حقق الخطاط السوري "أيهم نجار" شهرة واسعة في ألمانيا في غضون سنوات قليلة من لجوئه إليها من خلال لوحاته الحروفية التي جسّد فيها معاناة الشعب السوري مازجاً فيها بين موسيقى الحرف واللون والحركة في وحدة تآلفية للوصول إلى لغة بصرية تجريدية تبوح بمكنوناتها للمتلقي منذ اللحظة الأولى.
وكان "نجار" قد فر من سوريا بعد نجاته من تجربة اعتقال ووصل برفقة عائلته إلى ألمانيا عام 2016 بعد رحلة صعبة وطويلة دامت أربعة أشهر، كاد في مرات كثيرة أن يفقد حياته خلالها لأنه -كما يروي لـ"زمان الوصل"- جاء متأخراً عن رحلات تدفق اللاجئين، وبات الوصول إلى ألمانيا مغامرة محفوفة بالمخاطر بسبب إغلاق كل الطرقات إلى أوروبا، كما واجه صعوبات في بداية وصوله إلى ألمانيا ولكنه تمكن من اجتيازها وكسر حاجز اللغة والاندماج بسهولة ويسر.
ويستعيد "نجار" بداياته الفنية، حيث تتلمذ على يد والده الخطاط المعروف "محمد نجار" الذي شجعه على ممارسة الخط العربي وكان يجلس معه ويتدرب بالساعات ليلم بأسرار هذا الفن العريق.
وتابع محدثنا أنه سعى في البدايات إلى أن يتعلم من تجارب الخطاطين الكبار، وكان –حسب قوله– يبحث عن الخطاطين المشهورين ليأخذ من خبرتهم وكان فضل الخطاط الكبير "عدنان الشيخ عثمان" و"أحمد الباري" عليه كبيراً، وفي مرحلة متقدمة أقام نجار معارض عدة في المملكة العربية السعودية التي عاش فيها لسبع سنوات، ولاقت هذه المعارض رواجاً وإقبالاً وهي مرحلة يمكن تسميتها –حسب قوله- بالمرحلة الكلاسيكية التي جهد فيها لإثبات ذاته كخطاط.
في مراحل لاحقة اتجه "نجار" إلى تطوير تجربته والانتقال إلى الحروفيات، وأبان أن الخط العربي في الماضي كان يكتب بحبر أسود على ورقة بيضاء ويُدعى بالخط الكلاسيكي ثم تطور لاحقاً ليحتل اللون مكاناً في اللوحة، وبعد ذلك أخذ الخطاطون يهتمون بالتكوين واللون على حساب معنى الكلمة ومن هنا ظهر مصطلح الحروفية وهي تشكيل حروف الخط العربي بقالب جميل وألوان باهرة مع الحفاظ على قواعد هذا الخط.

ولفت الفنان الحلبي الذي يعيش في مدينة "هامبورغ " إلى أن أي عمل خطي يتطلب أن يكون هناك مضمونا ومحتوى يتم على أساسه بناء اللوحة سواء كان بالتكوين أو اللون أو نوع الخط لتصل هذه اللوحة إلى أعلى مستوى لها، مضيفاً أنه لا يعتمد الاستهلاك والأسلوب التجاري في أعماله.
واستدرك أن على الفنان في زمن التلوث البصري أن يسعى للتميز لأن البقاء للأفضل ويجب أن تلامس اللوحة -حسب قوله- مشاعر المتلقي وعندها يمكن القول إن ما يقدمه الفنان هو فن حقيقي ويكتسب صفة الديمومة.
في شهر كانون الأول -ديسمبر من العام الماضي كان الجمهور الألماني والعربي على موعد مع المعرض الأول للفنان نجار الذي أقيم برعاية الجمعية الإسلامية في الصالون الثقافي للمرأة العربية في هامبورغ، وعرضت فيه لوحات تبرز جماليات الخط العربي وفضاءاته الإبداعية، ولاقى المعرض نجاحاً كبيراً وإقبالاً لافتاً من العرب والألمان، وكشف الحروفي السوري أنه شعر بالتخوف من عدم نجاح المعرض وعدم تقبل فكرة تقديم الخط العربي للجمهور الغربي ولكن بعض الأصدقاء الألمان وخصوصاً البروفسور Heinrich Zankl شجعوه على فكرة المعرض.
وشارك نجار بعدها في معرض مشترك مع 38 فناناً عالمياً واكتشف -حسب قوله- أن أغلب الحضور كان مزدحماً في قسم العرض الخاص به لأنه كان الخطاط الوحيد فيه مما أعطاه دافعاً ليكمل مشروعه الجميل وتضمن المعرض لوحات مستوحاة من الثورة السورية ومعاناة الشعب السوري، وكذلك بعض الأشعار الصوفية.

ومنها لوحة تحتوي مقطع من قصيدة "موطني" بالخط "النيسابوري" والمنفذة على خشب ملبّس بورق الفضة وألوان إكريليك، ولوحة حملت كلمة "اعتقال" نفذت على ورق الكانفس وألوان الإكريليك.
وعلى إثر هذا المعرض تلقى "نجار" من الفنانة Katharina Pieper، وهي خطاطة عالمية دعوة لإقامة معرض في غاليري Stiftung Schriftkultur الذي تملكه في مدينة "هومبورغ" ولاقى المعرض كذلك رواجاً وإقبالاً كبيراً لدى الألمان ويحضر لمعرض مشترك آخر مع الخطاطة Pieper.
ويطمح لافتتاح مركز صغير لمواصلة فنه يقدم من خلاله دورات مجانية لعدد من الراغبين في تعلم هذا الفن، بهدف نقله إلى الأجيال القادمة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية