أهلاً أحمدي نجاد .. نضال نعيسة

أثمرت العلاقة السورية الإيرانية المميزة تعاوناً بناءً على مدى ثلاثين عاماً أسفر عنه توازناً استراتيجياً في المنطقة، ما كان ليتأتى، ويلجم الاندفاعة والتهور الإسرائيلي لولاه، لا بل أدى في واقع الأمر إلى إفشال مشروع الشرق الأوسط الكبير، وبذا تخرج تأثيرات هذا التعاون من حيزها الإقليمي إلى حيز دولي وعالمي، ويمكن القول أن خريطة جغرافية سياسية مختلفة، كلياً، على ما هي عليه اليوم، كانت سائدة في المنطقة، لولا ذاك التعاون. فالكلام عن التوازن الاستراتيجي في المنطقة لم يعد فقاعة، ولا ادعاء، بل واقع ملموس يدركه المتابع لتطورات وشؤون وتوازنات القوى التي باتت أكثر من واضحة في المنطقة.

 

لن نتكلم باسم السوريين ولا غيرهم، ولكن الحس الاستراتيجي السوري البعيد، أدرك من زمن طويل، وفي خضم الانكسارات والخيبات والنكسات التي تعرض لها العمل العربي المشترك، ونتيجة لممارسة الازدواجية السياسية من قبل بعض العرب، نقول أدركت سوريا، وهي دولة المواجهة الوحيدة المتبقية في الساح، بعد أن هجرها العرب إلى كامب ديفيد، وعربة، وأوسلو، وأنه لا يمكن، بحال، التعويل على العرب في مثل هذه القضايا الإستراتجية والحيوية، ولاسيما بعد أن رفعت إيران، وبعد انتصار ثورتها، شعار الموت لأمريكا، والموت لإسرائيل، وتحول هذا البلد، تلقائياً، من عدو للعرب، إلى حليف طبيعي واستراتيجي لهم.

 

واستطاعت إيران التي اتجهت إلى مجال بناء وتطوير القدرات الذاتية، من تحقيق ريادة عسكرية وسياسية ضاغطة ومؤثرة في المنطقة لا يمكن تجاوزها، والقفز من فوقها، أو إسقاطها من الحسبان، وضعتها إيران جميعها في مصلحة شعوب المنطقة، وقضاياها، ما جعلها عرضة لهجوم أمريكي وإسرائيلي محموم، بمساعدة يؤازرهما في ذلك بعض العرب، وبسبب من دعمها العلني للمقاومات التي تناوئ وتتصدى للهمجية والبربرية الصهيونية، فيما كان العرب الآخرون، وجازاهم الله خيراً، يفتحون أراضيهم ومجالهم الجوي، وموانئهم للطائرات والأساطيل والجيوش الغربية والأمريكية، لشن الحروب والاعتداءات على شعوب المنطقة والنيل من سيادتها واستقلالها، وتحولت تلك الدول أوكار للتآمر والعدوان، وإلى رأس حربة لمشروع إخضاع وإذلال المنطقة وسلبها كرامتها وثرواتها. ولا زال ماثلاً في الأذهان تلك المواقف العربية المريبة والملتبسة وغير قابلة للفهم والهضم والاستيعاب، ومهما كانت الحجج والمبررات، من العدوان الإسرائيلي الهمجي والغاشم ضد شعب غزة المحاصر، والمساهمة بفرض ذاك الحصار، على أطفال غزة الفقراء، ومهما كان مدى اختلاف أو اتفاق البعض مع حماس، فالقضية إنسانية وأخلاقية بالدرجة الأولى، وليس لها أي طابع سياسي.  كما أظهرت إيران سياسة ثابتة، غير مترددة، حيال أمريكا وإسرائيل، اللتين تشكلان العدو الرئيسي لآمال وطموحات شعوب المنطقة وهذا ما أدى إلى بروز تيار مقاوم للمنطقة، ساهم إلى حد كبير في فرملة ولجم سياسات الغطرسة والعنجهية والعدوان التي كانت السمة الرئيسية لسياسات أمريكا وإسرائيل على الدوام في المنطقة.

 

لا يخفى على أحد مدى انزعاج كثير من الفرقاء المحليين والدوليين من هذه العلاقة الإيجابية بين بلدين صديقين في المنطقة تربطهما رزمة من المصالح والتطلعات والأهداف المشتركة والمشروعة، والتي لا تتعارض مع أي شرعية وقانون دولي، وتأتي ضمن سياق حق ممارسة السيادة. وقد كان هذا سباً في إطلاق سيل من التصريحات "الإملائية" يمس جوهر هذه العلاقة، ولعل أبرزها التي صدرت على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية، ما يعتبر تدخلاً مباشراً وفجاً في الشؤون الداخلية لدول ذات سيادة واستقلال، و"دساً" للأنوف في السياسات  الخاصة لدول أعضاء في الأمم المتحدة، وقد أتت زيارة الرئيس نجاد كرد رمزي، وغير مباشر، على كل تلك التصريحات غير المسبوقة والمبررة في تاريخ علاقات الشعوب والدول. كما أثمرت هذه الزيارة عن إنجاز بارز نبحث عنه جميعاً في حلمنا المشروع، وسعيناً الدروب نحو عالم إنساني مفتوح متصالح متصادق ومتعايش تنتفي منه لغة الحروب، وخال من العوائق والحواجز والحدود بين الشعوب والأمم، وتجلى ذلك الإنجاز بإلغاء سمات الدخول بين البلدين، لتشكل سوريا، بذلك، مضافاً إلى نفس الإنجاز مع الصديقة تركيا، سابقة فريدة وشبه وحيدة في المنطقة، وأنموذجاً يحتذى، مع عدم نسيان حرية دخول العرب وخروجهم إلى سورية ومن دون خضوعهم لأية إجراءات قنصلية وتعقيدات إدارية، تستحق سوريا عليها كل الثناء والتقدير، نأمل أن تحذو حذوها بقية دول المنطقة، وتتبنى هذه الإنجازات الإنسانية والعصرية الرفيعة في إذابة الحواجز والفوارق والموانع بين شعوب المنطقة التي ستنعكس ولا بد أمناً، ورفاهاً، وسلاماً، على الجميع.

(71)    هل أعجبتك المقالة (77)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي