معلومة لاقت رواجاً في فترة ما، وأغلبنا تبناها وأعدناها مراراً وتكراراً، تندراً ظاهرياً، وحسرة في حقيقتها على حالنا، نحن الذين ولدنا سوريين ولم نحمل إلا جواز الجمهورية العربية السورية... هذه المعلومة باختصار أن جواز السفر الأمريكي يحمل على صفحته الأولى عبارة تقول أن حامل هذا الجواز تحت حماية الولايات المتحدة الأمريكية فوق أي أرض وتحت أي سماء، وأن الجواز البريطاني يحمل عبارة أن المملكة ستحرك اسطولها من أجلك، وكثير من ذلك إلا البسبور السوري فيهدد حامله في حال فقدانه بغرامة مالية، وفي الماضي كان يتميز بعبارته الشهيرة " مسموح زيارة كافة الدول العربية عدا العراق".
لكن الجملة المكتوبة في الجواز السوري كانت حقيقيةً تماماً، ففي حال فقدت جواز السفر لأي سبب من الأسباب، فإنك يا عزيزي ستلاقي الأهوال من الغرامة، إلى الشنططة بين الفروع الأمنية، وقد يصل بهم الأمر إلى اعتقالك ريثما يتبينوا حقيقة اختفاء بسبورك، وإن أضعته خارج البلاد فتلك مصيبة ما بعدها مصيبة.
اليوم يختلف الموضوع جذرياً، وتصبح القضية لا ترتبط فقط بحملك لجوازك السوري في جيبك، بل عليك أيضاً أن تحمل في جيبك 100 دولار فقط، إذا أردت العودة للوطن تدفعها على الحدود، وإلا فلن يسمح لك الدخول ولتعد من حيث أتيت، اللهم إذا كنت تستطيع العودة من حيث أتيت أصلاً، وإن لم تستطع ستصبح من العالقين.
لم ولن يشهد التاريخ، نظاماً بهذا القبح في معاملة مواطنيه، فما نراه حول العالم يجعلنا نلعن الدنيا والحظ والقدر، الذي جلعنا نولد سوريين مرة، ونلعن ألف مرة من ولى نفسه علينا غير آبه بصيحات رفضنا لولايته وحكمه وتحكمه بنا.
في الويلات والحروب والكوارث تسارع الدول لاستقدام مواطنيها، لتعيدهم إلى أوطانهم وعلى حساب دولتهم، إلا سوريا التي فرضت بالبداية غرامات ورسومات على المواطنين العالقين خارج البلاد في أزمة كورونا ويريدون العودة، وحتى الحجر الطبي كان على حسابهم الشخصي، وفي أماكن احتجاز أشبه بالمعتقلات.
وبعد كل هذا يروج النظام للعودة الطوعية إلى سوريا، وتساعده بذلك بعض دول اللجوء التي تعرض على العائدين مبالغ من المال مقابل تخليهم عن الإقامة على أراضيها واختيارهم للعودة الطوعية إلى وطنهم، وبالفعل هناك نسبة لا يستهان بها من اللاجئين السوريين يرغبون في العودة إلى بلادهم، لكنهم يعتبرون أن شروط العودة الآمنة غير مستوفاة، فالخوف من الوقوع في أيدي الأجهزة الأمنية يعتبر العائق الأول أمامهم، وتغيير النظام شرط أكيد لا بد منه.
فالسوريون وبعد سنوات طوال من اللجوء، لا يعتبرون أنفسهم في منزلهم لا في برلين، ولا في باريس ولا في أي مكان في العالم بوجود سياسيين متطرفين في تلك البلاد يشيعون الخوف من اللاجئين ويتهمونهم بكل أنواع الإساءات دون أي دليل، وحتى في تركيا يستخدم اللاجئين كورقة سياسية لتحقيق مصالح معينة للسياسة التركية الأوروبية والعالمية، وفي اليونان، تقوم الحكومة سرًا -وبشكل غير قانوني- بطردهم إلى المياه الدولية، أما في دول الجوار فحدث ولا حرج وكلنا يعلم ما يعانيه السوري في لبنان على سبيل المثال لا الحصر.
عشر سنوات من الحرب، ولا ننكر تقدم نظام الأسد وحلفائه في استعادة الأراضي، وعليه فإن عودة السوريين وخاصة أولئك الذين يحملون موقفاً واضحاً من النظام، فعودتهم بحكم المستحيلة ما دام الأسد على رأس السلطة، وهذا مبرر بالطبع، فشرط العودة الأول هو رحيل الأسد وتغير النظام برموزه وشخوصه التقليدية كلياً، مع تفكيك الأجهزة الأمنية وضمان أمنهم الشخصي من اعتقال أو استجواب أو اختفاء قسري وما يرتبط بالقوى الأمنية السورية من ممارسات.
لكن العودة تبقى مستحيلة أيضاً حتى بالنسبة لمؤيدي الأسد، أو الرماديين كما نحب أن نسميهم والذين لا مشاكل أمنية لديهم، حتى هؤلاء يحتاجون إلى أجواء اقتصادية وبنيوية جيدة تضمن لهم حياةً لائقة في حال عودتهم، ناهيك عن وقف الاقتتال والقصف في كافة المناطق السورية.
*مزن مرشد - من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية