بعد اغتيال رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري, دفعت العديد من الدول العربية والغربية, وعلى راسها الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا, بكل قواها من اجل اقامة محكمة دولية للتحقيق في ظروف اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري, ومقاضاة الجناة مرتكبي جريمة الاغتيال.
وقد تم اصدار قرار في مجلس الامن بانشاء المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بمحاكمة قتلة رفيق الحريري تحت الفصل السابع, مع العلم انه لم يسبق في تاريخ القضاء الدولي ان تشكلت محكمة دولية في اعقاب مقتل احد السياسيين في اي دولة من دول العالم, ويعتبر هذا القرار بمثابة سابقة قضائية دولية.
لقد مارست الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها ضغوطا كبيرة, استغرقهم شهورا وسنوات, الا انهم ثابروا في مطلبهم هذا حتى تمكنوا من اصدار قرار انشاء المحكمة الدولية, لان قرارات مثل هذه المحكمة هي قرارات ملزمة دوليا, وتستطيع عبر مجلس الامن الدولي ان تطبقها وبالقوة.
بالمقابل ترأس القاضي ريتشارد غولدستون لجنة لتقصي الحقائق, منبثقة عن مجلس حقوق الانسان التابع للامم المتحدة, للبحث في انتهاكات لحقوق الانسان اثناء الحرب التي شنتها اسرائيل على قطاع غزة في يناير من العام الحالي.
وقد قدم القاضي غولدستون تقريرا للمجلس, يعتبر ضربة لاسرائيل التي بذلت جهودها لمنع تمريره, ذلك لانه يثبت انتهاك الجيش الاسرائيلي للقانون الانساني الدولي وارتكابه جرائم حرب اثناء العدوان على قطاع غزة.
ومما جاء في التقرير, ان عدد ضحايا العدوان تراوح ما بين 1387 و 1417 , وان الجيش الاسرائيلي قام باستخدام المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية, واضاف الى ان اسرائيل شنت عدة هجمات على مبان وافراد, وانه لا يوجد اي دليل على استخدامها في العمليات العسكرية.
وكان مجلس حقوق الانسان قرر خلال اجتماعه في جنيف تاجيل التصويت على قرار بشأن تقرير غولدستون الى دورته المقبلة في اذار/ مارس 2010 . واوصى غولدستون في هذا التقرير بتقديم طلب الى مجلس الامن باحالة الملف الى المحكمة الجنائية الدولية اذا لم يحدث اي تقدم في غضون ستة اشهر في التحقيقات التي تجريها السلطات الاسرائيلية والسلطات الفلسطينية في قطاع غزة.
كان من شأن التصويت على مشروع القرار ان يحيل الموضوع الى المحكمة الجنائية الدولية, الامر الذي كان سيؤدي لملاحقة المسؤولين الاسرائيليين عن حرب غزة واعتقالهم بتهمة ارتكابهم جرائم حرب. هذا وقد جاء تأجيل التصويت على القرار بطلب من السلطة الفلسطينية في رام الله, وهي لم تقدم حتى الان الاسباب الحقيقية التي دفعتها لاتخاذ قرارها الذي ساعد اسرائيل في الافلات من يد العدالة الدولية.
ان الولايات المتحدة الامريكية تضغط وتعمل جاهدة من اجل اقامة محكمة دولية لامر ليس من اختصاص المحكمة الدولية, بينما نتنازل نحن عن حقنا في اقامة مثل تلك المحكمة, حق حصلنا عليه من الشرعية الدولية ومجلس حقوق الانسان.
جاء قرار السلطة الفلسطينية, التي يفترض انها تمثل الشعب الفلسطيني, في اعقاب الضغط الامريكي الذي جاء بدوره في اعقاب التهديدات الاسرائيلية بعدم استئناف مفاوضات عملية السلام, اين هي عملية السلام ؟ , فاسرائيل تهدد وامريكا تضغط وعباس ينفذ.
ان قرار السلطة الفلسطينية في تأجيل التصويت, هو تقديم مساعدتها لابناء عمومتها في محاولتهم لغسل ايديهم الملطخة بدماء اطفال ونساء غزة, عاملين بالمثل الشعبي القائل " انا وابن عمي على الغريب " لهذا هم دائما في خدمة ابناء عمهم ورهن اشارتهم.
كما بات ملفت للنظر تلك التصريحات المتناقضة والمخجلة لكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات, فهو في تصريحاته تلك كمن يصب الزيت على النار, ويبدو ان همه الوحيد بات في الحفاظ على وظيفته " كبير المفاوضين ", فهو يفاوض منذ ستة عشر عاما ويبدو انه سيبقى على هذه الحال الى ما شاء الله.
ان القرار الذي اتخذه عباس بتاجيل التصويت, ما هو الا خطوة من اجل نيل الرضى, وتنازل في مقابل تحقيق حلمه لتوليه رئاسة دويلة مقطعة الاوصال لا حول لها ولا قوة, وعلى ما يبدو فانه على استعداد لتقديم الكثير من اجل تحقيق هذا الحلم, فما يقدمه الان من تنازل ما هو الا قطرة مما سيقدمه لاحقا, واول الغيث قطرة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية