كابوس يسيطر على أيامنا مع كل إعلان عن اكتشاف بؤرة جديدة للوباء، كوفيد-19- منذ أن ظهر إلى الوجود، وما نزال نعيش برعب عالمي لا يقتصر على بلد بعينه، والعلاج ما يزال بعيداً، بل بعيد جدا، حتى منظمة الصحة العالمية تقول إنه لا وجود لحل سحري قريب أبدًا ضد فيروس "كورونا".
فإذا كانت الدول الغربية، الغنية والتي تولي البحث العلمي الأولوية في ميزانياتها ولا تستطيع أن تحد من انتشار الفيروس، أو إيقافه أو إيجاد لقاح ودواء له، فكيف سيكون الحال في سوريا؟
غالباً ما كانت الصناعة الدوائية في سوريا، صناعة استثمارية ربحية، لا تمت بصلة للبحث العلمي، وكل ما تقوم به هو تركيب الدواء من مواد أولية يتم استيرادها كاملة من الخارج، وهذا أيضاً تراجع اليوم مع تطبيق العقوبات الاقتصادية على سوريا، وبالطبع لا ننسى أن معظم معامل الأدوية كانت قد خرجت من الخدمة، أو هاجر أصحابها وأوقفت عن العمل...
ما أردت قوله إنه حتى أبسط الأدوية التي من شأنها تخفيف أعراض المرض المزعجة عن المصابين لن تكون متوفرة، ولا ننسى أن القطاع الطبي السوري فقد حوالي ستين بالمئة من مجموع مشافيه وبنيته التحتية خلال عشر سنوات من الحرب، فلم تعد المشافي قادرة على تقديم ما كانت تستطيع تقديمه قبل عشر سنوات، والذي لم يكن أصلاً يرتقي إلى المستوى المطلوب، خاصة في مشافي القطاع العام المفتقدة منذ زمن للتجهيزات اللازمة، والخدمات الأساسية.
بدأت علامات تفشي الفيروس في سوريا تظهر مؤخراً، بعد إنكار وتعتيم شديدين من قبل الإعلام المحلي، لكن أرقام الموت المتصاعدة يومياً فضحت كل شيء.
وفي غياب معدات الوقاية والعلاج، على ما يبدو ستكون النتائج كارثية أكثر من ذلك بكثير.
بالأمس نعت نقابة الأطباء السوريين أكثر من عشرين طبيباً قضوا متأثرين بالفيروس، والناس لا يعرفون ما العمل، فلا وجود لمسحة البلعوم الأنفي وإن وجدت فهي غالية الثمن وعلى المواطن أن يجريها على نفقته الخاصة، وحالات الوفاة بالكورونا تتزايد نتيجة لنقص المنافس وغرف الإنعاش، ومعظم الحالات تتفاقم حالاتها وتصاب بالتجلطات الدموية التي تؤدي للوفاة.
فاليوم بات على المواطن الذي لا يستطيع تأمين أنبوبة غاز الطبخ، أن يؤمن منفرداً أسطوانة الأوكسجين الطبي، والمنفسة على حسابه الشخصي، والتي هي مفقودة أصلاً.
بدون أي مبالغة، الوضع السوري ينبئ بكارثة، خاصة بعد العقوبات الاقتصادية الأخيرة التي فرضت عليها ما بعد قانون قيصر، فباتت على شفير الانهيار الاقتصادي، والصحي معاً.
الفقر يزداد بلا شك، أسعار المواد الغذائية ارتفعت بنسبة 133٪ منذ مايو/أيار من العام الماضي 2019، في بلد يعيش فيه 9.3 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي، بحسب تقارير الأمم المتحدة، وأضيف عليه اليوم انعدام الأمن الصحي أيضاً.
الأزمة الاقتصادية، إلى جانب تداعيات الوباء، الذي أصاب الكوكب بالشلل، ستترك آثارها السلبية الدائمة على معيشة السوريين.
ومع كل هذا التردي يصبح الوباء، آخر هم المواطن الباحث عن لقمة العيش فلا يملك رفاهية التفكير بحماية نفسه من الفيروس في رحلة سعيه اليومية، وثمن كمامة أو زجاجة صغيرة من المعقم الحكولي، كفيل بإطعام عائلته وجبة إضافية، فلن تكون الحماية أهم من لقمة في ظل جوع يخيم على البلاد.
الوضع المعيشي في تراجع، الوضع الصحي في تراجع، الحالة الاقتصادية في تردٍّ مستمر، القدرة الشرائية في حدها الأدنى، كل شي في تراجع إلا الموت...
وما تزال الحكومة الرشيدة في البلاد تفكر في استبدال طرابيش وزرائها، وانتخاباتها الخلبية لمجلس الدمى الخشبية، ويترك المواطن في مهب الريح، تتقاذفه المصائب، ناجٍ بالصدفة من الموت، ينتظر مصيره المحتوم، فمن لم يمت من الفيروس، سيموت من القهر.
سوريا على شفير الانهيار.. مزن مرشد*
*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية