الحرب الصهيونية على غزة قادمة لا محالة، بسبب طبيعة الكيان الصهيوني العدوانية، وهواجسه الأمنية، وإصرار قادته على إقامة دولة يهودية على أنقاض فلسطين. وكذلك بسبب فشل عملية التسوية ورفض الشعب الفلسطيني الاستسلام، وإصراره على مواصلة المقاومة حتى تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، وتعاظم المقاومة في غزة برعاية حركة حماس وحكومتها التي حولت غزة إلى معقل للمقاومة.
السلام الحقيقي الذي يعيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ولو جزئياً، يخنق الكيان الصهيوني، ويفشل المخطط (المشروع) الصهيوني، ويضع حداً للأطماع الصهيونية في منطقتنا، ويبدد أحلام الصهاينة بإقامة إمبراطورية (إسرائيل) الكبرى. ولذلك يحرص الكيان الصهيوني على إفشال جهود السلام، رغم حرصه على استمرار التسوية الاستسلامية، ليتمكن من التغطية على جرائمه وممارساته العدوانية، ولكسب الوقت؛ لتصفية المقاومة، ونهب الأرض، وبناء المغتصبات، وتهويد القدس، والتطبيع مع العرب والمسلمين. لذلك يرفض قادة الكيان الصهيوني أي سلام يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وغير مقيدة بالتزامات أمنية - تجاه كيانهم - تتنافى مع سيادتها واستقلالها، على أي جزء في فلسطين، ولا حتى في غزة.
سياسات الكيان الصهيوني وعلاقاته مع الدول العربية والدولة الفلسطينية المستقبلية محكومة بهواجسه الأمنية، ولهذا ابتدع الكيان الصهيوني الحروب والضربات الاستباقية الوقائية، وفرض التزامات أمنية على بعض الدول العربية المجاورة، وعلى السلطة الوطنية الفلسطينية. وبسبب هذا الهاجس الأمني، يحرص العدو الصهيوني على منع تنامي المقاومة الفلسطينية وتطورها، ويعمل أيضاً على الحد من تسلحها. ويتذرع قادة الكيان الصهيوني بهاجسهم الأمني لشن حرب جديدة على غزة، وذلك بعد إحكام الحصار عليها وضمان عدم وصول الأسلحة إلى المقاومة، وتأتي في هذا السياق إقامة الجدار الفولاذي، الذي يهدف إلى خنق غزة وتجويعها وتركيعها؛ استعداداً لشن حرب عليها، وبعد تهيئة الأجواء لتسوية جديدة تخدم الكيان الصهيوني. وقد بدأت بالفعل عملية إطباق الحصار على غزة، والتجسس على المقاومة بمشاركة فرنسية وأمريكية، والإعداد لمفاوضات جديدة بسقف زمني لا يزيد عن سنتين.
إذاً السؤال هنا ليس عن نية العدو الصهيوني بشن حرب جديدة على غزة، ولكن عن سيناريوهات هذه الحرب، وميقاتها، وحجمها، وأهدافها، ونتائجها المتوقعة.
لا شك أن هناك عوامل عديدة تحدد طبيعة الحرب الصهيونية القادمة على غزة من حيث السيناريوهات والحجم والأهداف والميقات، وأبرز هذه العوامل: نتائج الحرب السابقة ومدى تحقق أهدافها الصهيونية، ردة فعل الرأي العام الغربي والعالمي على الحرب السابقة، المرحلة التي وصل إليها المخطط الصهيوني، الظروف الإقليمية، أجندة الحكومة الصهيونية الراهنة وموقفها من التسوية، حرص الولايات المتحدة وبعض الدول العربية على القضاء على المقاومة الفلسطينية وإقصاء حركة حماس وإسقاط حكومتها وتعزيز التسوية الاستسلامية؛ لتمكين السلطة الوطنية الفلسطينية - بقيادة محمود عباس أو غيره ممن يسير على نهجه - من التوقيع على اتفاقيات تصفية القضية الفلسطينية وإقامة الدولة اليهودية.
على أي حال، مما لا شك فيه أن العدو الصهيوني سيستهدف في الحرب القادمة قادة حركتي حماس والجهاد خاصة، السياسيين والعسكريين، وكوادرهما، وقادة المقاومة الميدانيين لجميع فصائل المقاومة. وسيعمل على تدمير مواقع حركتي حماس والجهاد الأمنية والعسكرية، وبنيتيهما التحتية، إضافة إلى تدمير المنازل، والبنية التحتية، والمؤسسات الاقتصادية، والمقرات والمؤسسات الحكومية؛ لإبقاء غزة في حالة معاناة مؤلمة وقاسية، تمهيداً لفرض ما يسمى الحل الاقتصادي وإنهاء القضية الفلسطينية.
ولكن القضاء على المقاومة الفلسطينية لن يكون أمراً سهلاً، بل هو أمر مستحيل، ولن يتحقق عن طريق الضربات الجوية، ولهذا سيضطر جيش العدو الصهيوني خوض حرب برية، وعندها تحدث المواجهة المباشرة بين المقاومين والجنود الصهاينة، من بيت لبيت، وشارع لشارع، وحارة لحارة. وهنا تحدث الكارثة للعدو الصهيوني، لأنه سيخسر أعداداً كبيرة من جنوده، ولن يستطيع إعادة احتلال غزة، ولن تستطيع أي قوة في الأرض احتلال غزة والسيطرة عليها وحكمها. وفي النهاية سيخسر العدو الصهيوني الحرب، وسيرتد خائباً مدحوراً عاجزاً عن تحقيق أهدافه، ولن ينتصر أبداً. وفي العراق وأفغانستان عبرة لمن يعتبر، فقد فشلت الولايات المتحدة وحلفاؤها في "الناتو" في القضاء على المقاومة العراقية والأفغانية، وهم يعانون من خسائرهم الفادحة هناك؛ بسبب فشلهم في تحقيق النصر على المقاومة. وقد فشلوا في تحقيق أهدافهم، وهم في تراجع مستمر أمام المقاومة العراقية، والأفغانية أيضاً، التي تتقدم بوتيرة عالية ترعب قوات التحالف المحتلة. واليوم، باتت المقاومة الفلسطينية أكثر خبرة وتسلحاً وحكمة وذكاء من ذي قبل، وأصبحت قادرة على الضرب في أعماق الكيان الصهيوني واستنزاف جيشه وإلحاق أفدح الخسائر به، ما يبدد أوهام العدو الصهيوني بالانتصار على المقاومة في غزة في المواجهة البرية المباشرة...
في ضوء ما سبق، أتوقع ألا يقدم العدو الصهيوني على شن حرب جديدة على غزة قبل شتاء 2012، وقد تأتي الحرب المتوقعة ضمن حرب إقليمية بين الكيان الصهيوني وبين لبنان وسوريا، وربما إيران، مع أنني أستبعد ذلك. ولكن العدو الصهيوني سيستمر في استنزاف المقاومة الفلسطينية بوتيرة متصاعدة إلى أن تحين له الفرصة لشن الحرب. ورغم ذلك لا بد للمقاومة الفلسطينية أن تكون على أهبة الاستعداد، والجاهزية التامة، للتصدي لأي عدوان صهيوني على غزة ومواجهته بقوة وشراسة.
4/1/2010
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية