أن يبادر رجل أعمال فلسطيني يحمل الجنسية الهولندية، لإنتاج فيلم يتعامل مع ما يعيشه الإنسان الفلسطيني بشكل حقيقي، ويعكس صورة عن الواقع المعاش كما هو وعلى طبيعته بدون محاولات للتجميل أو وضع كثير من الرتوش، فهذا إنما يدعو إلى الاحترام والتقدير وكذلك إلى الفخر، خاصة وان هذا المجال أو هذه الصناعة هي صناعة هامة جدا، ولا تقل أهمية عن صناعة السياحة أو الصناعة الفندقية أو غيرهما، وهي تعتبر من الصناعات غير المطروقة أو التي - يتجبجب- ويتردد أصحاب رؤوس الأموال عن خوض غمارها، وقد يكون لكل منهم أسبابه، هذا بالإضافة إلى أن القاعدة تقول بأن رأس المال جبان.
عندما تحدثت إلى المنتج الدكتور انس أبو سعده - هولندي الجنسية من أصول فلسطينية وهو بالمناسبة ليس رجل أعمال فقط بل هو كاتب وباحث أيضا- وسألته عن سبب خوضه هذه التجربة كان أول ما قاله هو، انه يعتقد بان الإنسان الفلسطيني هو مثل أي إنسان آخر، وهو يعيش كما الآخرين، فهو يفرح ويحزن لأسباب كثيرة مثله مثل باقي أبناء آدم، ولا يقتصر حزنه على الشهداء أو الجرحى أو الأسرى، وهو يعيش أزمات أخرى مثل غيره من باقي الناس، فلديه أزماته النفسية والاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك، وأضاف بان هناك من يحاول أن يحشرنا في صورة معينة، أو أن يقولبنا في قالب معين، فالبعض يرفض أن يقبل فكرة أن الفلسطيني يمكنه أن يفرح أو أن يمارس حياته بشكل طبيعي كما الآخر، هذا بالإضافة إلى همه الأساسي والمتصل بوجود الاحتلال وكل ما يمكن أن تمارسه قوات الاحتلال ضد أبناء فلسطين.
المشكلة الأخرى كما يراها السيد أبو سعده هي أن هنالك من هم من العرب أو سواهم من يعتقد في عالم - الفن بشكل عام- والسينما والتلفزيون بشكل خاص، انه يستطيع أن يعبر عن آمال وآلام أبناء الشعب الفلسطيني أكثر من أبناء فلسطين أنفسهم، وهذا بطبيعة الحال غير صحيح أو في أحسن الأحوال غير دقيق وغير منطقي، حيث أن الفلسطيني هو الذي يستطيع ان يعبر عن ذلك بشكل أكثر صدقا وواقعية، إلا ان المشكلة هي ان ضيق ذات اليد للعاملين في هذا المجال يجعلهم في أحيان كثيرة يقدمون أعمالا ربما ضعيفة وعاجزة عن إيصال الصورة الحقيقية عن الواقع الفلسطيني، عدا عن ان الأعمال التي يتم تقديمها من قبل الآخرين حشرت صورة الإنسان الفلسطيني ضمن صورة بعينها.
القضية الأخرى التي تم التطرق إليها كانت حول هذا الدعم أو التمويل الأجنبي للأعمال الفلسطينية - الملتزمة- مما يجعل هذه الأعمال تدور في فلك أو إطار معين من اجل خدمة أهداف أو غايات لا تعكس الصورة الحقيقية للواقع الفلسطيني، ومن هنا كان لا بد من ان يتقدم من اجل القيام بعمل فلسطيني يعتقد بأنه سوف يتحدث عن الواقع بما فيه من تفاصيل هي في الواقع غائبة عن الكثير من الأعمال ومن اجل إعطاء هامش من الحرية للفنان الفلسطيني بلا سقف وبلا ضوابط سوى تلك الضوابط المهنية والأخلاقية والتي لا تسيء إلى القيم والعادات والمفاهيم السائدة في المجتمع الفلسطيني.
عندما أعلن السيد أبو سعده عن خوضه التجربة أتيح لي ان اطل على الكثير من التعليقات التي كتبها العشرات حتى لا أقول المئات من الذين تابعوا ما نشر على مختلف المواقع الاليكترونية، وقد ذهلت من حجم الفرح الذي ساد في أوساط متصفحي تلك المواقع، لا بل ان احدهم وهو رجل أعمال فلسطيني قال بأنه يعيش في دولة الإمارات أبدى استعداده لكي يقوم بعمل مماثل من خلال الاتصال بالكاتب سليم دبور من اجل التواصل وربما الاتفاق على عمل درامي في المستقبل، ومن اجل ذلك فقد بحث عن البريد الاليكتروني للسيد دبور في - جوجل- للوصول إليه.
من الواضح ان صناعة السينما في فلسطين يلزمها الكثير وقد كان احد أهم القضايا التي يواجهها الفنان الفلسطيني هي امتناع رأس المال الفلسطيني عن دعم هذه الفئة أو الصناعة، وهذا ينطبق على كثير من المجالات مثل الرياضة والإعلام، وهذه الجوانب ربما كانت شبه منسية في الذهنية الفلسطينية وكأنه يمنع على الفلسطيني أن يبدع في هذه المجالات وغيرها، وان عليه فقط ان يجسد الصورة النمطية عن الإنسان الفلسطيني الذي بحسب ما يراه كثير من الناس إما شهيدا أو جريحا أو أسير، ومن هنا فان الخطوة التي اتخذها السيد أبو سعده تعتبر قفزة مهمة وتستحق التقدير لأنها ربما تكون البداية في هذا المجال وقد تكون الخطوة الأولى من اجل بزوغ شركة إنتاج يتم من خلالها إنجاز الكثير من الأعمال الفنية كما هي الحال في العديد من دول العالم المتحضرة، لأننا نرى بان ما هو موجود - برغم كل التقدير لكل من عمل ولا زال يعمل في هذا المجال- لا يكفي ولم يكن بمستوى الطموحات التي يرومها الجميع.
لقد استطاعت السينما الفلسطينية ان تحقق العديد من النجاحات المميزة على قلتها، هذه النجاحات إذا ما قيست بشكل نسبي بالنسبة للإعمال التي تم انجازها فهي بدون شك تعتبر انجازات جيدة وكبيرة ورائعة، برغم تشكيك البعض بما تحقق ومحاولة التقليل من شان ذلك، ويمكن الإشارة للتذكير فقط في هذا الإطار إلى أفلام الجنة الآن وكفى وغيرها، ولا بد من التأكيد إلى ان هنالك تقصيرا كبيرا من قبل الجميع في إيلاء السينما الاهتمام الكافي.
برغم كل ما يمكن ان يقال عن الظروف الذاتية والموضوعية والإشكاليات التي تتسبب في تقوقع أو عدم تقدم الأعمال الفنية الفلسطينية، والضغوط وقلة الإمكانيات التي تواجه الفنان الفلسطيني، إلا أن هذا الفنان- مخرج، ممثل، مغني، رسام، كاتب أو سينارست، مصور.. الخ- اثبت انه قادر على التغلب على كل هذه الظروف والتقدم إلى الأمام، ويمكن القول ان هنالك ما يشبه الإجماع بين الفنانين الفلسطينيين ان قضية التمويل كانت من أهم العقبات التي تواجه إبداعاتهم، والسؤال هو هل يمكن ان تصبح قضية التمويل وما تشكله من أعباء خلف ظهورنا من خلال انتباه رجال الأعمال ورؤوس الأموال الفلسطينية إلى هذه الصناعة والإسهام في مزيد من الإبداع للفنان الفلسطيني خاصة لما لهذه - الصناعة- من أهمية وانها لا تقل اهمية عن غيرها من الصناعات؟
إن حل مشكلة التمويل سيشكل خطوة مهمة وحيوية، لكن هذا يتطلب أيضا تضافر الجهود الأخرى وان يتم التعامل مع هذا القطاع على انه قطاع لا يقل أهمية - كما تمت الإشارة- عن قطاعات أخرى مثل الإعلام والرياضة...الخ وان على الجهات الفلسطينية الرسمية - مثل وزارة الثقافة وهيئة الإذاعة والتلفزيون....- وغير الرسمية - مثل رجال الأعمال والشركات الكبرى...- أن تعمل بكل جد وجهد من اجل الارتقاء بهذه الصناعة حتى لا تبقى هذه الخطوة من هذا الشخص أو هذه الجهة أو تلك خطوات معزولة وفردية وان يشد الجميع على أيدي من يسهم في عملية الدفع إلى الإمام بهذه الصناعة وان يتم توفير كل التسهيلات اللازمة من اجل الوصول إلى أعمال فنية متميزة.
2009-09-06
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية