.جرائم المقداد مسجلة في "السجل الجنائي" قبل إدعائه المعارضة، حين كان اسمه مغمورا ولا يمثل للنظام أي مشكلة، وقبل انطلاق الثورة.
· مثلث الجنسيات، وأمه وعائلتها كلهم سوريو الجنسية
· عندما تكون الغرامة الأقصى 500 ليرة ويُطالب بـ12 ألفا نستطيع أن نتصور حجم القضية.
· هل كان اختيار "الداعم" شخصية بهذا التاريخ صدفة بحتة؟
أدخل "الدعم" الذي كان يفترض أن يقوي شوكة الثورة السورية.. أدخل هذه الثورة في متاهات أجندات وحسابات لم تكن في بال السوريين يوم أطلقوا هتافاتهم الأولى المنادية بالحرية والكرامة والخلاص من الاستبداد، كما وضع هذا "الدعم" في الصدارة شخصيات، لم تكن مؤهلة لحمل عبء الثورة وتمثليها، بل إن بعضها لم يكن معروفا على النطاق السوري، وربما حتى على النطاق المحلي الضيق.
ومن هؤلاء الذين صدرهم "الداعم" وأقنع السوريين بأنهم سيكونون صدى صوته الحقيقي، "لؤي مقداد" الذي ظهر على السطح فجأة وبات اللسان الناطق باسم الجيش الحر، رغم أنك لو سالت كثيرا ممن هم من بلدة والده (بصرى الشام) لأكدوا أنهم لا يعرفونه ولم يسمعوا به، بل لو سألت عنه أفرادا من عشيرة المقداد، فلربما أعجزهم الجواب (سنعرف سبب ذلك في سياق تقريرنا).
وحتى تكتمل أجندة الداعم أو الداعمين، كان لابد من انخراط وسائل الإعلام، عن سابق عمد أو عن غفلة، في تسويق الشخصيات المفروضة، وفي مقدمتها لؤي مقداد، الذي بات المرجع الأول لأي شأن يخص الجيش الحر، وتهافتت على التواصل معه واللقاء به وسائل إعلام كثيرة، سورية وعربية وأجنبية.
وإزاء هذا التلميع الدائم و"التصدير" المستمر في شاشات الإعلام، صدقت شريحة غير قليلة من السوريين الذين ثاروا على النظام، أن "مقداد" وأشباهه هم بالفعل رجال المرحلة القادمة، رجال سوريا الغد التي ستكون بلا أسد ولا تشبيح ولا فساد، سوريا المحكومة بالعدل والنزاهة والشفافية، سوريا العطشى إلى تطبيق قاعدة "الرجل المناسب في المكان المناسب".
ولكن تعاقب السنين كشف للسوريين الحالمين بكل ذلك، كم كانوا مخدوعين بشخصيات أعطاها الداعم "صدر المجلس" وربما كانت لا تستحق حتى الجلوس في "العتبة"، كما كشف أن بعض "الداعمين" و أعوانهم، بقصد أو بجهل، أجرموا بحق السوريين دون أن تهتز لهم شعرة، أو يفكروا في اعتذار لفظي عن أخطاء وخطايا باعت للناس معادن خسيسة على أنها نفيسة (الداعمون والأعوان الظاهرون في حالة لؤي مقداد، هما زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، والمقرب منه عقاب صقر).
*منذ المراهقة
قلنا في مقدمة تقريرنا إن التعرف إلى شخصية "لؤي مقداد" عبر سؤال أهل بلدة أبيه (بصر الشام) أوحتى أهل عشيرته، ربما يكون ضربا من العبث، وليس ذاك إلا لأن لؤي ولد وكبر ومارس نشاطاته وألاعيبه بعيدا عن ساحة بصرى الشام بل وعن حوران كلها، فلم يكن له من "حورانيته" ولا من انتمائه إلى "المقداد" شيء، فاسم العائلة ومسقط الرأس لايمكن أن يحددا الانتماء الحقيقي لشخص ما، لأن ما يحدد الانتماء هي الأعمال المكتسبة، والاسم والمنبت العائلي والعشائري لاخيار لأحد في رفضهما أو قبولهما، حتى يقال بأنهما فضيلة أو رذيلة.
وتقول معلوماتنا المؤكدة عن "لؤي مقداد" أنه ولد في دمشق لأب يدعى عبدالله، وذلك أواخر عام 1981، ولأم لبنانية الأصل شيعية المذهب، لكنها وبالمناسبة تحمل الجنسية السورية شأنها شأن جميع أفراد أسرتها.
تربى "لؤي" في دمشق، حيث كانت أمه تدرّس في مدرسة "مصطفى الرافعي" بالمزة، ومن هنا وهو بعد لايزال في سن المراهقة، وضع "لؤي" رجل على بداية طريق الاحتيال والنصب، موقعا في شباكه أكثر من ضحية، دون أن يتضح الحجم الحقيقي لما قام به خلال تلك السنوات، لأن جرائم الاحتيال غالبا ما تقابل بصمت مطبق من قبل الضحايا، حتى لا يتهموا بالغفلة والسذاجة ويصبحوا دريئة لسهام الساخرين.
ولكن الثابت لدى "زمان الوصل" وبدلالة الأرشيف الجنائي الرسمي التي اطلعت عليه من مصادرها، أن أول مذكرة جرمية قيدت في سجل "لؤي مقداد" تعود للعام 2006، حين كان عمره 25 عاما، وقد صدرت عن قسم شرطة المرجة بدمشق، وبتهمة الاحتيال.
ومنذ ذلك التاريخ، بدأ سجل "لؤي" يكبر، وجرائمه تتعاقب في ميدان النصب، فبعد أقل عام من المذكرة الأولى، تم القبض عليه وحكم بدفع غرامة تعادل 3500 ليرة بجرم شيك بلا رصيد (3500 غرامة عالية جدا تشير إلى مدى فداحة ما ارتكبه، فالمادة 641 من قانون العقوبات السوري، والتي تعد المرجع الأساس في هذا الشأن تنص على أن هذه الجريمة تقع ضمن نطاق الاحتيال الذي يعاقب عليه بالحبس من 3 أشهر إلى سنتين وبغرامة مالية تبدأ 100 ليرة ولا تتعدى 500 ليرة سورية).
ويبدو أن "لؤي" لم يرتدع، بل أصر المضي في طريقه، فاستحق في ربيع 2008، صدور حكم بحبسه شهرا وتضمينه الرسوم، بجرم "إساءة الأمانة"، وفي نهاية 2009 كان الشاب على موعد جديد مع جريمة من نفس الطراز أضافت إلى سجله الجنائي حكما بالسجن لمدة شهرين وغرامة بمقدار 500 ليرة.
وقبل مدة قصيرة من اندلاع الثورة السورية، التي سيتم "تصدير" لؤي مقداد بأنه أحد "الأمناء" عليها، تكرر جرم إساءة الأمانة في سجله ما كلفه السجن لمدة شهرين وغرامة بمئة ليرة.
وفي شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2011، وبعدما بدأت تتقلص مساحات المظاهرات السلمية لصالح الخيار المسلح، وبينما بدأ ساعد الجيش الحر يشتد، صدرت "أقسى" مذكرة جرمية بحق "لؤي" تقضي عليه بأن يدفع غرامة تعادل 12 ألف ليرة لقاء شيكات بلا رصيد، ولحقتها بعد نحو 3 أشهر مذكرة تلزمه بدفع ألفي ليرة غرامة في قضية شيكات بلا رصيد أيضا.
وهكذا جمع "لؤي" في "رصيده" وخلال 5 سنوات فقط، 7 مذكرات جرمية تدور حول الاحتيال وإساءة الأمانة وإصدار شيكات بلا رصيد، فهل كان اختيار "الداعم" للؤي المقداد من باب المصادفة البحتة، ليكون "صاحب الأمانة" والمخول بإصدار شيكات التمويل الكلامية منها والمالية، أم إن اختيار شخص يحمل هذا السجل الجنائي بالذات كان مقصودا.
تكثر الأحاديث والروايات عن الشخصيات والأطراف التي لعبت دروها في تقديم "لؤي مقداد" كمعارض وتعويمه وتصديره، ويذهب بعضها لاتهام بعض من كانوا "نزلاء" معه من سجناء الرأي، حيث زج به النظام (وهو صاحب تهم جنائية بحتة) في مهجع السجناء السياسيين في سجن عدرا.
وفيما تستطيع بعض شخصيات المعارضة من "الائتلاف" و"الجيش الحر" أو حتى الإعلام أن تنأى بنفسها عن "مقداد" وتقول بأنه لم تكن تعرفه أو لم تلقته إلا بشكل عابر (وبعضهم لم يلتقه فعلا إلا بشكل عابر، بخلاف آخرين كانوا على اطلاع بأحواله)، فإن "معلم" لؤي المباشر،ونقصد به عقاب صقر، لايمكن أن يدعي ذلك، فعلاقة لؤي بعقاب لا تخطئها عين، وقربهما من بعضهما، وأحيانا التصاقهما، ليس محل جدال، فهناك من الوقائع والصور والشهادات ما يفي بذلك ويفيض.
ويكاد كثيرون يعتقدون جازمين أن عقاب يعرف لؤي مقداد كما يعرف أحدهم باطن كفه، وأنه الأول لم يختر الأخير عن عبث، بل اختاره لاعتبارات قد يكون من بينها اعتبارات طائفية، وأخرى تتعلق بتاريخ "لؤي" المخزي، والذي يجعل من السهل جدا على "عقاب" -ومن فوق عقاب- أن يتحكموا بالرجل كالخاتم في أصبعهم، والأهم أن شخصية بهذه المواصفات هي الشخصية المرغوبة و"المؤهلة" لتنفيذ أي مهمة مهما بلغ انحطاطها، بدءا من إهانة "الكرام" وترفيع "اللئام"، وانتهاء بشراء الولاءات، مرورا بتصفية الحسابات على الطريقة المافيوية.
ومن المهم هنا، ونحن نذكر "الداعم" في الجانب اللبناني، أن نؤكد أن لؤي يحمل الجنسية اللبنانية إلى جانب جنسيته السورية، وقد أصبح الرجل "مثلث الجنسيات" عندما تفضلت عليه بريطانيا صيف 2016 بمنحه جنسيتها، رغم أن شروط منح الجنسية البريطانية تكاد تكون الأصعب في العالم، ولكن "الخدمات" التي قدمها "لؤي" ورفض البريطانيون التصريح بها، واكتفوا بالتلميح، سهلت له طريق الجنسية وألانت له حديدها.
وأخيرا:
فإن هناك معلومات كثيرة عن تاريخ "لؤي مقداد" وارتباطاته، قد لا يتسع لها هذا التقرير، ولكن سيتسع لها تقرير آخر في وقته، فقضية "لؤي" في نظرنا هي قضية شخص احتال على شعب كامل، كان يطمح أن يردم كل مستنقعات الفساد والاستبداد والمحسوبيات الفارغة.. شخص وقع للسوريين مالا يحصى من شيكات بلا رصيد.. شخص قدم على أنه "الأمين" فيما تاريخه عبارة عن "إساءة أمانة"، إنها قضية كل سوري ثار ضد الأسد وضد من طبقوا سياسة الأسد وإن زعموا مناهضته.. وليست فقط قضية أفراد نصب عليهم "لؤي"، رغم كثرة الادعاءات الفردية ضده في هذا الباب، وأهمية أن يأخذ كل منهم حقه ويستعيد أمواله.
إيثار عبدالحق- زمان الوصل- خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية