غيب الموت أمس الأحد الشاعر السوري "نادر شاليش" في مدينة أنطاكيا التركية بعد معاناة مع مرض الربو عن عمر ناهز 70 عاماً، وكان "شاليش" أحد الذين تم تهجيرهم بعد قصف منزله في "كفر نبودة" بريف حماة الشمالي ولجأ إلى مخيم "أطمة" على الحدود التركية وهناك كتب قصيدته "رسالة الروح" التي لامس فيها جراح كل سوري هجر من بيته وأرضه وذويه بسبب قصف جيش الأسد.
وتعد القصيدة التي اعتاد الراحل على ترديدها بتأثر شديد وإحساس عالِ من أجمل القصائد التي لخصت معاناة التهجير والفقد والحنين إلى الأماكن التي باتت أطلالاً بفعل الآلة العسكرية للنظام وويلات التهجير ومآسيه.
"أرسلتُ روحي إلى داري تطوف بها
لمّا خُطانا إليها ما لها سُبُلُ
أن تسأل الدار إن كانت تذَكَّرُنا
أم أنّها نسيت إذ أهلها رحلوا
ولجأ أبو محمد إلى تركيا عام 2014، حيث سكن بداية في الريحانية التابعة لولاية هاتاي قرابة 3 سنوات وانتقل مع عائلته فيما بعد إلى "نارليجا"- قرب انطاكيا.
ويروي ابن الفقيد "عبد الكريم شاليش" لـ"زمان الوصل" أن والده أُصيب بالربو وبات يعتمد على الرذاذ منذ حوالي 4 سنوات.
وتابع محدثنا أن والده الراحل امتُحن بفقدان ثلاثة من أبنائه وهم "تيسير" توفي عام 2017 ثاني يوم عيد الأضحى إثر شجار حصل بينه وبين أتراك، وكذلك ابنه "محمد" الأكبر الذي توفي في دمشق قبل النزوح ببضعة أشهر وتوفي حفيده -ابن محمد- ويدعى "نادر" أيضا بدمشق في مخيم "اليرموك"، كما توفي حفيده الطفل "ياسر بن تمام نادر شاليش"، إثر اختناقه بقطعة سكاكر منذ عام مما خلف في داخله جرحاً ساهمت ظروف الحروب والتهجير في تعميقه.
وروى محدثنا أن مرض الربو اشتد على والده قبل شهرين وباتت حالته تسوء يوماً بعد يوم حتى تم إسعافه بتاريخ 19/8/ 2021 إلى غرفة العناية المشددة وقال طبيبيه حينها إن لديه التهاباً حاداً في الرئتين وهناك أكياس على الكبد. وكشف محدثنا أن إدارة المشفى لم تسمح لعائلته بزيارته أو حتى رؤيته إلى حين ورد اتصال من المشفى يخبرهم بوفاته يوم الأحد الماضي.
وأشار المصدر إلى أن والده كان متعلقاً بداره التي بناها بساعديه وزرع أشجارها بكلتا يديه وعند مغادرة بلدته "كفر نبودة" والانتقال إلى حياة التهجير واللجوء لجأ إلى كتابة قصيدته "رسالة الروح".
وروى المصدر أنه كان يسترق النظر إلى والده وهو يكتب ويدون الشعر وكل كلمة يكتبها تتبعها دمعة تغرق الورقة.
وتابع أن والده كان يعيد كتابة أبيات القصيدة عشرات المرات ويدونها على أوراق مبللة بالدموع، ثم يتلفها حتى أكملها بورقة سليمة وخالية من الدموع. وكشف "شاليش" أن منزلهم في "كفر نبودة" تعرض للقصف والتدمير وبات أكواماً من الحجارة كعشرات البيوت في البلدة.
واستعاد ابن الشاعر الراحل بداياته الشعرية إذ بدأ بقرض الشعر منذ أمد بعيد، ولكنه كرس اهتمامه في هذا الميدان بعد دراسته للشريعة الإسلامية وحصوله على ليسانس في الشريعة عام 1968، ولكن لم تسمح له الظروف بتفجير الشعر أمام الملأ خوفاُ من بطش النظام.
واستدرك أن أحد قصائد والده كانت بعنوان "المدفع الجبار" التي كتبها أثناء مشاركته في حرب تشرين، حيث كان قائد سرية دبابات في الجولان وبدأ بكتابة ديوانه المعنون بـ"ديوان الأطميات" بعد تهجيره، ولكنه انقطع عن الكتابة قرابة السنتين وأكمل الديوان بعدها.
ولفت محدثنا إلى أن والده تقدم في شبابه إلى الكلية الحربية وبعد قبوله تم إقالته لأنه رفع السلاح بوجه مجموعة من الضباط لسبب رفض الحديث عنه، وعارض نظام الأسد منذ أكثر من 40 عاماً وكان يردد على الدوام "لن يطول حكمك يا أسد وسيأتي اليوم الذي نرى فيه حكمك ونظامك الفاسد ينهار بسواعد رجال صادقين وكان مع طليعة الثائرين ضد هذا النظام في منتصف عام 2011".
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية