قررت محكمة في سوريا سجن سيدة مع الأشغال الشاقة المؤبدة بعد أن قتلت طعناً بالسكين زوجها الذي باعها لأحد أصدقائه إثر خسارته في لعبة قمار، في قصة جرت أحداثها في العاصمة السورية دمشق.
ونظمت شرطة سجن دمشق المركزي الضبط رقم 999 على أثر قيام أحد النزلاء بالاعتداء على نزيل آخر بواسطة سكين قام بتصنيعها بنفسه، والسبب كما ورد في المحضر خلاف على لعبة قمار.
ورفع الملياردير السوري الأصل "فؤاد الزيات" الذي خسر عشرات الملايين من الجنيهات الإسترلينية على طاولات الروليت دعوى قضائية على ستة من أكبر نوادي القمار في بريطانيا بتهمة تسهيل حصوله على اعتمادات مالية بصورة غير مشروعة.
هذه الأخبار السابقة نقلها موقع "دي برس" عن بعض الصحف السورية وهي تجسد تفاصيل ما يحدث خلف أبواب صالات القمار المعلنة والخفية.
واللافت هو تواتر أخبار مماثلة خلال فترات زمنية قصيرة تثبت وفقاً للمراقبين الاجتماعيين أن سوسة القمار تنخر عميقاً في المجتمع السوري مخلفة ورائها جرائم عدة، فحين يذكر القمار تحضر مفردات مرادفة كالمخدرات وبيع الزوجات والقتل.
ولم يخرج القمار في سوريا من دائرة السرية واللعب في أماكن محمية من قبل أشخاص متنفذين، حيث امتازت غالبية المدن السورية بوجود مقهيين أو ثلاث لرواد هذه اللعبة.
ولطالما امتازت طاولات القمار بالملاءتين الخضراء والخمرية المحمرة كدلالة على إمكانية وجود صالة في هذا المطعم للعب القمار وفقاً للعديد من المقامرين.
ولكن تلك الأماكن لم تسلم في أحايين عدة من العقاب في حال كشف أمرها، ما جعل بعض المقامرين يصوبون وجهتهم إلى كازينوهات لبنان ومصر حيث كشفت إحدى التحقيقات الصحفية أن أكثر زبائن المقامرة في "أم الدنيا" هم من النساء السوريات اللواتي يدفعن مبالغ هائلة.
ولكن حالة السرية السابقة تعرضت للاهتزاز عام 2006 حينما أعلن رجل أعمال سوري عن نيته إنشاء مدينة للكازينوهات تشبه مدينة "لاس فيغاس" الأمريكية للقمار في مدينة تدمر الأثرية وفقاً لما تناقلته العديد من الوسائل الإعلامية السورية.
ولكن المشروع لم يُنفذ لأسباب مجهولة، غير أنه فتح باب الجدل حول ما يسمى بـ"صناعة القمار" والمحافظة على مبالغ مرقومة قد يدفعها المقامر في غير بلده.
وكشف الاستبيان الذي أجراه موقع "دي برس" أن 80.55 بالمئة من أفراد العينة التي شملت 874 شخصاً يرفضون افتتاح صالات للقمار في سورية، في حين وافق 14.42بالمئة على الأمر، فيما لم يثير الموضوع اهتمام 5.3 بالمئة من المستطلَعين.
ويضم الاقتصادي الدكتور منير الحمش صوته إلى النسبة الأكبر الرافضة لفتح صالات القمار، مشيرا إلى أنه لا يمكن النظر إلى القمار كصناعة لأنه ليس عملاً شريفاً أو منتجاً.
ويرى أنه نوع من عمليات المقامرة والمغامرة على ما هو أكبر من مقامرة الأفراد في حفنة من الأموال، "هو سلوك وقيم لا تنسجم مع قيمنا الوطنية ولو دخل القمار بشكل رسمي إلى سوريا فهذا يعني مصيبة كبرى".
ويقول الحمش إن القمار في المعنى الحديث يأخذ طابعا مكملا للاقتصاد الريعي بحيث يحصل على إيرادات دون جهد ويكمل مظاهر الربح غير الشرعي.
ويضيف "لكن البعض يلجأ إليه كما فعلت الولايات المتحدة الأميركية للتغلب على المصاعب التي خلفتها الأزمة المالية العالمية فقد عمدت إلى توسيع أنشطة قاعات القمار (الكازينوهات) على أمل رفع إيراداتها من الضرائب".
ولكنه يؤكد أن هذا الأمر غير مجد على المدى البعيد "حيث أن هذه الصناعة توفر عائدات قصيرة على حساب كلفة اجتماعية على المدى البعيد مثل زيادة نسبة الجرائم والإدمان وزيادة البطالة".
ويرى الحمش أن جميع المتعاملين في القمار خاسرين والرابح الوحيد هي الجهة القائمة على تلك الصالات "لا الاقتصاد الوطني رابح ولا الأفراد لأن هذه الأموال سوف يتم تهريبها إلى الخارج، حيث يمكن أن يكون لهذه الصالات أو النوادي ارتباط بمؤسسات قمار في دول أخرى خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا وهذا يعني الاستسلام لنهج من القيم والسلوك الاقتصادي والاجتماعي لا نستطيع في سوريا أن نتحمل نتائجه".
وأشار الاستبيان السابق إلى أن 47.25 بالمئة رفضوا صناعة القمار في سوريا على اعتبار أن كافة الأديان والشرائع السماوية تُحرّم القمار بمختلف أشكاله.
ويرى الدكتور محمد حبش مدير مركز الدراسات الإسلامية في دمشق أن الأديان السماوية دعت إلى محاربة القمار وتجنبه لأن "فيه شر يضيع الدين والإنسان ويؤدي إلى الإفلاس وبيع البيوت والطلاق والجريمة والانتحار".
ويضيف "القمار شكل فاسد من أشكال إدارة المال وقال الله تعالى: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا" (سورة النساء آية 5)، فدلت الآية على تحريم إعطاء السفهاء المال ولا يوجد سفاهة أسوأ من القمار".
وبرأي حبش أن المال الذي هو أداة الإغاثة والتنمية والتعليم يصبح وسيلة للعبث وانتقال المال إلى جيوب المحتالين، و"نزل التحريم القطعي للقمار قوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" (سورة المائدة آية 90)".
ويضيف حبش "لذلك لا يوجد خلاف بين علماء المسلمين على تحريم القمار الذي مقته الله مقتاً شديداً".
ويتفق الأب نزار مباردي مع حبش على حرمة القمار والضرر الذي يشكله على الفرد والمجتمع.
ويقول مباردي "إن القمار هو مثل أي عمل آخر مناف لأي شريعة ولأي دين ولا أحد يقبل أو يسمح للعب القمار لأنه في النهاية قد يؤدي بأن يلعب الشخص على زوجته أو بيته أو كل ماله".
ويؤكد الأب أن هناك حالات تأتي إلى الكنيسة تقدم اعترافات من اجل التوبة والحصول على الغفران.
ونال العامل الاجتماعي المرتبة الثانية في الاستبيان حيث رفض 27.80 بالمئة من أفراد العينة فتح صالات القمار على اعتبار أنها مرفوضة اجتماعيا.
ويؤكد الباحث الاجتماعي الدكتور طلال مصطفى أن المجتمع السوري يستمد مجمل مبادئه من الدين وبالتالي "شرعنة القمار" مرفوضة لان هناك تصادم بينها وبين النص الشرعي وهذا مرفوض في مجتمعاتنا العربية والإسلامية على حد قوله.
ويرى مصطفى أن البعض ينظر إلى المقامر كشخصية مريضة تحتاج إلى التشخيص والعلاج، فضلا عن وجود نص قرآني يرفض القمار "وهذا أدى إلى إيجاد جزء من منظومتنا القيمية والأخلاقية الرافضة لهذه الظاهرة".
وتشير مصادر من القصر العدلي السوري أن عدد القضايا المتعلقة بالقمار والمدونة في سجلاته زادت كثيرا في السنوات الأخيرة.
ويقول المحامي محمد خير الدالي إن قانون العقوبات السوري يفرض عقوبات على المقامرين ومستثمري محال القمار والقائمين عليها تعتبر رادعة بحسب نص المادة 618 التي تجرم ألعاب القمار بكافة أنواعها.
وتعرّف الفقرة الأولى من المادة المذكورة ألعاب القمار بأنها "هي التي يتغلب فيها الحظ على المهارة أو الفطنة"، فيما تحدد الفقرة الثانية أنواع ألعاب القمار التي حظّرها المشرع السوري وهي "ألعاب المقامرة الروليت والبكارا والفرعون والبتي شفو والبوكر المكشوف وكذلك الألعاب التي تتفرع عنها أو تماثلها بصورة عامة".
ويشير الدالي أن عقوبة من يفتتح محلاً لألعاب القمار حددتها المادة 619 التي تنص على معاقبة "من تولى محلاً للمقامرة أو نظم ألعاب مقامرة ممنوعة في محل عام أو مباح للجمهور أو في منزل خاص, اتخذ لهذه الغاية والصرافون ومعاونوهم والمديرون والعمال والمستخدمون" بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنتين مع غرامة مالية من مئة إلى ألف ليرة سورية (حوالي 22 دولار) إضافة إلى منع الإقامة أو الطرد من البلاد في حال كان الجاني غير سوري.
ويؤكد الدالي أن لاعب القمار في سوريا يدفع غرامة مالية من مئة إلى مئتي ليرة سورية (حوالي4.5 دولار) في حال اشترك باللعب في الأماكن المذكورة أعلاه و"بالتالي فإن الترخيص لنادي قمار في سوريا يتطلب تعديلا للقانون".
ولكن الكثيرين من أهل القانون يعارضون الطرح السابق ويجدون أن بعض القائمين على القانون السوري يقدمون الحماية لرجالات القمار مقابل حصة من الأرباح وهو ما تم الكشف عنه لمرات عدة.
ويؤكد مصطفى أن شخصية المقامر موجودة في كل البيئات السورية على مختلف أنواعها "حتى البيئات المتعلمة والسياسية فنجد أن هناك الكثير من السياسيين وبكافة اتجاهاتهم يقامرون".
ولكنه يجد في ذات الوقت أن معلوماتنا عن الشخصية المقامرة مستقاة من الدراسات الأجنبية ومن النظريات النفسية والشخصية والاجتماعية التي تناولت هذه الشخصيات وبالتالي لا نستطيع أن نكون قاعدة علمية دقيقة حول هذه الظاهرة بمجتمعنا السوري وبالتالي تغيب لدينا الطرق المثلى للتعامل مع هذه الظاهرة على حد قوله.
ويجد أن افتتاح مصح للمقامرين حلا مثاليا لاستدراك ما سلف ذكره، ويؤيده في ذلك الطبيب النفسي محمد الدندل الذي يؤكد أن مشاكل المقامرين لا تقل أهمية عن مدمني الخمر والمخدرات.
ويضيف الدندل "نجد أن هؤلاء الأشخاص يصبح لديهم رغبة كبيرة بممارسة هذا السلوك، ويلاحظ عليهم توتر شديد قبله وحالة ندم بعده جراء غياب القدرة على السيطرة على الدوافع أو الرغبة في ممارسة هذا السلوك الذي يقود إلى اضطراب شديد بعلاقات الشخص وإنتاجيته وعلاقته بأسرته وأحيانا يقود إلى الدمار على كل المستويات الاجتماعية والعملية، حيث يصل المقامر إلى مرحلة متقدمة من الإدمان لدرجة انه يراهن على بيته أو زوجته وغالبا ما يكون لديه اضطرابات الشخصية المعادية للمجتمع".
ويرى أن افتتاح مصح سيتيح فرصة هامة لمعالجة المقامر والعمل على دراسة نفسيته ومن ثم محاولة علاجه على مراحل حتى لحظة شفائه من حالة الإدمان.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية