يتابع المخرج المسرحي الشاب "خالد أبو بكر" التدريبات النهائية على مسرحيته "تغيير" على مسرح parkvila بمدينة "ألفن آن دن راين" الهولندية التي تتناول إرهاصات الحرب وهواجس القدوم إلى أوروبا.
وتدور أحداث المسرحية التي من المتوقع عرضها مطلع شباط فبراير القادم في هولندا حول امرأة فرّت من سوريا واضطرت إلى ترك كل شيء وراءها، بما في ذلك زوجها الذي يختفي في ظروف غامضة دون أن تعلم شيئاً عن مصيره، والهواجس التي تنتابها بعد أن تصل إلى أوروبا وعدم تكيفها مع الوسط الجديد مما يضطرها لمراجعة طبيب غربي يحاول أن ينقذها مما هي فيه.
و"خالد أبو بكر" مخرج صومالي الجنسية ووالدته سورية أقام في سوريا منذ العام 993 بعد الحرب الأهلية التي وقعت في الصومال، وبدأت اهتماماته الفنية عام 1999 عن طريق المسرح الجامعي، ومارس التمثيل لسنوات قبل أن ينتقل إلى العمل كمساعد مخرج، ومن ثم مخرج والمشاركة في ورشات عمل مسرحية تمثيلاً وإخراجاً وأول مختبر مسرحي له كمخرج كان -كما يقول لـ"زمان الوصل"- عام 2009 من خلال عرض بعنوان "الطاهي" وهو من تأليف الكاتب العراقي "علي عبد النبي الزيدي" وتلاه في عام 2010 عرض آخر بعنوان "بلغني أيها القارئ السعيد" لذات المؤلف الذي شارك في مهرجان أيام الشارقة المسرحية 2011.

بعد اندلاع الحرب خرج أبو بكر من سوريا إلى لبنان حيث عاش هناك 5 سنوات عمل خلالها في الإخراج الإذاعي من خلال مسلسل بعنوان "حي المطار" الذي كتبه عدد من الكتاب السوريين وعرض على محطة BBC عربي، كما شارك في تمثيل مسلسل درامي بعنوان "أمل" في جزئين ومسلسل بعنوان "بدون قيد" على"يوتيوب" إلى جانب عمله في دبلجة أفلام ومسلسلات الأطفال والكبار.
وبعد خمس سنوات ولسوء أوضاع الإقامة في لبنان انتقل الفنان الشاب إلى "لوكسمبورغ" وحمل معه -كما يقول- توليفة من بلاد الحب والحرب، بدءاً من الصومال إلى سوريا مروراً بلبنان ووصولاً إلى أوروبا وأراد أن يسكب هذه التوليفة في مسرحيته الجديدة "تغيير".
ولفت محدثنا إلى أنه اتفق مع الفنانين "أحمد الحرفي" و"هدى الحلاق" و"عصام المسكي" المقيمين في هولندا واختار نص "بلغني أيها القارئ السعيد" للكاتب العراقي "علي عبد النبي الزيدي" مضيفاً أنه اختار للمسرحية اسم "تغيير" انطلاقاً من الكلام الموجود في النص الذي يتحدث عن فكرة التغيير واصطدامها بالواقع.
وتُصنع حكاية "تغيير" في هولندا من توليفة تبدو غريبة نوعاً ما، فالمخرج صومالي سوري يعيش في لوكسمبورغ والكاتب عراقي والممثلون سوريون يعيشون في هولندا والتقاء هؤلاء الأشخاص -حسب قوله- أعطى بذوراً طيبة نبتت منها أفكار لها علاقة فعلاً بالتغيير.
وأشار أبو بكر إلى أن مسرحية "تغيير" هي أول مشروع فني له في أوروبا وبداية انطلاقته هناك، واختار هولندا -كما يقول- لوجود "فرقة فضاء المسرحية" التي يديرها الفنان "أحمد الحرفي".

وأردف أن ظروف إنجاز المسرحية لم تكن صعبة، ولكنها ليست سهلة في الآن ذاته لأن الفريق حضّر نفسه جيداً من خلال النص وترجمته وطرحه على المنظمة التي منحت الفرقة مكان العرض والإمكانيات اللوجستية الأخرى.
وتروي مسرحية تغيير قصة الزوجة التي تستحضر حالة زوجها أثناء وجود الطبيب في منزلها لعلاجها، ونظراً لأن الزوجين عقيمان يحاول الطبيب أن يقنعها باللجوء إلى التلقيح الإصطناعي (الأنابيب) فيرفض الزوج –من خلال المنولوج- هذا الطفل لاعتقاده بأنه منتوج خارجي وليس من الداخل –أي منه- وهنا ينشب صراع بين الزوجين بلغة مسرحية عالية أبدع فيها الكاتب الزيدي- ويدخل الطبيب معها في اللعبة لدرجة أنه شعر بأنه سيتورط بحبها فقرر أن يصارحها بوفاة زوجها، ولفت محدثنا إلى أن الزوجة هي نموذج لامرأة خرجت من سوريا حملت معها هواجس الحرب والتشوهات النفسية التي خلفتها في داخلها مثل كثير من السوريين وتصل إلى حالة العجز عن بدء حياة جديدة في موطن اللجوء.
ويحاول الطبيب الأوروبي أن يأخذ بيدها لتستعيد ثقتها بالحياة عن طريق لعبة مسرحية فيها شيء من التجريب، سواء في الفكرة أو الديكور لكن العرض في النهاية واقعي، ويصارح الطبيب الزوجة في نهاية العرض بأن زوجها توفي في سوريا جراء الحرب وعليها أن تستمر في حياتها.
وحول سبب اختياره المسرح وسيلة للتعبير وخصوصاً أن هذا الفن يحتاج لإمكانيات لوجستية لا يمكن تأمينها بسهولة في البلدان الأوروبية بسبب ظروف القادمين الجدد أشار أبو بكر إلى أنه من الصعب فعلاً صناعة عرض مسرحي في أوروبا لأسباب عدة ومنها عدم توفر الإمكانيات وحالة الشتات التي يعيشها الممثلون والفنيون المؤهلون، حيث يعيش كل منهم في بلد، علاوة على صعوبة إيجاد جهات ممولة بسبب تعذّر الشرح والترجمة وإقناعها بإعطاء منحة لمثل هذه المشاريع الفنية.
وتابع أن التحدي الأكبر بالنسبة ولرفاقه االفنانين أن يبقوا في هذا الحقل المسرحي الذي يعد أهم وسيلة تعبير مباشرة مع الناس علاوة على كونه "أبو الفنون" بغض النظر عن كل الظروف.
وأردف أن فريق العرض تجاوز الصعوبات والتحديات التي واجهتهم من خلال إيمانهم بالحكاية وبأنهم قادمون جدد وعليهم البحث عن كل الوسائل لإثبات ذاتهم وتجاوز العقبات بالحب والوعي والشغف بالخشبة، وختم أبو بكر بالثناء على فريق العرض من ممثلين وفنيين وإداريين، وأصدقاء داعمين جعلوه يثق بأن أصدق مكان في الحياة هو خشبة المسرح.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية