هنا تركيا.. منذ وقت ليس بالبعيد كثيرا، كان خطاب الحكومة وحزبها المتربع في السلطة لا يلتقي مع خطاب من يعارضونها، بل ويكاد يفترق معه كليا عندما يتعلق الأمر بالحديث إلى السوريين وعنهم.
ففي المقلب الأول (الحكومة وحزب العدالة والتنمية) كان السوريون إخوة وضيوفا، بل وحتى "مهاجرين" حظي "الأنصار" بشرف استقبالهم ومؤازرتهم وحمايتهم من شرور من يتربصون بهم ويتآمرون على حقهم في الحرية والحياة، نقيضا لما كان عليه الحال في مقلب معارضة الحكم، التي تشمل طيفا متعددا من الأحزاب والشخصيات ممن فرقتهم الانتماءات السياسية وجمعتهم معاداة السوريين.
ولكن ومنذ فترة قريبة نسبيا، بات خطاب الحكومة التركية والحزب المهيمن عليها يلتقي بشكل أو بآخر مع خطاب المعارضة، ويؤدي نفس الوظيفة تقريبا، رغم ما يمكن أن يلمسه المرء من وجود فروق ظاهرة في نبرة وأسلوب الحديث بين الطرفين.
ففي الوقت الذي لم تتوقف فيه المعارضة عن شجب وجود السوريين والمطالبة بترحيلهم، وجد حديث "العودة الطوعية للسوريين إلى بلادهم" طريقه إلى بلاط السلطة، وتدرج حتى وصل إلى قمة هرمها ممثلة بالرئيس رجب طيب أردوغان، الذي أعلن بكل صراحة عن مساع وخطط جدية لإعادة مليون سوري إلى ديارهم.
في الشارع التركي غليان لايمكن إنكاره جراء تصاعد حدة الغلاء وتآكل العملة وربما تراجع الاستثمارات وركود الأعمال نسبيا، تفاقم بمجموعه نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، وليس أسهل على النافخين في كير الكراهية من أن يلقوا باللائمة في كل ذلك على نحو 4 ملايين سوريين "غزوا" البلاد بصمت حتى خربوها وجلسوا على تلتها، وفق ما يقوله فيلم تركي قصير ناهز عدد مشاهديه نصف مليون رغم أنه بث قبل نحو 12 ساعة، بتزامن عجيب مع خطاب "العودة الطوعية" لمليون سوري!
يتحدث فيلم "سيس سيز استيلا" عن عائلة كانت تعيش حياتها بكل هناء وسرور، وفق النموذج التركي الفاره والمشبع بالأحلام، كانت الزوجة يومها حاملا، وتحلم مع زوجه أن يصبح مولودهما طبيبا ذات يوم.
كان هذا في ربيع 2011 عندما بدأت تركيا تستقبل أولى موجات اللجوء السوري، وتحديدا في بلدة "ييلاداغي" كما يعرض الفيلم، الذي ينتقل بالمشاهد سريعا إلى تاريخ 3 أيار/مايو 2043، حيث تبدو "اسطنبول" عبارة عن خرائب كئيبة وزواريب قذرة، بعد أن سيطر عليها السوريون.
الفيلم الذي تابعته "زمان الوصل"، يتمادى في نشر "السوريوفوبيا" بشكل مفرط، مدعيا أن والي اسطنبول "السوري" يومها، قد ترشح لرئاسة البلاد وفاز بها، ملقيا خطاب من على شاشة التلفزيون السوري، وهذا ما جعل الأتراك غرباء بائسين في بلادهم، معيدا لنا –أي الفيلم- صورة الزوج والزوجة وقد علاهما الشيب والغم، بينما فقد ابنهما فرصته في أن يكون طبيبا، لأن السوريين استولوا على كل شيء، مصداقا لعنوان الفيلم "الغزو/ الاستيلاء الصامت".
باستثناء المبالغة الفاقعة والمجوجة، لم يأت فيلم "الغزو الصامت" بجديد فيما يخص التخويف من السوريين وردّ جميع ما يصيب تركيا ذات الـ85مليونا إلى 4 ملايين أو يقل من السوريين، فقد كان هذا وما زال ديدن وجوهر خطاب معارضي السلطة في تركيا، منذ اليوم الأول للجوء السوريين وحتى لحظة تدوين هذه السطور.
أما خطاب السلطة بخصوص السوريين، لاسيما في الآونة الأخيرة، فقلما كان بعيدا عن منطق المد والجزر، بل ربما اقترب أحيانا من سلوك أسواق الأسهم التي ربما تفتتح على مكاسب صباحا وقد تغلق على تدهور ظهرا، فتضيع معها حقوق وتتبخر بسببها مليارات، دون أن يعلم الكثيرون لم أو كيف حدث ذلك!
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية