد على أنهم ليسوا بمجرمين، فالتعبير عن الرأي ليس جريمة، بل اعتقالهم هو الجريمة. تغييبهم قسرا وتعذيبهم حتى الموت هو الجريمة.
إن كل يوم يمر على صمتنا سيولد لاحقا جيلاً متخاذلاً، ويوما بعد يوم ستموت كل الأصوات ويُنسى كل من وراء القضبان، أولئك الذين يعانون من أجلنا، حقاً علينا ان لا نخذلهم ولو بمجرد الصوت.
وعليه فإن حملات إنقاذ المعتقلين يجب أن لا تصمت ولا تنطفئ جذوتها دون الخروج بحل يغلق هذه القضية وينهي هذا الملف الذي سوف تستمر آثاره ماحيينا. فكم معتقل في سجون الأسد فقد عقله، وفقد شغفه في الحياة ويرى الموت خلاصاً له؟
كم معتقل لايعلم أولاده ولا شكلهم وربما هو فاقد للذاكرة ولا يعرف ماذا يوجد خلف باب زنزانة مظلمة في مسالخ الأسد منذ سنوات؟؟
لكن كم معتقل ومعتقلة ينتظرونا ومازال الامل فينا لديهم بإخراجهم أحياء من معتقلات الاسد؟
*مصطفى الحلبي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية