«وصلت الرسالة يا سماحة المفتي». .. حسن م يوسف

كانت هذه العبارة تتردد في خاطري باستمرار خلال الندوة الفكرية التي أقامها قسم الدراسات الثقافية والإقليمية المقارنة في جامعة كوبنهاغن حول مسلسل «سقف العالم» بمشاركة رئيس وأساتذة وطلاب القسم، من جهة، والمخرج الصديق نجدة إسماعيل أنزور وأنا من جهة أخرى.
أول ما فاجأني هو أن عدداً من طلبة جامعة كوبنهاغن، من إيطاليا وأميركا والدانمارك يحضرون رسائل دكتوراه عن المسلسلات السورية وعن سقف العالم بشكل خاص. أما المفاجأة الأهم فقد كانت السوية الراقية للحوار، التي حللت البنية الدرامية للمسلسل واستخلصت مقولاته الفكرية بدقة ودراية. والحق أنني شعرت بالمرارة لأن هذا الحوار المعمق لم يجر في دمشق، بسبب انشغال الوسط الفني بعداواته المزمنة، وإهمال المثقفين لدورهم في أن يكونوا جسوراً تعبر من خلالها، أو من فوقها، طروحات الأعمال الجادة إلى الرأي العام. وقد ظل هذا الأمر المر يتفاعل في داخلي، ما جعلني أعلن بوضوح مؤخراً أن المثقفين هم من خذلوا «سقف العالم».
نعم وصلت الرسالة يا سماحة المفتي.
وصلت متأخرة بعض الشيء لكنها وصلت. وصلت كما تمنيناها أن تصل رسالة مزدوجة باتجاهين، رسالة إلى الدانماركيين كي يتذكروا من هم وكيف كانوا، ورسالة إلى العرب والمسلمين كي يتذكروا من هم وكيف كانوا. رسالة من المتحضرين على الضفتين تشير إلى أن الحضارات محكومة بأن تتفاعل وتتحاور وتغتني ببعضها، لا أن تتصارع كما يروج لذلك دعاة عودة الاستعمار من المحافظين الجدد. رسالة من الشرق تعيد رسم الخارطة الحقيقية للصراع بين المتطرفين في الغرب والشرق، الذين يتبادلون الذرائع والمسوغات لتبرير التطرف والتحفيز عليه، وبين أبناء الحضارة البشرية الواحدة، في الشرق والغرب، الذين يدعون للتعايش واعتماد الحوار كآلية أساسية لتعقيم الجراح ومنعها من التعفن!
لقد أكدنا من خلال الحوار في كوبنهاغن أن البشرية عائلة واحدة، وأن هذه الأرض هي السفينة التي نبحر بها جميعاً إلى المستقبل. أما وجود زعران في العائلة، هناك وهنا، فهو لا يلغي هذه الحقيقة بقدر ما يؤكدها!

(96)    هل أعجبتك المقالة (92)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي