ربما لم ينشغل السوريون في الأيام الماضية بخبر، مقدار انشغالهم بأنباء عملية السطو الكبرى التي جهز لها النظام، وأعلن عنها تحت ستار معاقبة من يتخلفون عن الخدمة في جيشه، دون أن يسددوا البدل النقدي الباهظ.
ورغم كل ما مارسه النظام من سطو ونهب خلال السنوات الماضية، فقد كان لكلام رئيس فرع البدل في مديرية التجنيد، إلياس بيطار، وقع مدو للغاية، مع تلويح "بيطار" بحجز ممتلكات الشخص المتخلف عن الخدمة، بل وحجز ممتلكات أقاربه، وهذا ما يعني عملية سطو تستهدف قطاعا كبيرا من السوريين، بهدف السيطرة على أموال وممتلكات ستكون قيمتها أرقاما خيالية بملايين الدولارات، إن طبق النظام وعيده، ما يعني أيضا أن كل عمليات الحجز والسطو على ممتلكات المعارضين، على كثرتها، لن تمثل سوى جزء بسيط من العملية الأضخم التي يسير النظام في ركابها حاليا، تحت ستار الجندية والتجنيد.
ورغم أن أمرا بهذه الخطورة، لايمكن أن يكون من صلاحيات ضابط برتبة عميد (مثل إلياس بيطار)، ولا حتى ضابط برتبة عماد، وأن مشروع السطو الأكبر هو قطعياً بتوجيه من بشار الأسد شخصيا، الذي يحاول ترميم قدراته المالية المتهالكة.. رغم كل ذلك فإن الإضاءة على جزء من تاريخ "إلياس بيطار" مهم جدا، أولا: لأنه الاسم الأكثر ترددا في الأخبار خلال الفترة الماضية، وثانيا: لمحاولة الإلمام بالشخص الذي انتدبه بشار الأسد من بين الجميع للإعلان عن هذه الخطوة (خطوة مصادرة أملاك المتخلفين عن الجيش، بل مصادرة أملاك أقاربهم، إن كان هؤلاء قد تجاوزوا سن 42 سنة، ولم يسددوا البدل).. فمن هو "بيطار" الملقب "أبو حنا" هذا؟
*حاضر وتاريخ
يعرف السوريون الضباط العاملين في دوائر التجنيد عموما بأن لا عمل لهم سوى قبض الرشى، وتكديس الأموال، وربما لايكون لأكثرهم علاقة بالجيش وميادينه، اللهم إلا ارتداء الزي العسكري، لكن شهادة أحد الضباط المنشقين تقدم لنا معلومات مغايرة فيما يخص "بيطار"، فإذا كان حاضر هذا العميد مرتبطا بأكبر "جريمة مالية" شهدها تاريخ سوريا، بل ربما تاريخ المنطقة، فإن ماضيه ملوث بجرائم أتت على حياة السوريين.
يقول ضابط منشق في حديث لزمان الوصل، النقيب محمد جواد - اسم مستعار بحسب طلبه، لكنه مستعد للشهادة حقوقيا-، إنه ملم بتفاصيل عن جرائم ضد الإنسانية ارتكبها ضباط النظام في اللواء 61 في المنطقة الجنوبية بحق أهالي درعا عامي 2012 – 2013، ومن تلك الأعمال التصفية والحرق والرمي من مكان شاهق، وهو ما أودى بحياة العشرات.
ويذكر الضابط في مقدمة شهادته اسم "حافظ طعمة" المتحدر من وادي النصارى بريف حمص الغربي والذي كان برتبة مقدم آنذاك، أما الضابط الآخر فهو "إلياس بيطار" الذي كان برتبة عقيد، وهو يتحدر من قرية المعمورة بريف حمص.
ويقول الضابط المنشق إن "بيطار" كان يومها قائدا للكتيبة 34 دبابات في اللواء 61 بمنطقة الشيخ سعد قرب نوى، مشيرا إلى أن اللواء 61 هو أكبر لواء على مستوى سوريا، وأحد أبرز ألوية ومراكز تحصين النظام، وكثيرا ما لعب دورا في قصف كل قرى المنطقة الغربية من ريف درعا، وكثيرا ما شارك في عمليات اقتحام، استهدفت مدنا وبلدات منها: طفس، داعل، تسيل.
ويكشف الشاهد أن "بيطار" كان يعمد عند اقتحام القرى والبلدات، وخاصة في الشيخ سعد، إلى حرق البيوت بساكنيها من النساء والأطفال بعد اعتقال الرجال، وقد روى معتصم عمر من "الشيخ سعد" أن عناصر النظام أمسكوا ذات يوم من عام 2013 بشاب على أحد الحواجز يركب دراجة نارية، فسكبوا عليه وعلى دراجته البنزين ثم أحرقوه بدم بارد، في المنطقة التي تقع تحت سطوة "بيطار".
ويضيف الضابط المنشق: كانت قيادة الكتيبة 34 في "الشيخ سعد" خلال 2012 و2013، أشبه بمسلخ بشري، وتم قتل العشرات من أهالي "الشيخ سعد" وغيرها من المناطق إعداما بالرصاص على يد مقدم يدعى "رائد سليم" من جبلة، كان يعمد بعلم من "بيطار" إلى إنزال النساء من السيارات وحافلات النقل ويحتجزهن ويهدد أهاليهن بتصفيتهن واغتصابهن، إن لم يدفعوا له فدية مالية.
ولم يكن "بيطار" وحده في مضمار الإجرام، فمعه على نفس الخط كانت زوجته "ر"، التي عملت شبيحة، ودأبت على كتابة التقارير الأمنية بالمعلمات في المدرسة التي تعمل مديرة لها، وقد سلمت زوجة بيطار العديد من المعلمات للأمن، ولم يعرف مصيرهن إلى الآن، بل إن "أم حنا" زوجة بيطار كانت ترافق قوات الأسد في بعض الاقتحامات وتدلهم على بعض البيوت.
ولكن سيرة "بيطار" لا تنتهي هنا، فقد ظهر "أبو حنا" في مقدمة صورة تجمع 3 ضباط سوريين، و3 آخرين من روسيا، إيران، العراق، وهم يهمون بتقطيع قالب "حلوى"، وقيل يومها إن الصورة هي لاجتماع لجنة مهمتها التنسيق الرباعي بين أنظمة سوريا وروسيا وإيران والعراق، من أجل السهر على نقل الأسلحة والمرتزقة.
وبدا "بيطار" يومها وسط الصورة، وبجانبه ضابط سوري وضع الكمامة على وجهه، فلم تتبد ملامحه كاملة، وإلى طرف الصورة كان يقف أيضا "العميد علي عباس" المتحدر من جلبة.
وقد علمت "زمان الوصل" إن "بيطار" الذي خرج للإعلان عن أكبر عملية سطو في تاريخ سوريا، تحت ستار الجندية، قد عينه بشار في مصبه رئيسا لفرع البدل منذ فترة قصيرة، ما يعني أن بشار جهز واختار الرجل "المناسب" في رأيه لتولي المهمة، قياسا على تاريخه الذي عرضنا قسما يسيرا منه، وكلنا يقين أن ما خفي منه "أعظم".
زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية