يعرف المراقب للمشهد السياسي في الشرق الأوسط تماماً، كيف وصل آية الله الخميني إلى رأس الحكم في إيران، بعد الثورة الإسلامية التي أطاحت بحكم الشاه، لتصبح الجمهورية الإسلامية الإيرانية أول حكومة ثيوقراطية في تاريخ المنطقة الحديث، وفي تاريخ المذهب الشيعي منذ نشوئه، وكيف ساهمت فرنسا بسذاجة مطلقة، في رعاية نشوء هذا الحكم لمصالح ما، لا أظنها تحققت حتى اليوم.
واتخذت الدولة الوليدة من التشريع الإسلامي الجعفري مرجعاً في استقاء القوانين والحكم فيها.
ومثل أي شيء في الفيزياء، فلكل فعل، رد فعل موازٍ له بالقوة، مخالف له بالاتجاه، خلق هذا الكيان الديني لولاية الفقيه، رد فعل طبيعيا لدى المجتمع الإسلامي السني بحركات تشدد مضادة، لم يكن أولها القاعدة ولن يكون آخرها تنظيم الدولة المعروف إعلامياً بـ"داعش".
جمهورية إيران الإسلامية كانت نموذجاً لتنمية الإسلاميين السنة في العالم العربي، وإعطائهم الذريعة بالحلم لإنشاء دول ثيوقراطية مماثلة، كالإخوان المسلمين على سبيل المثال، الذين يأملون في يوم من الأيام أن يتمكنوا من إنشاء مثل هذه الجمهورية في الدول العربية.
ومع ظهور الإسلام المتشدد، حاولت إيران جاهدة أن ترسم لنفسها صورة الحمل الوديع لتظهر بأنها الوحيدة التي تتمتع بالإسلام الوسطي في ظل الإسلامو فوبيا التي اجتاحت العالم ما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، ومن ثم خلال سنوات الحرب السورية، وخاصة بعد ظهور "داعش" على الساحة، فهل قاتلت إيران التنظيم المتطرف فعلاً؟ وهل تختلف إيران التي تدعي "الوسطية" عن "داعش" الإرهابية؟
نفذت إيران حملتها ببراعة، لتجعل العالم يعتقد أن الإسلام الشيعي يختلف تمامًا عن نظيره الداعشي، وأن الحرب على الفكر الجهادي تبدأ بالتحالف معها بشكل خاص، ومع الشيعة بشكل عام.
لهذا استغلت إيران مجيء "داعش" وهجماتها في أوروبا، لتبدأ التواصل على المستوى الأوروبي ولا سيما اليمين المتطرف، الذي وقع في فخ الإسلام السني الإرهابي كما روجت له إيران البريئة، متناسين أن "داعش" ولد في ظروف مضطربة، لعبت فيها إيران دوراً لا يستهان به وستكشفه الأيام القادمة.
وعلى الرغم من أن إيران حاربت "داعش" ظاهرياً، تبقى الحقيقة أنها تطبق نفس الشريعة التي يطبقها التنظيم وبذات المنطق، ولكن بوجه مستتر عن الإعلام لتجعلنا نعتقد أن إيران الشيعية أكثر إنسانية من منافستها "داعش" السنية، في مقارنة ساذجة لن تخفى عمن ينظر قليلاً بعمق، تحت عمامة الملالي الإيراني.
في الحرب السورية، نفذت إيران عمليات قتل، واغتصاب وقطع أعناق، بالمدنيين السوريين الأبرياء المعارضين للأسد، تماماً كما فعلت "داعش"، لكنها لم تصور عملياتها، ولم ترتكبها بيديها، بل بيد ميليشياتها ومرتزقتها في سوريا، ولم تعلن أن تنفيذها لهكذا عمليات كان بدافع الاختلاف الطائفي، في حين أن الحقيقة كانت لإفراغ محيط العاصمة السورية من أكثريتها السنية وتغيير ديموغرافية المنطقة، ليصبح الريف الدمشقي كاملاً شيعياً موالياً للأسد.
ولم تعلن أن عملياتها، كانت وممنهجة لترهيب السوريين الرافضين للاستبداد الأسدي، ولم تعلن حملاتها لتشييع مناطق الأقليات بالترغيب تارةً والترهيب مرات.
وفي الداخل الإيراني لم يكن الوضع أفضل، فالجمهورية الإسلامية تطبق شريعتها بوحشية مثل "داعش"، في القرن الواحد والعشرين، ومع وجود القانون والقضاء، إلا أن إيران تفتخر بأن قوانينها مستقاة من الشريعة الجعفرية.
في أرض الملالي، تقطع يد السارق بدل إصلاحه بعقوبة السجن وتعليمه صنعةً ما، وفي حكم "داعش" قطعت يد السارق أيضاً، فما زال حتى اليوم في إيران يُدان اللصوص بانتظام لقطع أيديهم ويتم تنفيذ الحكم في احتفال عام في ساحة عامة كما حدث في عام 2007 في ساحة "جعفر آباد"، في "كرمانشاه"، غرب إيران.
ادعاء إيران بأنها قاتلت "داعش" لا يغير طبيعة نظامها، وهو ليس أفضل من "داعش"، بالرغم من أن إيران ربما لم تنفذ حتى الآن تفجيرات إرهابية في الغرب، لكنها تفضل التركيز على محيطها العربي السني، فهدفها المعلن تدمير إسرائيل، وهدفها الحقيقي الوحيد هو بسط سلطتها على كامل الشرق الأوسط، حلمها الأزلي بما أسمته انشاء الهلال الشيعي الذي اعتقدت أنها بدأت في تحقيقه بعدما عززت نفوذها في العراق واليوم في سوريا، وكذلك محاولة سيطرتها على لبنان بدعمها اللامحدود لحزب الله، وانتزاع الحكم بقوة البلطجة والتشبيح العلني للحزب على الجميع، ودعم الحوثي في اليمين، النسخة المعدلة لحسن نصر الله.
فهل نصدق بعد كل هذا ببراءة إيران المعتدلة؟
هل نصدق حقيقةً بأن إيران ليست "داعش" أخرى أكثر نجاحاً وأكثر دهاءً؟
من جهتي مقتنعة تماماً أن إيران هي في الواقع تنظيم "الدولة" لكننا نعرف كيف نعترف بذلك، مع فارق وحيد أن إيران لا تستخدم يديها بقطع أعناق أعدائها أما الكاميرات لكنها تقتلهم بألف طريقة عبر أذرعها الكثيرة محققة المثل السوري الشعبي "اللي عنده عشي ما بوسخ إيديه".
داعش الفارسية... مزن مرشد*

*من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية