أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

مستشفيات سوريا الخيرية: غيّر جلدك وابدأ الاستثمار!

النوبة القلبية التي فاجأت جمال بعد منتصف الليل أجبرت ذويه على التوجه إلى أقرب مستشفى يستطيعون الوصول إليه، ليكون المستشفى الفرنسي بدمشق هو محطة العلاج.

وبدأت مأساة جمال -حسب موقع "دي برس"- بعد تماثله للشفاء حيث فوجىء برزمة فواتير لا تتناسب مع أجر مستشفى يدّعي أنه خيري، وكان الحل النهائي لمأساته هو استدانته جميع تكاليف العلاج ودفعها للمستشفى.

وتعد قصة جمال واحدة من عشرات الحوادث التي تصيب معظم روّاد المستشفيات الخيرية في سوريا، حيث تؤكد اللوائح الموجودة على واجهة المستشفى أن هدف خيري بحث، وبالتالي يتورط المريض ليفاجأ بالطابع التجاري لمكان يفترض أن يعالج المرضى لا أن يُفرغ جيوبهم.

ويرجع تاريخ ترخيص المستشفى الفرنسي إلى عام 1902 حيث أصدر السلطان العثماني آنذاك عبد الحميد خان مرسوماً جاء فيه: "ليكن معلوماً لديكم عندما تستلمون توقيعي الملكي أنّ الراهبات الفرنسيات المعروفات باسم "راهبات المحبة" قد طلبن السماح لهنّ ببناء مستشفى لأجل فقراء دمشق".

ويقول الدكتور جوزيف نصر الله مدير المستشفى إن "المستشفى يعمل بصفة خيرية ويقدم خدماته للفقراء بشكلٍ مميز وأنا والراهبات نعمل بدون أجر".

ويؤكد أنّ المستشفى لا يرسل أيّة مبالغ للجمعية الأم "جمعية راهبات المحبة"، الأمر الذي يفتح باباً واسعاً حول مصير مداخيل المستشفى الذي يعتبر من أغلى المستشفيات في سورية حسب تعبير خبير طبي رفض الكشف عن اسمه.

وحتى وقت قريب لم يكن المستشفى الفرنسي يدفع أيّة ضرائب لوزارة الصحة السورية، مكتفا بتخصيص 10 بالمئة من الأسرّة للمرضى الذين ترسلهم الوزارة.

ويقول نصر الله "كنّا نستقبل 10 بالمئة من المرضى من وزارة الصحة وذلك لقاء إعفائنا من الضرائب، أما الآن فقد أُلغي هذا الاتفاق وأصبحنا ندفع ضرائب بحوالي 8 مليون ليرة سورية" سنوياً.

ويؤكد نصر الله أن مداخيل المستشفى تُصرف على شراء تجهيزات جديدة ودفع رواتب الموظفين وصيانة المستشفى "نحن نعيش على مبدأ الاكتفاء الذاتي".

ويرى نصر الله أن المستشفى الفرنسي يعد من أرخص المستشفيات بسورية مقارنة مع عدد من المستشفيات الخاصة كالشامي ودار الشفاء، لكن معظم المرضى الذين تلقوا العلاج فيه ينفون ذلك مبرزين الفواتير التي تدفعوها للمستشفى.

ويشير الدكتور لطفي بوبس نائب مدير المستشفيات في سورية إلى أنّ المستشفيات التي تملكها جمعيات خيرية تتقاضى عادةً الحد الأدنى من الأجور على اعتبار أنها تعمل تحت جناح الجمعيات.

غير أن خبيرا صحيا يؤكد أن المستشفيات الخيرية في سوريا غيرت جلدها مع مرور الزمن وتحوّلت من العمل الخيري إلى الاستثماري.

ويستند الخبير في كلامه إلى أنّ المستشفيين الفرنسي والإيطالي الذين تملكهما جمعيات خيرية يعملان على مبدأ الدرجات ومعاملة المريض كرقم، حيث أنهما خصّصا أجنحة تتناسب والحال المعيشي "للزبون"، وهو أمر لا تنفيه مديرة المستشفى الإيطالي وداد حداد.

ولكنها تضيف "المستشفى الإيطالي مخصص للمساعدات الإنسانية منذ تأسيسه عام 1913، أسعارنا أرخص من الفرنسي، إنها متوسطة، كما أنّ السعر يتناسب والدرجة التي يختارها المريض وتصل أحياناً إلى أقل من تسعيرة وزارة الصحة".

ولا يبتعد المستشفى الفرنسي عن شقيقه الإيطالي في التصنيف حيث يحتوي ثلاث درجات ولكل منها سعر.

ويقول نصر الله "المستشفى الفرنسي يحتوي على ثلاث مستويات للإقامة، الأولى تعرف بالغرف الخاصة وهي عبارة عن غرفة بسرير واحد ومخصصة للناس الميسورين، أما الثانية فهي غرفة بسريرين ومخصصة للطبقات المتوسطة، أما الدرجة الثالثة فتسمى القاعة العامة وتحتوي على أربعة أسرّة وخصصت للطبقات الفقيرة في المجتمع".

وأقرت وزارة الصحة السورية في عام 2004 تسعيرة المستشفيات الخاصة وأجور العمليات فيها بحيث تتناسب مع الدرجة التي يختارها المريض.

ويقول الدكتور لطفي بوبس "إنّ سعر الوحدة في وزارة الصحة يتراوح بين 300 ليرة سورية(حوالي 6.6دولار) للحد الأدنى و600 ليرة (حوالي 13.3 دولار) في حدِّها الأعلى وتقاس أجور العمليات بهذه الوحدات، وتطلب الوزارة من المستشفيات الخاصة أن تلتزم بهذا الحد، أي لا تنزل عن الحد الأدنى بحيث لا تأثر على باقي المستشفيات، ولا تتجاوز الحد الأعلى بأن تأخذ تسعيرة مرتفعة".

ويقول بوبس إن الوزارة تعمل حالياً على دراسة نظام جديد لتسعيرة المستشفيات الخاصة.

ويضيف "ستكون التسعيرة مختلفة تماماً عمّا هو موجود حالياً، بحيث سيوجد حدٌّ وسطي للتسعيرة، وكل مستشفى ستتقاضى أجورها حسب درجة تصنيفها بحيث لا تتجاوز 150 بالمئة ولا تنزل عن 50 بالمئة.

ويبيّن بوبس كمّ الشكاوي المرتفع في سجلات وزارة الصحة عن المستشفيات الخيرية.

ويضيف "كثيراً ما نتلقى شكاوي بخصوص التسعيرة من قبل المرضى، وتلقينا شكوى من الهيئة العامة للرقابة والتفتيش بخصوص تسعيرة المستشفى الفرنسي المرتفعة وتمّ توجيه إنذار بحقه".

ويشير بوبس إلى أن عقوبة مخالفة التسعيرة لم تعد تقتصر على إعادة المبالغ الإضافية التي دفعها المريض، بل تُرفق اليوم بتوجيه إنذار للمستشفى ويصل الأمر إلى حد الإغلاق لمدة شهر في حال تكررت الشكاوي أكثر من مرّتين.

واليوم بعد أن تجاوز جمال الأزمة القلبية وجد نفسه أمام أزمة جديدة تتمثل بسداد الديون المتراكمة على راتبه الضئيل أساسا، ما دفعه للبحث عن عمل إضافي رغم توصيات الطبيب المتكررة بضرورة الراحة وعدم إجهاد نفسه.

ولكن فاتورة المشفى "الخيري" جعلته يتجاهل كل النصائح الطبية ويغامر بقلبه الضعيف الذي لن يعرف الهدوء طالما هناك دين في رقبة صاحبه.

 

ميدل ايست اونلاين
(116)    هل أعجبتك المقالة (205)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي