أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من يطفئ النار... مزن مرشد*

الكاتب: لم نعد نعرف بالضبط التكلفة البشرية للثورة السورية - جيتي

لا يمكننا السماح باستمرار المذبحة سنةً عاشرة، مع تجاهلٍ لحقوق الإنسان والقانون الدولي، وما يزال السلام بعيد المنال".

جملة مختصرة قالها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس في بيان أصدره بمناسبة دخول الحرب في سوريا عامها العاشر.

جملة تضعنا في مواجهة مباشرة مع أسوأ توقعاتنا بما يخص نهاية الصراع في بلادنا.

لم نعد نعرف بالضبط التكلفة البشرية للثورة السورية، والحرب التي أشعلها النظام ضد شعبه، في ظل غياب الإحصائيات الحقيقية، خاصة بما يتعلق بأعداد الشهداء تحت التعذيب وقتلى النظام.

شخصياً لا ثقة لدي بالأرقام المعلنة، فالأرقام الصادرة عن النظام عن عدد قتلاه هي أرقام مخففة حتماً، والأرقام الصادرة عن مراكز المعارضة أرقاماً أعتقد تقريبية مبنية على عدد المختفين، والتقارير التي تتلقاها هذه المراكز من أهالي المفقودين، ولا نعرف بالضبط كم قضى منهم في سجون النظام وكم بقي ينتظر، أو في سجون الفصائل، هذا ناهيك عن كثير من العائلات التي قضت كاملة تحت أنقاض بيوتها وبلداتها، ولا يعلم بها أحد، لذلك أجزم بأن الأرقام الحقيقية ستكون صادمة.

اليوم يخبو بريق خبر الحرب السورية، ويتراجع من على منصات الأخبار، والقنوات الإخبارية، إلى خبر رابع أو ربما أخير، في ظل سطوع نجم المنافس القوي لكل الأخبار السياسية "وباء كورونا اللعين".

ونحن أمام هذا الصمت القاتل بما يخص قضيتنا، وهذا الضجيج اللافت لوباء سينتهي عاجلاً أم آجالاً، لابد أن نزيد إصراراً على التذكير بأن ملايين المدنيين السوريين ما يزالون يواجهون الخطر كل يوم... حربٌ، لم تعد فقط حرب الأمان والهروب من الموت، بل حرب المرض الذي يلاحقهم دون أن يحرك النظام وأعوانه أو المجتمع الدولي أي ساكن لتقديم العون لهؤلاء المنسيين، في مخيمات اللجوء والنزوح في الداخل وعلى الحدود.

ألا يدرك العالم أن الوباء إن انتشر في سوريا سيحول البلاد إلى بؤرة حقيقية له، ستكون بمثابة ثقب أسود للعالم...

لا بد أن نذكر مراراً وتكراراً أن أكثر من نصف سكان البلاد اضطروا للفرار من جحيم النظام والحرب، ويعيش ملايين الأشخاص في ظروف سيئة وما يزال ما يزيد عن 11 مليون مدني بحاجة إلى مساعدات إنسانية ضرورية وعاجلة.

من اليوم يتذكر هؤلاء؟

من يسعى إلى وضع حد للوضع المأساوي في سوريا المستمر منذ تسع سنوات؟

من يهتم لإزاحة الأسد والبدء بانتقال سياسي يعطي البلاد مساحة صغيرةً لتنفس الصعداء ويعطي السوريين القليل من أمل؟

ألم يكن من الأجدى والأقل تكلفة على العالم أجمع التعاضد والمساعدة على إزاحة الأسد بدل كل هذه الخسائر المالية والبشرية من أجل بقائه؟

بعيداً عن إزاحة الأسد وإنهاء الحرب- هذا الأمل الذي بدأنا نخشى أن نفقده- بعيداً عن كل ذلك تدعي الأمم المتحدة بأنها استخدمت مع شركائها جميع الوسائل المتاحة لتقديم المساعدة لمن يحتاجونها في سوريا وبكل الطرق سواء الإسقاطات الجوية أو عمليات التسليم عبر خطوط المواجهة أو عمليات التسليم عبر الحدود، وأوصلت مساعداتها إلى أكثر من 6 ملايين شخص شهريًا في جميع أنحاء سوريا عن عام 2019.

وفي كانون الثاني يناير من هذا العام تم تقديم المساعدات الغذائية لحوالي 1.4 مليون سوري، من خلال الآلية العابرة للحدود، بالإضافة إلى الإمدادات الطبية والمواد غير الغذائية لما يقرب من مليون سوري.

وهنا يلفتني السؤال البديهي العادي ماذا لو كان سقط الأسد منذ العام الثاني للثورة، أو الثالث، أو حتى الرابع، ألم تكن هذه المساعدات من الأولى أن تصرف على تحسين الأوضاع المعيشية للفقراء حول العالم، بدل من تكريسها لمساعدة ضحايا نظام تكلفة إسقاطه أقل بكثير من ثمن هذه المساعدات؟

الأمين العام للأمم المتحدة يقول إن خطوات إنهاء معاناة الشعب السوري معروفة جيداً ولكن يجب القيام بها، ويختصرها بتنفيذ البروتوكول الإضافي المؤرخ 5 آذار / مارس لمذكرة تثبيت الاستقرار في منطقة إدلب المتصاعدة بين روسيا وتركيا، والذي يقضي إلى وقف دائم للأعمال العدائية، وأيضاً نصح السيد غوتيرس بضرورة عودة الأطراف إلى العملية السياسية، وتطبيق القرار 2254.

إسمح لي يا سيد غوتيرس أن أتساءل: لو كان الوضع في سوريا يحل بهذه البساطة، لماذا وصلنا إلى هنا إذاً؟

لا أريد اليوم أن أجيب عن هذا السؤال بنفسي يا سادة، فكلنا تحت تأثير الحجر الصحي الإجباري، والحجر الإجباري لذاكرتنا بما كانت عليه أحلامنا، في مثل هذه الأيام، منذ تسع سنوات... لكنني أكتفي بأن أناشد العالم أجمع مع ثقتي بأن لا أحد يسمع... أرجوكم بنهاية الأسد تنتهي مأساتنا، فقد أكلتنا القسوة.

*من كتاب "زمان الوصل"
(242)    هل أعجبتك المقالة (222)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي